العطار : الذي عطر أردان أيتام مكة والمدينة

لقد كان ذلك الرجل الصامت في جلساته الدقيق في كلماته.. انه أحد القادمين من ذلك العصر البهي في وجدانه المسكوب في داخله حب الخير ولكن بلا ضجيج او صخب او حتى اشارة الى ما يفعله..

كان حفيا بأهله.. ذات يوم التقيته بالصدفة عند أحد ابواب المسجد النبوي الشريف..

بعد العناق قال لي همساً ارجو ان لا تكتب خبراً عني باني في المدينة المنورة هذه رحلة خاصة لله وللسلام على رسول الله صلوات الله عليه أنني متعود على ذلك بصحبة بعض الأهل وبالذات الاخوات.. كان ناعماً لكنه كان جاداً في مواقفه.

عندما كنت أراه أجد لديه الكثير من التساؤلات فهو يريد ان يعرف كل ما يدور حوله او يراه ممن لا يعرف..

لا يستنكف عن السؤال عن ان يسأل عن من لا يعرفه في ذلك المجلس يسأل بروح فيها الكثير من المحبة.. والود انه حفي بمن يرى لا يجد في نفسه استعلاءً على آخر مع احتفاظه الشديد بمميزات الانسان الواثق بنفسه غير عابئ بكل ما يدور حوله من تقافز يقوم به البعض في غمرة الحياة انه الرجل القليل الكلام الكثير الفعال.. الصامت وهو في عز الكلام هكذا عاش وهكذا سارت به الحياة. فهو من اولئك الرجال الذين يصنعون المعروف بإبرة لا تعرف عنه شيئاً. بل يبدون للبعض بانهم أبعد ما يكونون عن فعل الخير او حتى التفكير فيه.. ويذهب هذا البعض الى حد الظن بان امثال هؤلاء لا ينفكون عن حساب ارصدتهم في البنوك وانهم لا يعرفون طريقاً للخير او حتى المساهمة في شؤون الوطن لكونهم لا يرفعون صوتهم بما يفعلون.. ذلك الفعل الكبير في خدمة المجتمع لحرصهم في البعد عن طلب الظهور و”التمخطر” به..

انهم من اولئك الذين يفعلون المعروف بيده اليمني دون ان تعرف شماله عن ذلك شيئاً. *** انه واحد من اولئك الرجال الذين ذهبوا الى ما يؤمنون به فعملوا عليه في أناة وايمان فلم تأخذهم بهرجة السطوع الا بالقدر الذي يحفظ لهم مكانتهم في غير زيادة ولا نقصان.. تستمع اليه فلا تجد عنده الا الكثير من القول الجميل المحرض على ان تكون مثله فيما يؤمن به ويعمل على تجذيره في حياتك.. هكذا هو انسان تراه صامتاً لا تكاد تسمع ثلك الكلمة الخادشة للحياء..

او الدالة على غير معناها.. لقد اكتسب – روحية – ابن البلد من خلال تعامله صغيراً في تلك الدكان التي كان يلتقي بها بمن يتعامل معه من الناس البسطاء. في ذلك البلد الحرام الذي تعود ابنائه على العمل الجاد الذي يصنع الانسان فيوجد له في نفسه قيمة العمل الكبير فيذهب اليه وهو رافع الرأس مستأزراً باخلاقيات ابن – الحارة – الشهم الذي تأخذ شهامته نحو الغوص في حب الخير للاخرين هكذا هم ابناء ذلك البلد الحرام..

حتى اذا ما تغيرت اعتاب بيوتهم وأتوا الى مدينة أخرى تراهم محافظين على ما تعودوا عليه وبنيت نفوسهم كان ذلك الرجل الوقور في تحركه وفي تعامله انه ابن تلك الاسرة العريضة – العطارين – فهو له اريجة العطر في الفواح انه محمد سراج عطار رحمه الله واسكنه فسيح جناته. بما فعل لايتام المدينة المنورة ومكة المكرمة من عمل انساني خيري كبير ونبيل.

المصدر : صجيفة البلاد 1437/2/15هـ