في يوم من أيام « مـنـى »

في يوم من أيام « مـنـى » ، ربما بعد صلاة المغرب أو بعد صلاة العشاء ، ستقف في ركن ما ، تتأمل في الـخـيـم من بعيد

ستشعر أنك في مشهد يتكرر ، و أن هذه الجموع قد كانت في مكان قريب من هنا ، في موقف لم يبرح مخيلتك و ذاكرتك رغم أنك لم تكن فيه قط .. تحاول أن تتذكر .. تشعر أنك كنت فيه هنا من قبل ، حتى لو كانت هذه حجتك الأولى

نعم ..
تذكرته .. إنه فتح مكة ..
ها هم المسلمون ، يخيمون على مشارف مكة ، ليلة الفتح ..
ها هي الأصنام توشك على السقوط .. ها هو الفتح قد اقترب ..

* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *

في « مـنـى » ستشعر أن ثمة فتح على وشك الحدوث .. أن ثمة أسواراً ستسقط .. و أبواباً ستفتح

تعرف جيداً أن تلك الأسوار هي في داخلك .. و أن تلك الأبواب هي أبوابك أنت .. الفتح المبين ، على مشارف منى ، هو فتحك أنت !

عن أبي الطفيل قال : سمعت ابن عباس ، يسأل عن منى ، و يقال له : عجباً لضيقه في غير الحج .. فقال ابن عباس : إن منى يتسع بأهله كما يتسع الرحم

كما يتسع الرحم !
يا للكلمة الهائلة .. إنها الولادة التي تحدثنا عنها ، مجدداً

الولادة التي هي الهدف الأقصى من الحج ، أن تولد من جديد عبر الحج ، متخففاً من كل قيودك و سلاسلك و عقدك التي شدتك إلى ذنوبك .. شدتك إلى حياة أدنى مما يجب

إنها الولادة عبر الحج
وها هو ابن عباس يشير إلى الرحم .. هنا في منى
إنها ولادة جماعية إذن .. الكل في رحم واحد ، في بوتقة واحدة

و الرحم يتسع ليضم الجميع .. و ينمو فيه الجميع ، كما ينمو الجنين داخل الرحم ، كما يكسى طبقة بعد أخرى و هو في بطن أمه

* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *

في « مـنـى » أنت كـالجنين
لكن ليس كل جنين تكتب له الولادة
ربما يجهض .. ربما يموت ساعة الولادة
و ربما ، و ربما بعد أن يفرح والده بالخبر يتضح أنه لم يكن ، أنه حمل كاذب

في « مـنـى » بين الناس ثمة رحم يضمك و يضمهم جميعاً
ربما عشت حياتك كلها و أنت تبحث عن حنان كـحنان رحم أمك .. و ربما كنت تبحث عنه دون أن تعرف عم تبحث أصلاً .. حنان يضمك رغم كل عيوبك ، يحتويك رغم كل ما فيك ، يأخذ بيدك نحو ما يجب أن تذهب إليه

* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *

حنان الرحم غـيـر حنان الأم

حنان الرحم يحميك و ينميك و يقويك
حنان الأم قد يدللك و يفسدك بدلاله .. فيضعفك في نهاية الأمر

و هذه هي « مـنـى » .. رغم أنها تجعلك بـمواجهة حقائق مؤلمة ، رغم أنك لست في أكثر أوضاعك راحة .. إلا أنها تحيطك و تقويك و تزيل عنك أشواكك و مخاوفك و تجعلك تتفاعل مـع محيطك بضوابط تجعل هذا التفاعل إيجابياً

نعم .. هذا العالم ليس على ما يرام
أمتك ليست في أفضل أوضاعها .. لا تزال في الرحم يا صغيري

لكن عليك أن تغير العالم عندما تولد

•~•~••~•~••~•~••~•~••~•~••~•~••~•~••~•~•
الدكتور أحمد خيري العمري | المفكر الإسلامي الكبير
" حفظه الله و أطال الله عمره "

المصدر : طوفان محمد صلى الله عليه وسلم
دلـيـل الـحـاج إلـى مـنـاسـك الـعـمـران

الموضوع مشاركة من الفضل قطان | نشر بتاريخ 1436/12/8هـ .