إسقاط الرواق الشرقي حول صحن المطاف
عمر المضواحي - مكة المكرمة
طوال العامين الماضيين ظلت تصاميم ومخططات الشكل النهائي والواقع الجديد لـ»الرواق البديل« محل جدل ونقاش وشدّ وجذب في أضيق نطاق ممكن، بين مختصين وخبراء ومسؤولين في مكة المكرمة، تمترسوا معا خلف مطالباتهم لمقاول تنفيذ التوسعة، بضرورة الحفاظ على شكل وأصالة الرواق التاريخي، ومن الجهات الأربع، صونا للقيمة التاريخية النادرة لهذا الرواق وللمحافظة على هوية الصورة الذهنية المترسخة في أذهان المسلمين، وحرصا على بقاء جمالية المكان العتيق من أي رؤية هندسية قاصرة لا تتعامل بتقدير كاف مع هوية ومسلمات المكان المقدس.
أي رؤية؟
ولا يعلم أحد ماذا حدث بعد ذلك، قبل أن تطبق الجهة المنفذة رؤيتها المعمارية المتفردة لشكل «الرواق البديل» بصورته الجديدة والنهائية حول الكعبة المشرفة، وتسقط رواق الجهة الشرقية بالكامل، من دون أي تبرير أوأسباب، معلنة فتح المجال لنقد قدرات مهندسي التصميم وضيق اختياراتهم للوصول إلى حلول تحافظ على أصالة وهيئة الرواق التاريخي الذي يعود إلى القرن الأول الهجري.
وبين طرفة عين وانتباهتها، طوت كل الملاحظات المعترضة، لتمضي بصمتها وغموضها المعتاد، فيما استقر عليه أمر مقاول التنفيذ وصدقه العمل، لتعيد للأذهان من جديد، ما حاول تطبيقه في المدينة المنورة قبل عامين عندما خطط وصمم وأعلن عن «منبر بديل» و«محراب بديل» للتوسعة الجديدة، بدلا عن منبر النبي وقبلته ومحراب صحابته في المسجد النبوي الشريف، وما رافقه من هرج ومرج انتهى بأمر ملكي حكيم من لدن الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله يقضي بالتراجع عن ذلك التصميم الهندسي الصادم للمنطق والتاريخ والهوية لثاني أقدس المساجد في الإسلام.
قصة حصرية
ففي 9 أبريل 2014، انفردت «مكة» بقصة صحفية مزودة بصور حصرية، كشفت عن معمل ضخم لترميم أعمدة وقباب وواجهات الرواق العثماني أقيم في أقصى مشعر مزدلفة تديره جورسوي (Gursoy) إحدى أكبر الشركات التركية المتخصصة في الترميم، بعد أن تولت فكّ جميع أجزائه ( 2754 قطعة) لمعالجتها وإعادة تركيبها بعد الانتهاء من أعمال مشروع توسعة المطاف لتتسع الطاقة الاستيعابية لصحن المطاف من نحو48 ألف طائف في الساعة إلى 105 آلاف.
إبراء الذّمة!
ولقاء في جمادى الآخرة الماضي، مع الأستاذ الدكتور معراج مرزا كشف عن زيارته مع أمين العاصمة المقدسة الدكتور أسامة البار وعضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالوهاب أبوسليمان، لمعمل ترميم الرواق العثماني في مزدلفة.
وكان مرزا يومها متحفظا في الحديث، غير أنه بدا متأثرا بشدة لعدم معرفة العالم بهذا الجهد الخارق التي تبذله السعودية للعناية بأدق التفاصيل المتعلقة بمشروع توسعة وإعمار الملك عبدالله بن عبدالعزيز للمسجد الحرام.
وكشف عن أبرز ما جرى خلال الزيارة الخاصة للمعمل، وكيف أنه والبار وأبوسليمان، توقفوا أمام عرض مصور لخرائط منفصلة توضح ثلاثة مقترحات لتصميم الرواق التاريخي بموضعه وصفوفه الجديدة:
- الأول لرواق كامل وبصفين من القباب تحيط بالجهات الأربع.- الثاني بثلاث جهات شمالية وغربية وجنوبية من صفين من القباب، والضلع الشرقي بصف واحد فقط من القباب.- الثالث يظهر فيه إلغاء جانب الرواق الشرقي للمطاف وتركه خاليا تماما، ليصبح الرواق من ثلاث جهات فقط.وإبراء للذمة، أبلغ ثلاثتهم في قول واحد، كبير مسؤولي الشركة التركية بأن التصميم الأخير (الثالث)، غير مقبول وسيثير كثيرا من الجدل فيما لو تم اختياره ومضى العمل بتنفيذه.
