الشيخ الحافظ المقري محمد صالح سالم باحيدرة رحمه الله 1338 – 1400 هـ

 

 اسمه : الشيخ الحافظ المقري الفقيه محمد صالح سالم باحيدرة المكي الشافعي .

ميلاده : وُلد الشيخ في أبها في الثلاثينيات الهجرية ونشأ بها , أصيب بالرمد في عينيه ؛ فقاموا بعلاجه بطرق بدائية ولكنّه فقد البصر منذ صغره . أتم حفظ القرآن الكريم .انتقل إلى مكة المكرمة في شبابه , وكان يسكن بالمسعى حيث كان المسعى قديماً شارعاً والمباني على جانبيه .

كانت المباني تفصل بين المسجد الحرام والمسعى كما كان المسعى سوقاً من قديم الزمان وعلى جانبيه حوانيت , وكان السعي في وسط السوق ؛ ولتيسير عملية السعي قامت الحكومة السعودية بإزالة المنشآت السكنية والتجارية المجاورة للمسعى ، وضُم المسعى إلى المسجد الحرام في عمارة واحدة .

 شيوخه : أساتذته وزملائه : تتلمذ الشيخ على يد الشيخ أحمد حجازي الفقيه الذي اُنتخب شيخاً لطائفة الفقهاء وصدر الأمر السامي بذلك برقم 1754 في 3-4/9/1353هـ فبلغته المعارف النظام والتعليمات الخاصة بمشيخة القراء , وتابع الشيخ أحمد حجازي الفقيه عمله في تعليم القرآن الكريم حتى تخرج على يده عدد من أبناء مكة المكرمة قراء مجودين

منهم : ابنه الأكبر محمد أمين وابنه عبدالله والشيخ المقرىء زكي داغستاني و الشيخ المقرىء عباس مقادمي و الشيخ المقرىء جميل آشي و الشيخ المقرىء محمد صالح باحيدرة والشيخ المقرىء محمد الكحيلي و الشيخ عبدالحميد حيات والشيخ المقرىء أحمد سعد الله والشيخ المقرىء محمد النونو و الشيخ عبدالحميد غندورة والشيخ المقرىء جعفر جميل البرمكي ,

كما تفقه على يديه عدد من القراء الكبار منهم : الشيخ محمد نور أبو الخير نقيب المقرئين الأول وفقيههم والشيخ المقرىء عمر أربعين الفقيه والشيخ سراج قاروت الفقيه , كما تخرج على يديه عدد آخر من المقيمين من غير أبناء مكة المكرمة

منهم : الشيخ المقرىء محمد معصوم والشيخ المقرىء محمد طاهر جاوه والشيخ المقرىء أشهد علي بن محمد صادر البنغالي والشيخ المقرىء مصطفى رواس , وآخرون من الأفاضل .

القراءة الحجازية : برع الشيخ في القراءة الحجازية , وكانت مكة المكرمة و المدينة المنورة عامرتين بالقراء الجامعين لكل القراءات.

وتخصص في هذا الميدان من علماء القراءات و شيوخ هذا الفن الكثير , و يأتي في الدرجة الأولى من هذه الطبقة رجال كرام و أئمة أعلام هم امتداد لمن سبقهم من الصحابة و التابعين و تابعيهم .

مجالس العلماء : كان الشيخ محباً لمجالس العلم ؛ حيث كانت مكة المكرمة تشتهر بالمجالس التي كانت تنعقد في بيوت العلماء , يحضرها الناس ويجتمعون فيها للقراءة والاستماع لكتاب الله ثم ينصرفون مسرورين ، من غير تكلف بصنع طعام مقتصرين على القهوة والتمر والشاي الأخضر والقهوة الحلوة (قهوة ستي خديجة رضي الله عنها كما كانوا يحبوا تسميتها) والحليب باللوز أو السحلب مع الحلوى المكية (اللدو والهريسة واللبنية وطبطاب الجنة والمشبك) وقد يقدمون فيها الطعام بحسب المناسبات .

