أحمد بـن عبدالغفور العطار 2

 

 

و أدخلني أبي مدرسة تسمى [ مدرسة الفائزين ]
و دخلتها فـي شهر محرم سنة ( 1343 هـ )

و كانت الحياة سهلة ، و لم تكن معقدة كهذه الأيام

فما كان مدير المدرسة يطلب مـن ولي أمر التلميذ إثبات شخصية .. بل كان يتم دخول المدرسة ببساطة و يسر و سهولة .. يصطحب الأب أو الأخ الأكبر أو أي قريب أو جار الطفل إلـى المدرسة ، و يقابل المدير

و في مقابلة بضع دقائق ينادي الخادم ليمضي التلميذ إلـى الفصل المناسب .. و يكتب " اسمه " و " اسم والده " و " اسم الحي " بـسجل المدرسة

* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *

فـإذا كان التلميذ فـي فصل ألف باء ياء أي السنة التحضيرية التي تسبق السنة الأولى لا يكلف بشيء إلا لوح خشب ، بل يحضر كل صباح ، ثم ينصرف ظهراً ليتناول غداءه بمنزله ، ثم ينصرف يحضر بعد الظهر لينصرف بعد أذان العصر

و أما من كان في صفوف أعلى تطلب المدرسة من ولي أمر التلميذ أن يحضر قلم رصاص ( مرسمة ) و قلم حبر و محبرة لحبر أسود و بعض الكتب و الدفاتر

و كان الآباء يعرفون حاجة التلميذ الذي يدخل المدرسة لأول مرة فيشتري له لوحاً من الخشب مستطيلاً مساحته ( 17 أو 18 × 24 سم ) .. و لم أكن في حاجة إلى لوح ، لأنني تعلمت بـمنزلنا الكتابة ، فكنت أحسن الحروف الهجائية مفردة ، كما أحسنت كتابة الحرف مفرداً و موصولاً في آخر الكلمة ، كما كنت أحسن قراءة { جزء عم }

و كان أول ما يتعلمه الطفل حفظ سورة صغيرة مـن القرآن
فـإذا لم يكن يعرف قراءة السور الصغيرة و لم يعرف الكتابة يكتب له المدرس على اللوح بعض الحروف حتى يحذق قراءتها و كتابتها .. فـإذا حذق كل الحروف انتقل إلـى { جزء عم } الذي يبدأ بـالحروف الهجائية ، ثم بكلمات كثيرة تمرنه على النطق و إخراج كل حرف من مخرجه .. فـإذا انتهى من جزء عم بـالفاتحة فـسورة الناس فـالفلق حتى ينتهي إلـى سورة النبأ التي تبدأ بقول الله تعالى: { عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ }

فـإذا ختم الطفل جزء عم بدأ بـالقرآن من سورة البقرة حتى يختم القرآن كله ، ولا يمكن ختمه إلا بعد تجويد الحفظ

* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *

و ختمت القرآن سنة ( 1343 هـ ) و رأى أبـي أن يحتفل بختمي احتفالاً كبيراً كل الأستاذة و التلاميذ كما حضر بعض العلماء و أعيان الحي ، ووزع على الجميع حلوى

و كان أستاذي الذي ختمت على يده القرآن « الشيخ عبدالغفور قاري » ، و ختمت على يده القرآن بعد أن أخذته تلقياً حرفاً حرفاً .. و أكرمني بـإجازة تدرج سند التلقي من شيخي الجليل إلـى النبي صلى الله عليه وسلم فجبريل - عليه السلام عـن الله تبارك وتعالى

و بعد أن حفظت القرآن و جودته صعدت إلى السنة الأولى
ثم في خلال شهر نقلوني إلى السنة الثانية ثم إلى الثالثة

و أدخلني أبـي [ مدرسة الفلاح ] لاستظهار القرآن
فـاستظهرته على « فضيلة الشيخ أحمد فوده »

و في خلال هذه السنوات كنت أتلقى بعض العلوم الدينية و العربية على مدرسين خصوصيين .. ثـم دخلت [ مدرسة المسعى الابتدائية ] ، و كانت الدراسة فيها أربع سنين نجحت فيها بفضل الله بتفوق

ثـم انتقلت إلى المعهد العلمي السعودي سنة ( 1351 هـ ) و كانت المدرسة الأولى و الوحيدة التي تدرس على النظام الحديث ، و تفردت بتدريس ( التربية ) دون كل مدارس الحجاز ، و قد أنشأ الملك عبدالعزيز المعهد ، و كان يشجع جلالته الطلاب بمكافأة شهرية جنيهين ذهبيين لكل طالب

و انقَطَعَتْ في عهدي و ما بعده إلا مرة واحدة زارنا « طلعت حرب باشا » أبو الاقتصاد المصري ، و أعطى كل طالب بـالمعهد جنيهين ذهبيين

و كان زملائي في السنة التي أنا بها :
عبدالعزيز الفضل - رحمه الله - إذ توفي سنة ( 1356 هـ ) وهو شاب صغير ، و علي الخويطر ، و عبدالمحسن ، و إبراهيم السويل الذي زاملني من الابتدائية حتى تخرجنا معاً من المعهد و ابتعثنا معاً أيضاً إلى مصر للدراسة ، وقد انتهت به المناصب الرفيعة إلى أن صار وزير الخارجية ثم سفيراً ثم مستشاراً بالديوان الملكي

و من زملائي: السيد محمد نائب الحرم - رحمه الله

 

الموضوع مشاركة من الفضل قطان | المصدر : كتابي للمفكر أحمد عبدالغفور عطار | نشر بموقع قبلة الدنيا بتاريخ 1436/1/29هـ .