تاريخ صحف الحجاز .. تطور رغم العثرات
يذكر أن العالم عرف الصحافة قبل الميلاد وأن الصين هي رائدة الصحافة آنذاك، ولكن إذا أخذنا الصحافة بمفهومنا الحاضر المرتبط بالورق والحبر فهي لم تظهر إلا بعد ظهور المطبعة ومن خلال تتبع تاريخ الطباعة نجد أنها ظهرت على يد الألماني جوتنبرج عام 1436 (839هـ تقريبا) إلا أن العرب لم يستفيدوا منها حتى استخدمت الحروف العربية، حيث يذكر أن أول مطبعة استخدمت الحروف العربية كانت عام 1514 (920هـ تقريبا) ومع هذا فقد تأخر وصول المطابع إلى البلاد العربية حتى ظهرت أول مطبعة عام 1702 (1114هـ تقريبا).
صحيفة «الفلاح».
وجدت المطابع في البلاد العربية إلا أن الصحافة لم تأخذ نصيبها منها حتى أصدر الفرنسي بونابرت أول جريدة عرفتها البلاد العربية في مصر عام 1800 (1215هـ تقريبا) وسماها "التنبيه" وبدأ بعد ذلك ظهور الصحف العربية في البلاد العربية فجاءت جريدة "سورية" في سورية في 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 1865 (29 جمادى الآخرة 1282هـ تقريبا)، وجاءت "الزوراء" في العراق في 15 حزيران 1869 (5 ربيع الأول 1286هـ تقريبا)، أما في شبه الجزيرة العربية فكانت جريدة "صنعاء" الصادرة من صنعاء هي أول جريدة تظهر في شبه الجزيرة العربية عام 1879 (1289هـ تقريبا).
أما الحجاز وهو المعني بالبحث فنجد أنه في نهاية القرن الثالث عشر للهجرة وبالتحديد عام 1300هـ دخلت إليه المطبعة لأول مرة، التي كان لوالي الحجاز آنذاك عثمان نوري باشا دور كبير في إدخالها فقد أنشئت في أجياد مطبعة الولاية أو المطبعة الميرية كما تسمى ثم توالى دخول المطابع إلى الحجاز بعد ذلك فجاءت مطبعة شمس الحقيقة في مكة المكرمة عام 1327هـ وفي أواخر عام 1327هـ أيضا جاءت مطبعة الترقي الماجدية لمحمد ماجد الكردي ـــ تشير بعض المصادر إلى أن المطبعة الماجدية هي ذاتها مطبعة شمس الحقيقة، حيث اشتراها الكردي ــــ وإذا نظرنا إلى المدن الحجازية الأخرى نجد مطبعة الإصلاح في جدة التي افتتحت في 26 ربيع الآخر 1327هـ، كما ظهرت في المدينة المنورة مطبعتا العلمية والحجاز في العهد العثماني أيضا.وإذا عدنا إلى تلك المطابع وتتبعنا إسهاماتها في نشر الثقافة في الحجاز نجد أن المطبعة الميرية كانت تتصدر تلك المطابع إذ إنها هي المطبعة الرسمية للدولة العثمانية في ولاية الحجاز آنذاك فقد بدأت بطباعة السالنامة الحجازية في خمسة إصدارات لها أولها عام 1301هـ وآخرها عام 1309هـ والسالنامة هي بمنزلة الكتاب السنوي الخاص بالولاية، كما ساهمت المطبعة الميرية بطباعة العديد من الكتب منها ما هو بغير اللغة العربية، وكذلك طبعت المطبعة الماجدية العديد من الكتب والرسائل باللغة العربية وغيرها وكذلك المطابع الأخرى إلا أن السبق والتأثير كان للمطبعة الميرية.
العدد الأول من صحيفة أم القرى 1924.
