السيد حسين بن محمد مكي كتبي

 

 

سماحة السيد حسين بن محمد مكي كتبي
" طيب الله ثراه "

• سفير المدرسة العلمية الحجازية
أول رحالة مكي يرحل إلى بلاد الصين في ( أواخر القرن التاسع عشر الميلادي ) .. رحل في شبابه إلى بلاد الصين و تجول كثيراً في بلدان شرق آسيا و جنوبها حتى استقر به المقام في بلاد الصين - في العهد الإمبراطوري ( قبل الثورة الشيوعية ) - وقد أسلم على يديه كثير من الصينيين

• كانت له خلوة تقع بالركن الغربي من المسجد الحرام
يدرس فيها الطلبة الصينيين { تعاليم الإسلام } بلغتهم .. فيفسر لهم ( معاني الآيات و الأحاديث و المناسك ) ، و يفقههم على مذهب سادتنا الأحناف ، و لابد أن يكون له بعض هوامش على متون الفقه الحنفي بـاللغة الصينية

• كان يتعهد أحبابه من أصحاب الخلوات
و يقف مسلماً و داعياً لشرب الشاي الصيني في خلوته

• كان يحرض الحجازيين على الرحلات و الأسفار
و يقوي فيهم العزيمة الترحالية بأنواعها و أشكالها و جميع أساليبها .. لكي يعرفوا « أساليب الحياة » و « كيفية التعايش » و « معرفة الناس » و « اكتساب الفوائد »

•~•~••~•~••~•~••~•~••~•~••~•~••~•~••~•~••~•~•

وقد جاء ذكره الكريم في كتاب ( رحـلـة عـمـر )
للمرحوم الأستاذ محمد عبدالحميد مرداد على النحو التالي
:-

■ خلوة السيد حسين كتبي

هذا السيد الكبير الفاضل المحترم ذو اللحية و العمامة البيضاء و الجبة البيضاء و الجسم العظيم .. كان من أعظم الرجال الذين رأيتهم في حياتي بالنسبة لسني في ذلك الوقت ، إذ كنت أهوى العجائب و الغرائب و كل شيء يدعو للتأمل و التطلع و التفكر

و من ذلك الوقت نمت في ذهني
فكرة « سياحة العالم » لأطلع على عجائبه و غرائبه

هذا السيد المحترم هو والد المرحوم السيد مرزوقي كتبي والد السيد مكي المرزوقي ، و كلهم من بيت علم و فضل ، و تبوأوا مراكز حكومية يشار إليها بالبنان فكانوا محل الاحترام و الإكرام و النزاهة إلى أن لاقوا ربهم - رحمهم الله

هذا السيد كان يسكن بـأجياد على رأس جبل الصفا بدحديرة ( منحدرة ) السنوسي على ما أسمع .. لكنه كان يقضي معظم أوقاته بالخلوة المشار إليها التي كانت بجانب العالم ابن تركي ( الشيخ محمد علي بن تركي ) - رحمه الله

■ هذا الرجل

هو الذي حرض والدي على الرحلات و الأسفار ، و قوى فيه العزيمة الترحالية بأنواعها و أشكالها و جميع أساليبها .. حتى حمله على الرحيل إلى " الهند " بادئ ذي بدء ، ثم توغل في الرحلات حتى وصل إلى " أستراليا "

كما شجعني أيضاً على السفر مراراً وقال لي: من لم يسافر لا يتعلم أبداً .. فقلت له: إذن ما فائدة المدارس التي نتعلم بها الآن إذا كان صحيحاً ؟! .. فقال: يا شاطر ! يعني لا يعرف أساليب الحياة و كيفية التعايش و معرفة الناس و اكتساب الفوائد

■ الدعوة لشرب الشاي الصيني

... كان يتعهد أحبابه من أصحاب الخلوات و يقف مسلماً و داعياً لشرب الشاي الصيني .. و بالجملة كان أول ما يقف على خلوتنا فينادي - بعد السلام و السؤال - يقول عندنا الآن الشاي جاهز فيلبي الوالد و يتركني وحدي ، حتى ولو كان عندنا أحد الزوار من الجاويين ، فإنه يتركهم و يذهب لاحتساء الشاي عند السيد حسين كتبي