ومن تلك المجالس : مجلس السيد محمد بن أمين كتبي الحسني وكان له جماعة مواظبون عليه وجماعة ممن يترددون وينتقلون بين المجالس ، وكان المجلس في بيته الملاصق للمسجد الحرام بباب الباسطية ، ثم انتقل إلى داره ببئر بليلة بأجياد .

ويحضر المجالس معظم القراء بمكة المكرمة وتمتلئ بالمستمعين والمحبين ولا تخلو من حصول مذاكرة علمية بالمناقشة في معنى الآيات حينما يسأل سائل مستشكلاً , وكان يحضرها من القراء الشيخ محمد نور أبو الخير مرداد والشيخ رضا قاري والشيخ عبدالصمد فدا والشيخ محمد البنداري والشيخ زيني باويان والشيخ محمد الكحيلي والشيخ عباس مقادمي والشيخ محمد زكي داغستاني والشيخ عبدالكريم فلمبان والشيخ محمد عبيد والشيخ جعفر جميل مريكي والشيخ عمر الأربعين و الشيخ أحمد غندورة والشيخ جميل آشي والشيخ مسدد قاروت و الشيخ سراج قاروت .

باب السلام بالمسجد الحرام

حلقات القرآن في الحرم : ظل الشيخ يقرأ القرآن الكريم في الحرم في صحن الكعبة وكان الناس يجتمعون لسماع تلاواته هو وزملائه المقرئين في ذاك الزمن , ثم صار يجلس في دكة الشاولي (أحدى عائلات الزمازمة المعروفة) حيث كانت توجد مجموعة من الدكاك موزعة على جوانب أبواب ومداخل المسجد الحرام ، وكان من أشهرها دكة الشاولي التي كانت على يمين الخارج من باب السلام القديم من جهة المسعى في نهاية الرواق العثماني وبداية التوسعة السعودية , وقريب من هذا المكان فرقة نظافة المسجد الحرام وكان رئيسها السخاخني ويمين هذه الدكة عند خروجك حلقة السيد علوي مالكي ، وكانت عائلة الشاولي تعمل في خدمة توفير الزمزم لحجاج بيت الله الحرام وهم عائلة كبيرة كان عميدهم الشيخ : عبد الغني شاولي وكان يعمل معه في المهنة بعض إخوانه وأقاربه وكانت هذه الدكة تجمع شملهم ومن يحبهم وهم كُثر ، وكان من أشهر الشخصيات في هذه الدكة الشيخ محمد مرداد و علي وصدقة رواس و سالم صيرفي والمؤذن الشيخ حسن لبني .

و الدكة عادة تقع على مدخل قبو يتسع لمجموعة كبيرة من أزيار الزمزم والدوارق والمرافع الخشبية والحديدية ، وفي الوقت نفسه فيها مساحات كافية للراحة والقيلولة وخاصة في نهار رمضان ، سواء للعمال أو لأصحاب الدكة وكان أمام الدكة مجموعة من الدوارق موضوعة على مراكن سبيل للمصلين ويوجد بداخل العامود دولاب له باب مقفل .

عمله في أول إذاعة في المملكة العربية السعودية : في غرة محرم 1371هـ أقيم احتفال كبير برعاية الأمير فيصل بن عبدالعزيز ـ نائب الملك في الحجاز ـ بمناسبة إفتتاح إستوديو مكة المكرمة و أول إذاعة سعودية على جبل هندي ( جبل قعيقعان ) , أما المكاتب الادارية للإذاعة فقد كانت بمبنى آخر بحي الشبيكة بمكة المكرمة .

انضم الشيخ لفريق المقرئين في الإذاعة كأحد القراء الرواد بالإذاعة السعودية في أوائل افتتاحيات وتأسيس الإذاعة .

