الشيخ عبد الله الجفالي .. بيت تجاري أسس أقدم شركات الكهرباء السعودية

 


ان تاريخ عبد الله بن ابراهيم الجفالي وابنائه ابراهيم واحمد رحمهم الله، وعلي حفظه الله، هو جزء متمم لتاريخ الحياة الاقتصادية والادارية والاجتماعية للحجاز ونجد والاحساء في المملكة العربية السعودية في القرن المنصرم، فلقد وُلد هذا العصامي في حدود عام 1880م في عنيزة بمنطقة القصيم، ثم نزح الى مكة المكرمة ابان الحكم العثماني، وعمره لم يصل + العشرين (1898م)، وبدأ يحتل مكانة اجتماعية مرموقة مختطا لنفسه مسارا يجمع بين نزاهة التجارة وخدمة الوطن وانمائه وعمل الخير، مع البعد عن التباهي في المحافل العامة، تماما كما هو خط ابنائه من بعده، على النحو الذي عشنا ورأيناه.

وكان قبل استقراره في مكة المكرمة قد سافر الى العراق، واكتسب شيئا من المعارف فيه، ثم عاد الى وطنه الاساسي (بمنطقة القصيم) ليقرر الرحيل الى الحجاز.

بنى مؤسس بيت (آل الجفالي) مجداً يفوق عرض التجارة، حتى بلغت ثقة الملك عبد العزيز به ـ بعد ان دخلت منطقة الحجاز في الدولة السعودية عام 1925م ـ ان اصطفاه ضمن قائمة الاعضاء الاوائل، من صفوة المجتمع ومتعلميه آنذاك، لتشكيل اول مجلس للشورى في العهد السعودي وهم: (صالح شطا واحمد سبحي وعبد الله الزواوي ومحمد يحيى عقيل وعبد الله ابراهيم الجفالي وعبد العزيز بن زيد وعبد الوهاب عطار)، فكان الجفالي وبن زيد يمثلان مملكة نجد في هذا المجلس، قبل ان تتوحد المناطق تحت اسم المملكة العربية السعودية، كما كلفه الملك عبد العزيز بمهام تفتيش ادارية في منطقة غامد وزهران (الباحة).

واذا ذكر البيت التجاري لآل الجفالي، فانه يقترن على وجه الخصوص، باسهامه في تعبيد اول طريق تعبره السيارات بين مكة المكرمة وجدة، وتأسيس اول شركة كهرباء سعودية في الطائف (عام 1947م)، التي شملت خدماتها بعد حين مكة المكرمة، لتلغي استخدام الفوانيس الغازية في بيوتها وشوارعها وأزقتها.

وقد توفي رحمه الله، اثر حادث أليم في اواخر شهر رمضان المبارك عام 1354هـ ديسمبر (كانون الاول) 1935م، وعمره لما يبلغ الستين، مخلفاً اسرة مكونة من (4) ابناء وابنة واحدة نورة، وقد غطت الجريدة السعودية الرسمية «ام القرى» خبر وفاته في حينه (العدد 577 في 25/12/1935م)، الا انه لا تُعرف له صورة فوتوغرافية محفوظة، وقد توفي احد ابنائه الاربعة واسمه سليمان وهو شاب لم يصل العشرين من عمره.

ثم كوّن ابناؤه من بعده نواة الشركة العائلية المعروفة اليوم: (شركة ابراهيم الجفالي واخوانه) في مكة المكرمة، حيث كانت هذه العاصمة المقدسة تتبعها الطائف، تتفوق بتجارتها المزدهرة على جدة، قبل ان تبدأ الاخيرة باحتلال المركز التجاري الاول في غرب البلاد، يساعدها في ذلك ميناؤها البحري القديم وبيوتها التجارية العريقة.

وقد استمرت الشركة العائلية في تأسيس شركات اخرى للكهرباء في المدينة المنورة وجدة والاحساء، كما سعت الى انشاء اولى شركات الاسمنت في البلاد، وكان مما قامت به في مجال الصناعة والتعهدات: تأسيس شبكة الهاتف السعودي الآلي الحديث ومصنع تجميع شاحنات المرسيدس في جدة.

وقد توفي الشيخ ابراهيم رحمه الله عام 1983م في المستشفى العسكري بالرياض مخلفا ابنة وحيدة اسمها فوزية، تقيم الآن في مكة المكرمة، وتكرس حياتها لاعمال الخير، سيرا على خطى والدها في العمل الانساني النبيل، ثم عاجل الاجل الاخ الاصغر الشيخ احمد عام 1994م في جدة بعد ان انجب من الابناء: وليد وخالد وطارق ومن البنات: مها، وخلف سمعة اجتماعية وتجارية مرموقة، واعمالا انسانية مستترة في مساعدة المحتاجين في الداخل والخارج، لا تكاد تعرف منها الا نماذج رمزية مثل مركز (العون) للمعاقين بجدة ومركز غسيل الكلى بمستشفى الملك سعود بعنيزة، وبعض الصدقات الجارية والاوقاف لرعاية الفقراء والحجاج وغيرهم.

ويعيد التاريخ نفسه، ليتم اختيار الاخ الاوسط، الشيخ علي حفظه الله، عضوا في مجلس الشورى الحديث، في دورته الاولى (بين عامي 1994 و1998م) فكان نعم العضو السمح، الحائز بامتياز احترام زملائه، المتزن في آرائه وطرحه، المتابع للمداولات، المواظب على الحضور بالتردد الاسبوعي بين جدة والرياض.

وقد ولد الشيخ علي الجفالي في مكة المكرمة عام 1916م، وتركز نشاطه في مباشرة مسؤوليات مجلس الادارة والعضو المنتدب لشركة كهرباء جدة (المنطقة الغربية) وشركات الاسمنت، بالاضافة الى الشركة العائلية، وله من الابناء: حاتم وامين وسامي وايمن ومن البنات: منى.

بقي ان يذكر، ان صلة آل الجفالي بمسقط رأس العائلة (عنيزة) لم تنقطع، بعواطفهم واهتماماتهم وصدقاتهم، وكذلك مع الاحساء التي بنى الاخوة الثلاثة صلة عمل معها بعد ان توثقت صلة نسبهم مع اسرة (بالغنيم) الاحسائية المعروفة التي يتحدر منها وزير الزراعة السعودي الحالي.

المصدر : صحيفة الشرق الاوسط 20 ربيـع الاول 1426 هـ 28 ابريل 2005 العدد 9648 بقلم : د. عبد الرحمن الشبيلي