حتى إني مراراً ما كنت أقول في نفسي - وأطلب من الله السماح - ما هذا التلهف الشديد على تلبية تلك الدعوة مع أن الوالد قليل الشرب للشاي بسبب مرض الخفقان ؟ كما كنت أقول: و لماذا لا يأخذني معه لأشرب من هذا الشاي ؟

و كانت الفرصة سانحة في يوم من الأيام إذ لم يكن عندنا أحد من الزوار . و مر بنا السيد فقال: الشاي جاهز تعالوا اشربوا لكم كأساً في هذا الصباح ، فقال له الوالد: هل آتي بمحمد ابني معي ؟ قال: حباً و كرامة أرجوك أن تصحبه معك دائماً ليتناول معك شاهينا . يعني ( من الشاي الذي نصنعه )

■ أول اكتشاف غريب

قال لي الوالد : قم ، فقمت و خرجت بعد إغلاق باب خلوتنا و ذهبنا إلى خلوة السيد حسين كتبي ، فرحب بنا و تكلم بلغة لا نفهمها مع أناس معممين وجدناهم داخل خلوته و لحاهم في حلوقهم و وجوههم عارية من الشعر و أنوفهم مفطوسة و عيونهم في غاية الصغر كأنها نقط صغيرة في طبق أبيض و على ظهورهم نسيج من القطن على نمط اللحاف و كلهم طأطأوا رؤوسهم و جلسوا كجلوسهم للصلاة و أعينهم لا تنظر لأحد منا كأنما على رؤوسهم الطير من التواضع و الاحترام

■ ظننتهم من علماء الجن

واعتراني رعب شديد حتى كدت أستأذن بالذهاب إلى بيت الخلاء و عدم الرجوع حتى يخرج الوالد ، لأني لم أر منظراً كهذا من قبل .. و لم أر أناساً بهذا الشكل ، يتكلمون بكلام عجيب و السيد الكتبي يتكلم معهم و كأنه منهم و عندما هممت بـالهروب قال السيد: اشرب كأساً من الشاي قبل أن تخرج لئلا يفوتك

فسكتُّ ، ثم تكلم مع هؤلاء القوم ، فقام بعضهم فوضع الإبريق على الدافور ( وابو الغاز ) و آخر أحضر أباريق صينية من الصيني المشجر المزركش و عليها قلانس من النسيج المحشو بالقطن و آخرون يفتلون عجيناً كان في طبق و كأن أصابعهم مصنع من مصانع المكرونة أو الشعيرية .. ثم أوقدوا وابوراً آخر ووضعوا عليه قدراً مملوءاً بالماء و صاروا يفتلون و يقذفون في الماء الساخن و يضغطون على الغطاء لمدة دقائق ثم يخرجون العجين و يضعون غيره وهكذا حتى امتلأ قدر من الصيني من هذا العجين .. ثم أخرجوا أعواداً على شكل أقلام البوص ووضعوا أمام كل منا عصوين و طبقاً صغيراً مجوفاً ملأوه من العجين المفتول المسلوق و رشوا عليه بعض البهارات و الفلافل

■ الشاي الصيني

و قام رجل من هؤلاء بإخراج أربع زجاجات من قوارير الحلوى الكبيرة التي كانت ترد من الخارج و بداخلها حلوى الليمون و النعناع ، هذه القوارير كانت مملوءة بـأوراق الشاي المقطوف بأوراقه قبل التصنيع

و خيرونا لنختار النوع الذي نشتهيه بلغة لا نفهمها فكان المترجم السيد حسين الذي خيرنا ففوضنا إليه الأمر لعدم معرفتنا بهذه الأوراق التي لم نرها قط ، فـراطنهم فأخرجوا من احدى القوارير حقنة من هذا الورق ووضعوها في براد صيني جميل المنظر وصبوا عليه الماء الحار المغلي ثم غطوه بملحفة صينية بحيث لا يصعد منه أي بخار