أما الصحافة فمن الطبيعي أنها لم تعرف إلا بعد دخول المطابع وبالنظر إلى تاريخ دخول المطبعة 1300هـ وظهور أول جريدة 1326هـ نجد أنها قد تأخرت كثيرا. وقد تشابهت الصحف كثيرا في تلك الفترة من حيث الإخراج واللغة والأسلوب وهي في الأغلب صحف دولة أي أنها رسمية وإن لم تصرح بذلك، وقد ظهر في الحجاز من بداية صدور أول جريدة عام 1326هـ إلى نهاية النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري 11 جريدة ومجلة واحدة، ويمكن لنا أن نستعرضها من خلال تقسيم تلك الفترة إلى الفترة السياسية إذ مرت هذه الفترة بثلاثة عهود سياسية وهي العهد العثماني الممتد من عام 923 إلى 1334هـ ثم العهد الهاشمي من عام 1334 إلى 1344هـ ثم العهد السعودي، أدامه الله. صدرت خلال العهد العثماني سبع صحف أولها جريدة "حجاز" عام 1326هــ، وقد استمرت في الصدور إلى عام 1333هـ، وقد صدر منها خلال هذه الفترة 175 عددا وكانت تكتب باللغتين العربية والعثمانية واسمها الحجاز إلا أنها بعد عدة أعداد أصبحت تعنون بـ "حجاز"، وقد اشتملت على العديد من الأخبار وفي الأغلب أخبار رسمية واهتمت كذلك بالجانب الأدبي فنشرت لعدد من شعراء العربية في تلك الفترة كأحمد شوقي وغيره ثم ظهرت في عام 1327هـ جريدة "شمس الحقيقة"، وتشير المصادر المتاحة إلى أن شمس الحقيقة توقفت بعد بضعة أشهر من صدورها، وصدرت كذلك في مكة المكرمة صحيفة "الصفاء" أو "صفاء الحجاز" في شعبان1327هـ، وقد صدر منها عددان فقط كلاهما في شعبان1327هـ، ومن الصحف الحجازية في العهد العثماني جريدة "الإصلاح" الصادرة من مدينة جدة فقد أصدرها راغب مصطفى في 26 ربيع الآخر 1327هـ، ويذكر أن الجريدة لم تستمر إلى حج سنة 1327هـ، أما «المدينة المنورة» في العهد العثماني فقد صدر فيها ثلاث جرائد وهي المدينة المنورة سنة 1328هـ، وكذلك جريدة "الرقيب" ثم صدرت جريدة "الحجاز" في ذي الحجة 1334هـ إثر خروج الحكومة العثمانية من مكة المكرمة بعد قيام الثورة العربية عام 1334هـ إذ حوصرت القوات العثمانية في المدينة المنورة حتى عام 1337هـ، وقد صدر منها 105 أعداد وهي آخر جريدة حجازية في العهد العثماني.
صحيفة »شمس الحقيقة».
أما العهد الهاشمي فقد بدأ مع بداية الثورة العربية في مكة المكرمة في شعبان 1334هـ وما إن أطل شهر شوال حتى أصدرت الحكومة الهاشمية في مكة المكرمة جريدة «القبلة» للترويج للقضية العربية وكانت تطبع في المطبعة الميرية وقد استمرت جريدة القبلة في الصدور حتى صفر 1343هـ وتنوعت الأخبار في جريدة "القبلة" من حيث المواضيع فأبرزت الأخبار المحلية، وكذلك الأخبار العربية المتعلقة بالثورة الخاصة ببلاد الشام والعراق إضافة إلى لمحات للأخبار العالمية ثم أصدر عمر شاكر في مكة المكرمة وفي المطبعة الميرية كذلك جريدة "الفلاح" سنة 1338هـ بعد أن كان يصدرها من دمشق واستمرت في الصدور حتى صفر 1343هـ وفي أثناء انتقال الحكومة الهاشمية إلى جدة إثر دخول قوات الملك عبد العزيز مكة المكرمة عام 1343هـ أصدر الحزب الوطني الحجازي في جدة جريدة "بريد الحجاز"، التي كانت تطبع في المطبعة الشرقية في جدة وهي في مجملها مواكبة للحدث الحربي الواقع آنذاك، وقد صدر منها 56 عددا وكان آخرها عام 1344هـ، أما المجلات فلم تطبع سوى مجلة واحدة وهي مجلة "جرول الزراعية"، وقد صدر العدد الأول منها في رجب 1338هـ في مكة المكرمة ويعدها طلاب المدرسة الزراعية إلا أنها لم يكتب لها الاستمرار فلم يصدر منها سوى ثلاثة أعداد فقط. أما في العهد السعودي فقد تطورت فيه الطباعة وتوافرت الإمكانات مع تقدم الوقت وطبعت الصحف والمجلات وازدهرت الحركة الثقافية إلا أن ما يهمنا هنا هو ما كان خلال النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري، فما إن وصل الملك عبد العزيز إلى مكة المكرمة بعد دخول قواته إليها إلا أن أمر بإصدار جريدة "أم القرى" من المطبعة الميرية كذلك وأسند رئاسة تحريرها إلى يوسف ياسين وتابعت "أم القرى" أخبار الحكومة السعودية وتوجهاتها ووضحت للعالم الإسلامي هدفها كما أبرزت التطورات الداخلية للحكومة وما زالت "أم القرى" تواصل صدورها إلى الآن متجاوزة جميع العثرات طوال الفترة السابقة، خصوصا أزمة الورق التي اجتاحت العالم أثناء الحرب العالمية الثانية.
لمصدر : الاقتصادية 1436/12/26هـ - عبد الله الرقيب
0 تعليقات