وجددوا رضاهم بأن يكون الخيار الثاني وبصف واحد من القباب للجهة الشرقية هو الحدّ الأدنى المقبول، منعا لأي قراءات سلبية في المستقبل.
بعد نشر القصة عن معمل الرواق في مزدلفة، ساد صمت عميق كالعادة.
لم يتحدث أحد، ولم تعقب أي جهة مسؤولة للحديث عن مستقبل الرواق التاريخي.
بدا الأمر وكأن هناك
عدم ارتياح للكشف عن أسرار المعمل، وما يحدث داخله من عمل صالح.
غير أن شهر س
بتمبر الماضي حملت أيامه مفاجآت جديدة وغير متوقعة تخص موضوع الرواق الجديد.
لسان وزارة المالية
وضمن احتفالات السعودية باليوم الوطني الرابع والثمانين في 23 سبتمبر الماضي، شاركت وزارة المالية (دون أي إعلان مسبق لمشاركتها) بجناح خاص في معرض «مشاريع متميزة في عهد خادم الحرمين الشريفين» والمقام في مركز المعارض بالرياض وضعت فيه نسخا جديدة ومحدّثة لمجسمات الحرم المكي الشريف بعد الانتهاء من مشاريع توسعته وعمارته، ظهر فيه وللمرة الأولى شكل «الرواق السعودي» الجديد، بارتفاع واضح لأعمدته وأقواسه الضخمة تحت مسطح الطواف العلوي الحديث، وكما ظهر فيه «الرواق البديل» للتاريخي ثبت أنه بالفعل لا يغطي جهات المطاف الأربع بل 3 فقط تستثني الجانب الشرقي التاريخي للكعبة المشرفة.
كما أظهرت مجسمات المسجد الحرام المئذنتين العملاقتين (420 مترا) في أقصى المصطبات الجديدة بارتفاع ضخم عن بقية المآذن الأخرى التي تعلو جميعها فوق المباني الرئيسية للمسجد الحرام، وبتفاصيل أكثر وضوحا لوظائفها «الجديدة» عما عرف عن المآذن من قبل.
تصريح السديس
وبعد ثلاثة أيام فقط، وفي أول جمعة من ذي الحجة شارك الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الدكتور عبدالرحمن السديس في تقرير موسع لصحيفة عكاظ عن متحف عمارة الحرمين الشريفين في مكة المكرمة بعددها رقم 4849 وتاريخ 26 سبتمبر 2014م.
كان أبرز ما جاء في التقرير تسريب معاليه تصريحا هو الأول من نوعه يتعلق بالشكل الجديد للرواق العباسي -حسب وصفه- وتصوره عن تفاصيله بعد اكتمال تنفيذه، قال فيه: «إن معالم المشروع ستتضح بشكل دقيق بعد اكتمال مرحلتيه الثانية والثالثة التي تنفذ هذا العام والعام المقبل بإذن الله، وذلك من خلال الإبقاء على الرواق العباسي في النواحي الشمالية والجنوبية والغربية بعد أن يتم ترحيل الرواق الشرقي المتمم للرواق العباسي باتجاه الغرب لإفساح المجال لتوسعة مسار الطواف في الأدوار العليا، بالإضافة إلى تنزيل منسوب أرضيته إلى منسوب صحن الطواف لضمان الربط الأفقي الفعال بين صحن الطواف والقبو وانتهاء بالساحات الخارجية».
صمت المنفذ
كان منتظرا بعد ظهور صور صحن الحرم الجديد في جناح وزارة المالية في الرياض، وتصريح السديس، أن يكمل الضلع الثالث (الجهة المنفذة) سلسلة الرسائل المسربة حول شكل الرواق التاريخي الجديد، على الأقل لبيان أسبابه الهندسية والمعمارية التي قضت باستبعاد أهم واجهة في الرواق العباسي ـ العثماني العتيق.
لكنها لم تفعل كالعادة، ولم تستفد من فرصة متاحة، وأن تستبق على الأقل أي تطورات سلبية لاحقة ربما تحرج البلاد والعباد أمام المتربصين والحاقدين في العالم.