وكان يصعد إلى الجبل سيراً على الأقدام مستعيناً بأحد أبنائه ليقوده ؛ إذ كان ضريراً ولا توجد مواصلات , وقد سُجلت له بعض التلاوات بطرق بدائيه .فكان يجلس معه أحد أبنائه يراقب شريط التسجل إذا أوشك على نهايته ليربت على ركبة والده ؛ لتنبيهه للتوقف عن القراءة . وقد مكن انشاء هذا الاستوديو من نقل البث من جدة إلى مكة المكرمة , لفترة اقتربت من خمس سنوات , اعيدت بعدها الاذاعة إلى مدينة جدة , بعد تعيين الاستاذ عبدالله بلخير مديراً عاماً للاذاعة السعودية و الصحافة و النشر , حيث تخلت الاذاعة بعد سنوات عن هذا الموقع الذي استلمته إحدى الاجهزة الامنية كما انشيء عوضاً عنه مقر آخر قريب من الحرم المكي الشريف .

وكانت الاذاعة تذيع نداءها " الاذاعة اللاسلكية للملكة العربية السعودية من مكة المكرمة" , و أحياناً أخرى كان نداءها " هنا مكة المكرمة " , ثم صار اسمها " دار الاذاعة السعودية من مكة المكرمة " , و عندما تم استحداث اذاعة " صوت الاسلام " من مكة المكرمة في العام 1381هـ , وحين بدأت الاذاعة البرنامج العام وقدمت المزيد من المنوعات و البرامج الترفيهية تغير حينئذ اسم الاذاعة إلى " اذاعة المملكة العربية السعودية من جدة " .

التدريس في المدارس : * عمل الشيخ مدرساً بمدرسة المهاجرين التي أنشئت عام 1375 هـ ودرس فيها القرآن الكريم والتوحيد والفقه . وكانت تقع في العتيبية في شارع الأندلس وكانت تضم جميع صفوف المرحلة الابتدائية .

وانتقلت إلى مبنى جديد مستأجر في محلة جرول في الجهة الغربية من القشلة عام 1392هـ * عمل الشيخ مدرساً في المدرسة الفخرية التي أنشئت منذ عام 1292هـ واستمرت قرابة 105 عام حتى عام 1403هـ والتي أسسها الشيخ عبد الحق قاري أحد الوافدين من الهند الذي كان لديه كتّاب عند "باب إبراهيم" في البناية المشرفة على الحرم ، لما رأى من الإقبال الشديد على المدرسة الصولتية في السنوات الأولى من تأسيسها وسماها "المدرسة الفخرية العثمانية" عام 1298هـ ، فالفخرية إشارة على أن التعليم بها كان مجاناً فخرياً ، والعثمانية نسبة إلى اسم الأمير الهندي الذي ساهم في تقديم المساعدات المالية للمدرسة واسمه عثمان .

وفي عام 1378هـ بدأت وزارة المعارف تقدم لها مساعدات سنوية ونتيجة لذلك بدأت الحياة تدب في المدرسة من جديد .

ثم تولى الشيخ إسحاق قاري البكري إدارة المدرسة بعد وفاة مؤسسها وأنشأ فروع للمدرسة في أحياء مكة المكرمة ، وبدأ بحي الفلق وأجياد السد .

وكانت المدرسة تحتوي على المرحلتين التحضيرية (الأولية) والابتدائية ، وقسماً لتحفيظ القرآن الكريم الذي عمل فيه الشيخ محمد صالح باحيدرة مدرساً ومحفظاً لطلاب المدرسة من أبناء مكة المكرمة والوافدين إليها 

