المسفلة ما لم يؤرخ ( 2 )

ومواصلة للحديث عبر المسير أقف اليوم أمام زقاق الحافظ المنسوب للمطوف عبدالصمد حافظ ـ يرحمه الله ـ قبل أن أمضي صوب منزلنا داخل هذا الزقاق ، ترى عيناني بازان صغير يعرف بالخرزة ، ولا أعرف حتى الآن ماذا يعني هذا المسمى ، فالبازان أو الخرزة كانت عبارة عن بئر ماء نقي يتبع لإدارة عين زبيدة يستخرج منه الماء بالدلو ويعبي السقا منه زفته التي يحملها في صحيفتين أماميه وخلفيه ، وكانت الخرزة في زاوية صغيرة بالناحية اليسرى لبستان البخاري ، ولا أعرف ان كانت لازالت باقية أم ازيلت هي الأخرى ضمن ما أزيل ، أو قيل أن البئر غير صالح للشرب ، وردم .

وبستان البخاري كما يقال منسوب لشخص بخاري أوقفه منذ مئات السنين  ، ولم يكن هذا البستان بالبستان الذي نعرفه والمليء بالأشجار والحدائق ، فقد كانت به مبان عبارة عن غرف صغيرة وباحة كبرى تتوسط المبنى ، وكان الاخوة البخاريين يجتمعون عقب صلاة الجمعة لتناول وجبة الغداء به جماعة ، وكانت تقام به مناسباتهم الخاصة .

وأمام بستان البخاري توقفت فلم أعد قادرا على مواصلة الحديث أو المسير ، فما حولي من ذكريات مضت جعلتني تائها بين أزقة ضيقة وأخرى واسعة ، ومن أبرزها زقاق السقيفة ، الذي يمتد من ناحية شارع الملك عبدالعزيز حتى يصل الى نقطة مركاز عمدة الهجلة محمود بيطار ـ يرحمه الله ـ ، فالخارج من الحرم المكي الشريف يمكنه سلوك هذا الزقاق  للاتجاه صوب المسفلة ، وفي بداية الزقاق يوجد منزل الشيخ / ابراهيم قرط ـ يرحمه الله ـ وهو مطوف  وعضوا بالهيئة الابتدائية للمطوفين ، وله مجلس خاص يقصده الكثير من المطوفين وأهالي مكة المكرمة ، وفي هذا الزقاق كان هناك شاب أفريقي يعمل لقوت يومه لدى هذا وذاك ويأخذ برضا نفس ما يعطى له  يعرفه سكان الزقاق أطفال وشباب ورجال ونساء ، يطلق عليه  اسم تهاويل ، وهو اسم شهرته ، ولا يغضب ان قال له أحد ياتهاويل تعال أو ياتهاويل خذ ، فقد نسب له هذا الاسم لأنه كان يعمل أي شيء بأي شيء فيمكنه أن يحول السيارة الخردة الى سيارة أنيقة حتى وان تعددت ألوانها ، وقد حول شاشة التلفزيون الابيض والأسود الى ملون بعد تلوين الشاشة بتلاوين الطلاب .

وكان في زقاق السقيفه دكان صغير لشيخ كبير في السن يعرف بالعم عمر بابطين ـ يرحمه الله ـ كان بقالا ويبيع الايسكريم بعد طحن الثلج ورش شراب التوت عليه ، وبعده بأمتار قليلا تأتي عدة دكاكين صغيرة منها دكان عطار لا أتذكر اسمه فقد غاب عن الذهن هذه اللحظة ، وبعدهما يوجد منزل للسيد / جعفر شيخ جمل الليل ثم بائع المقلية وهو باكستاني متفنن في أنواع المقلية بالفلفل وبدونه .
وأثناء المسير يبرز دكان العم خيرو ـ يرحمه الله ـ وكان بائع خردوات وصراف في آن وأحد وأمامه تماما منزل المطوف حسين محمود وهو مطوف حجاج الهند وباكستان .

ثم يأتي حوش الشامي ولا يعرف لماذا نسب لهذا الاسم وداخل هذا الحوش عدة منازل تقطنها اسر مكية نشأت وترعرت به جيلا بعد جيل ، وأمام حوش الشامي كان مخبز بـدر ، وكان العمال ينقلون الخبز الحب والشامي في طاولات خشبية على رؤوسهم متجهين به الى المحل الواقع في السوق الصغير .

وعلى مقربة منه تقع السقيفه وهي عبارة عن غطاء خشبي يغطي الزقاق لعدة أمتار ، ويقال أن هذه السقيفة كانت سببا في تسمية الزقاق بزقاق السقيفة ، ثم يبرز دكان العم سراج رواس ـ يرحمه الله ـ وكان بائع رؤوس مندي مشهور يجلس في محله منذ الصباح وحتى الظهر ، ولا يعتمد على عمال كما هو حال الكثيرين اليوم  ، وبعده يوجد دكان محمد فليفل ـ يرحمه الله ـ وكان بائع كباب مشهور ، وفي شهر رمضان المبارك يترك بيع الكباب ليبيع الكنافة .

موضوع خاص بموقع قبلة الدنيا بقلم الاستاذ أحمد صالح حلبي | نشر بتاريخ 1437/2/18هـ