■ الطعام

ثم قال لنا السيد حسين : تفضلوا هذا فطور شيناوي و شاي شيناوي .. و الإخوة هؤلاء من علماء الصين و طلبة علم جاءوا للحج و العمرة ، ثم عرفهم بالوالد فقاموا و قبلوا يده و كأنه قال لهم هذا من حفاظ المصحف من أئمة الحنفية بـالمسجد الحرام

ثم بدأ القوم يتناولون تلك الأكلة بتلك العصي التي أشرت إليها ، و كان السيد حسين مثلهم أخذ عصوين و أكل بهما و مد يده إلى الرف و أعطانا ملعقتين لنأكل بهما فكنا نأكل و نتعجب وما أشد إعجابنا بالسيد حسين الذي يأكل بعصوين و يتكلم مع هؤلاء القوم الخزريين و الصينيين

* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *

■ من هو السيد حسين كتبي ؟

هو أول رحالة مكي يرحل إلى بلاد الصين في ( أواخر القرن التاسع عشر الميلادي ) و لكنه لم يدون رحلاته أو لم يعرها أي اهتمام ، وقد يجوز أنه سجل بعض مذكراته و لم تمكنه الفرصة من طبعها أو نشرها

كان ذلك عندما أخذتني الدهشة و أحببت أن أستطلع و أستكشف بعض الحقائق عن حقيقة هذا الرجل العظيم .. كيف يتكلم هذه اللغة العجيبة و يفسر للطلبة الصينيين معاني الآيات و الأحاديث و المناسك ؟ و كيف تعلم الإمساك بـالعصي الصينية التي يأكلون بها ؟

وقد قمت بسؤال أحد تلامذته الصينيين و كان يجيد الفصحى و من علماء الصين و حج أربع حجج وهو صديق و تلميذ للسيد و مواظب على المجيء إلى خلوته و يجلس مع التلامذة في حلقة درسه بـالخلوة ، سألته بعد ما صرت أتردد على السيد - رحمه الله - بعد سفر الوالد و بعد اختلاطي بطلبته و عرفت عنهم الكثير أنهم أناس مثلنا خلقهم الله على هذه الهيئة التي ذكرتها من قبل ، صغار الأعين و المناخير و الأقدام و لغتهم كـالطيور و مخارج حروفهم من الأنوف غالباً .. و سيأتي خبرهم مفصلاً و موضحاً - إن شاء الله - عندما أصل إلى ذكر أهل الصين عندما زرت بلادهم في الخمسينات و في التسعينات

سألت هذا الرجل و اسمه [ غياث الدين ] من مواليد بكين
قال لي : إن هذا السيد ( و يقصد به السيد حسين كتبي ) رحل في شبابه إلى بلاد الصين و تجول كثيراً في بلدان شرق آسيا و جنوبها حتى استقر به المقام في بلاد الصين .. وقد أسلم على يديه كثير من أهل بلادنا وهو رجل مبارك تعلم اللغة الصينية بسرعة مع أنها من أصعب اللغات في العالم ولا يتكلم بها أحد في بلادكم غيره .. قلت له: ولا المطوف ؟ فقال: ولا المطوف ، إلا بعض الكلمات التي لا تسمن ولا تغني من جوع

و من ذلك اليوم جال بخاطري و تمنيت أن أكون مثل هذا السيد الذي يتكلم بهذه اللغة العجيبة ، أو مثل والدي - رحمه الله - الذي يجيد لغة الماليزيين و الجاويين و البوقسيين و الهنود .. وقد بلغني الله سبحانه وتعالى من السياحة في الأرض حتى زرت جميع الأقاليم و الأقطار التي على وجه البسيطة ابتداء من الخمسينات حتى التسعينات ، و لكني حاولت التحدث بلغة الصين فلم أستطع

 الموضوع مشاركة من   الفضل قطان | نشر بموقع قبلة الدنيا بتاريخ 1436/2/1هـ