أول جمعية لتحفيظ القرآن الكريم : عمل الشيخ في حملات تحفيظ القرآن الكريم التي تمت بتوجيه من الشيخ محمد صالح قزاز مدير مشروع الحرم في ذلك الوقت والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي فيما بعد , فحينما وفق الله الملك عبد العزيز للعمارة الأولى للمسجد النبوى الشريف وأسند أمر هذه العمارة العظيمة إلى المعلم محمد بن عوض بن لادن طلب من معالي الشيخ عبد الله السليمان ترشيح شخص لإدارة المشروع فاُختير الشيخ محمد صالح قزاز لإدارة مشروع العمارة السعودية الأولى للمسجد الحرام بمكة ، واسند أمر إصلاح قبة الصخرة بالقدس إلى المعلم محمد بن لادن, فتولى الشيخ محمد صالح قزاز إدارة المشروع كذلك, وهكذا جمع الله لهذا الرجل الإشراف على تعمير أعظم مساجد الإسلام في مكة والمدينة وبيت المقدس وكانت حملات تحفيظ القرآن من اللبنات الأساسية في تأسيس مدارس تحفيظ القرآن الكريم التي بدأت في مكة المكرمة , ثم تم إنشاء (الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم) في مكة المكرمة في شهر رمضان المبارك عام 1382هـ وكان أول رئيس لها الشيخ محمد يوسف سيتي الباكستاني وهو من أسرة تعيش في شبه القارة الهندية وتحديداً في باكستان , نجح الشيخ يوسف في تجارته حتى صار من كبار أرباب الصناعة في بلاده باكستان ، ولقبّته غرف التجارة والصناعة في أوربا وأمريكا بملك القطن والصوف .

توجه إلى مكة لاداء العمرة في رمضان وعرض الشيخ محمد يوسف سيتي فكرته في إنشاء جمعية لتحفيظ القرآن الكريم في مكة المكرمة على علماء المسجد الحرام ، فتحمسوا لها ودعموها ، فكانت أول جمعية لتحفيظ القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية وذلك عام 1382 من الهجرة، وبدأت هذه الجمعية المباركة في رحاب المسجد الحرام ومساجد مكة .

وقامت هذه الجمعية بنشر مدارسها في جميع أرجاء المملكة , وكان الشيخ محمد صالح باحيدرة يتوجه إلى القرى والهجر حول مكة لتحفيظ أئمة المساجد والتأكد من حفظهم للقرآن بشكل دوري وكان يعد الخروج من مكة إلى القرى والهجر حولها سفراً في ذلك الوقت فتستغرق الرحلة ساعات للوصول وتستغرق المهمة أيام لإتمامها .

أصبحت الجمعية نواة تأسست عليها الجمعيات الأخرى في كثير من مناطق المملكة العزيزة ، كالمدينة المنورة والرياض وجدة والباحة وأبها ومناطق عسير والإحساء وتبوك وغيرها من المدن المختلفة الكثيرة . 

حياته وأبنائه : تزوج بعد أن توفيت زوجته الأولى (وكانت من بنات عمه) ولم ينجب منها ثم أنجب من زوجته صالحة الطفيحي خمس من الأبناء وبنت واحده سمى ابناءه الثلاثة الأوائل أسماء مركبة من باب البشرى مبتدئاً بمحمد .

أكبرهم محمد صدقة وكان موظفاً بامارة منطقة مكة المكرمة , ثم محمد عبد الله وعمل برئاسة تعليم البنات , ثم محمد صالح الموظف بأمانة العاصمة المقدسة , ثم أحمد المدرس ثم حمزة وكان مدرساً , أما ابنته فسماها نوال وعملت في التدريس .

أما أحفاده فمنهم المدرسون والمدرسات والمحاضرون بالجامعات والمحاضرات والدكاترة ( الأطباء) والمهندسون والموظفون .

وفاته : توفي الشيخ محمد صالح باحيدرة في شهر ربيع الأول عام1400هـ بمنزله بجرول وصلي عليه في المسجد الحرام بعد أن قضى جل حياته بين المسجد الحرام ومجالس العلم الشريف بمكة المكرمة , ودفن في مقابر المعلاة بمكة المكرمة , رحم الله الشيخ رحمة الأبرار وبارك في نسله الأخيار وجمعنا به وبسائر الصالحين في دار القرار في جنات تجري من تحتها الأنهار .

مصادر الترجمه : ترجمه خاصه خطية من إعداد حفيده الأستاذ : ياسر محمد صدقه باحيدرة حفظه الله .

تصحيح ومراجعة : محمد بن علي يماني .