أحمد بـن عبدالغفور العطار 1
أنـا أحمد بـن عبدالغفور بـن محمد نور بـن بكو العطار
و " بكو " بتشديد الكاف ، أصلها " بكي " نسبة إلى بكة مـن أسماء مكة - حرسها الله - و الناس يسمون " مكي " و بعضهم يقول: " مكو " بتشديد الكاف للتدليل ، و كذلك " بكو " للتدليل
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
كان أبي ( عبدالغفور ) عالماً حنفي المذهب
يتأسى بـالإمام الأعظم أبي حنيفة - رضي الله عنه - فـي حياته ، و يحاكي سمته المعروف مـن الكتب ، و أبى الوظائف ، و اشتغل بـالتجارة
فكان يحترف [ تجارة العطور ] .. ثم أضاف إليها [ تجارة المنسوجات الحريرية ] .. ثم أضاف إلى كل ذلك [ تجارة العمائم ] ، ثم اقتصر عليها لما أصبحت زي العلماء و الحكام و علية القوم ، و حاكاهم حجاج أندونيسيا و أفريقيا
و كان أبي كثير الأسفار .. و لهذا كانت له صلات طيبة بأبناء العالم الإسلامي ، و كان له أصدقاء مـن تركيا و مصر و شمال إفريقيا و الهند و الملايو
و كان يجيد إلى جانب لغته ( العربية ) بعض اللغات قراءة و كتابة و هي : " الفارسية " و " الأردية " و " البنغالية " و " التركية " .. و " اللغة الإنجليزية " التي تعلمها و هو يقارب الأربعين .. كما يجيد التكلم بـ " اللغة الجاوية "
و كانت لأبي فتاوى في حيازة أخي الأكبر
و كان يصحبها معه في أسفاره ، و في إحدى سفراته توفي و ضاعت تلك الفتاوى
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
و كان أبي موسراً له دكانان
أولهما بـالشارع اليوسفي لـ ( بيع العمائم و العطور و بعض التحف ) .. و الثاني بـداره بـالمسفلة لـ ( بيع لوازم الأسر ) كـالحبوب و السكر و الشاي و الغاز و غير ذلك .. و كان الدكانان تحت إشرافه المباشر ، و جعل ابنيه الكبيرين بـالشارع اليوسفي الذي كان على قيد خطوات من الحرم الشريف ، و الدكان الآخر بعهدة أخي الثالث الذي يكبرني
و كانت دار أبي بزقاق التجارية قريبة من الحرم عندما أعلن الشريف الحسين أمير مكة في يوم السبت ( 9 شعبان 1334 هـ ) .. و كان الترك يطلقون الرصاص و بعض القنابل من القلعة الرابضة على الجبل الذي يكشف كل أحياء مكة في ذلك الوقت ، و تساقط بعض الرصاص على دارنا ، فانتقل أبي إلى دار استأجرها بـجبل الكعبة التابع لـمحلة الباب
وولدت بعد الحج بهذه الدار .. و كان أبي يقيد تواريخ ميلاد أولاده ، و لكنه ضاع .. و الثابت أنني ولدت في أحد أيام العشر الأوسط من شهر ذي الحجة سنة 1334 هـ
و خلال الحرب بين الحسين و الترك اشترى والدي داراً بـحي المسفلة قرب بستان البخاري ، و هي التي قضيت فيها طفولتي و شبابي .. و كان " حي المسفلة " يمتاز على كل أحياء مكة بأن به من الأشراف من قريش من بني هاشم من آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و من بعض القبائل و من مختلف الأجناس و البلدان: بخارى و طاشكند و القرم و فارس و تركيا و القارة الهندية و جاوا و من أفريقيا
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
و تعلمت بعض سور القرآن الكريم فـي المنزل
و كانت ( أمي ) موصوفة بـ « الحكمة » و « سداد الرأي » و « الكرم » .. كما كان ( أبي ) معروفاً بهذه الصفات .. و ( كل أفراد أسرتنا متعلمون )
و لي ستة إخوة ؛ ثلاثة أكبر مني ، و ثلاثة أصغر مني ، و ثلاث أخوات لقين ربهن قبل مولدي .. أخي الأكبر ( حسن ) و كان أديباً كاتباً عالماً .. و ثـم أخي ( حسين ) و كان يحفظ القرآن يستظهره ، كما يحفظ عشرات الأحاديث .. و ثـم أخي ( محمد ) و كان متعلماً و مثقفاً .. ثـم أنا ( أحمد ) .. ثـم ( جميل ) ، فـ ( محمد نور ) ثـم أخي ( رجب ) الذي توفي صغيراً سنة 1346 هـ
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
و كان بـيـتـنـا متسعاً مقصوداً و ينزل في زمن الحج
ضـيـوف على ( أبـي ) من بـعـض أقـطـار الإسـلام
و لما سيطرت الشيوعية على روسيا و مستعمراتها من الأقطار الإسلامية خرج منها الملايين .. و دخل مكة منهم عشرات الآلاف ، اختاروا حي المسفلة ، و كانت عشرات الأسر منهم يجاوروننا و يزورون ( أبي ) دائماً ، و كانت صلته بهم وثيقة
و كان لي من أطفال هؤلاء أصدقاء و زملاء في المدرسة و في الحرم ، و ما يزال لي حتى يومنا هذا صديق حميم و زميل كريم
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
الموضوع مشاركة من الفضل قطان | المصدر : كتابي للمفكر أحمد عبدالغفور عطار | نشر بموقع قبلة الدنيا بتاريخ 1436/1/20هـ .
0 تعليقات