أوقاف قايتباي.. مثالا

 

من خلال الدفاتر السلطانية للأوقاف المكية ومخطوطات الكشوف الوقفية لاستحقاقات المنتفعين بالوقف مجانا أو بالحكر سكنى أو استثمارا أو ما يتعلق بأنواع الانتفاع، يتبين مدى ما وصلت إليه الأوقاف المكية في ذلك الوقت من نفع وتأثير وخدمة للمجتمع.


ومن أبرز الذين أوقفوا الأوقاف لبيت الله الحرام ولجيرانه وزواره السلطان قايتباي المملوكي رحمه الله المولود سنة 836هـ 1423م، والمتوفى سنة 901هـ 1496م، الذي اشتهر عهده بظاهرة الوقف الهائل في مصر ومكة وغيرها، وقايتباي هو السلطان الملك الأشرف أبوالنصر سيف الدين قايتباي المحمودي الظاهري سلطان الدولة المملوكية، امتد حكمه 29 عاما، وهو من أكبر سلاطين وملوك الدولة المملوكية.


ولد في بلاد القبجاق في روسيا الآن، وكان مملوكا فاشتراه تاجر اسمه محمود بن رستم وأتى به إلى مصر وعمره ثلاث عشرة سنة، فاشتراه منه سلطان مصر الملك الأشرف برسباي بخمسين دينارا، وأخذ يترقى في الجيش حتى وصل إلى رتبة دوادار، ثم أعتق وترقى إلى أتابك أي قائد الجيش في عهد السلطان الظاهر تمربغا، ثم نصب سلطانا لمصر بعد خلع تمربغا بطلب من قادة المماليك وكان كارها لذلك لما في السلطنة من خطر على صاحبها من جهة المحيطين به، وقيل إنه بكى عندما عين سلطانا لكراهيته ذلك.


يصفه المؤرخون بأنه كان زاهدا عابدا متقشفا صوفيا محبا للعلم والتعلم، وفوق ذلك كان شجاعا فارسا حكيما.


ومن يتتبع سيرته يجده مغرما بالإنشاء والبناء، وله في كثير من البلدان مباني تاريخية بقي كثير منها حتى الآن في مصر والقدس ومكة والمدينة، وصلت إلى سبعين أثرا، ولا غرو فقد كان عصر المماليك هو العصر الذهبي للعمارة الإسلامية، وكانت أوقافه في مكة إلى القرن الماضي حيث دخلت في التوسعات للحرم المكي الشريف في العهد السعودي.


ترك كثيرا من الآثار الوقفية في مكة سميت باسمه حسب الكشوف الوقفية من أمثال: باب قايتباي من أبواب الحرم الشريف، ومنارة قايتباي، وأوقاف قايتباي، وبعض المباني الشهيرة في مكة من أمثال القصر المشنشن الذي سنتحدث عنه لاحقا.


وكما يقال آثارهم تدل عليهم، فقد قدم رحمه الله للبيت الحرام خدمات جليلة لم ينسها له الدهر برغم زوالها، ولنا حديث مستفيض مع عدد من واقفي الأوقاف الذين تم حصر أوقافهم في الدفاتر السلطانية.

المصدر : صحيفة مكة 1436/1/16هـ - طارق الحسين