ففي هذه الجهة تحديدا، يكمن مستودع ذاكرة حيّة لتاريخ عمارة المسجد الحرام منذ القرن الهجري الأول.
والتي كانت تضم في داخلها ما يعرف بـ»درب النبي صلى الله عليه وسلم» عند دخوله للبيت العتيق انتهاء بباب بني شيبة أمام الكعبة المشرفة.
وهو الدرب الذي كان يحرص الخلفاء والملوك والسلاطين منذ القرن الهجري الأول، وعبر التاريخ على وضع أعمدتهم الموشومة بإهداءاتهم للبيت العتيق، وتخليد أيام ملكهم فيه لتكون شاهدة عبر الزمان خلفا عن سلف.
قراءة خاطئة
من جهته، حذر مرزا من أن شكل الرواق الثلاثي «سيصبح مثار تندر عبر التاريخ!»، مشددا على ضرورة إبقاء الصورة الذهنية النمطية لدى زوار البيت الحرام، وألا تحدث أي تشويه فيما لو تم إعادة بناء الرواق القديم من ثلاثة جوانب فقط.
ونبه الخبير المكيّ بعمارة الحرم الشريف، إلى ملاحظة أخرى رصدها خلال مشاهداته لأعمال تنفيذ أساسيات الرواق الجديد.
وقال: كان الهدف المعلن من تخفيض مستوى أرض الرواق القديم إلى مستوى صحن المطاف هو زيادة الطاقة الاستيعابية له، بحيث يمكن الطائفين في أوقات الذروة من الحركة بين الأعمدة بكل انسيابية، وهذا لن يتحقق بعد إحداث الدرج داخل الرواق إذ ستكون عائقا كبيرا للانسيابية، وأخشى أن يظهر للعامة وكأن الهدف من تخفيض مناسيب الرواق هو الهدم والإزالة للقديم فقط، لأن الاستفادة مع هذه السلالم في الصحن ستكون محدودة جداً.
وأضاف: كان الأولى أن يكون درج النزول من الدور الأرضي للتوسعة إلى الرواق القديم وصحن المطاف من جسم بناء التوسعة وليس كما هو المشاهد حاليا لنعطي سعة في أرضية المطاف باستخدام أرضية الرواق للطواف أوقات الذروة كما كان معلنا قبل الهدم وإعادة البناء.
حكمة الملوك تبقي الرواق التاريخي
المهندس أنس صيرفي يطرح رحلة سريعة عن تاريخية أروقة المسجد الحرام بقوله “تعهد الخلفاء والسلاطين الرواق المحيط بالكعبة المشرفة بالعناية والزيادة منذ أول بناء له في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى أن تلاه الخليفة المهدي العباسي بتوسعته القائم عليها حاليا سنة 168هـ والتي بقيت على حالها 810 سنوات حتى العهد العثماني الذي شهد إعادة بنائه المتصدع وجعلت لسقفه قبابا دون زيادة.
وقال: جاءت التوسعة السعودية الأولى 1375هـ لتؤسس لبناء جديد متعدد الأدوار للمسجد الحرام والمحافظة بأقصى ما يمكن على الرواق التاريخي، وزادت مساحة الحرم 10 أضعاف، وهذه الزيادة كانت تمثل حينها أكبر تهديد للرواق التاريخي لولا حكمة الملك فيصل طيب الله ثراه الذي أمر بالمحافظة عليه، ولولا هذا التدخل السامي لذهب الرواق ذو القيمة التاريخية مع ما ذهب من مآذن وأبواب ومعالم قيمة من حوله.
ثم قال صيرفي وهو رئيس مجلس إدارة مكتب الأبنية للاستشارات الهندسية بجدة: عاد الرواق العثماني مؤخرا إلى المشهد بعد دراسات أكدت تسببه في ضيق المكان ووقوفه حائلا دون زيادة استيعابية الطواف وانسيابية حركته خاصة في جزأيه الشمالي والجنوبي، فواجه تهديدا آخر بالإزالة قبل 3 أعوام إلا أن توجيهات الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله بالمحافظة عليه كانت بمثابة طوق النجاة الثاني الذي حفظ هذا الإرث الحضاري كشاهد على تاريخ أمة وتعاقب حرصها وتشرفها بخدمة الحرمين الشريفين.
وتابع: كان من أهم ميزات مشروع التوسعة الأخيرة، أن جعلت منسوب البناء الجديد محاذيا لمنسوب صحن المطاف وبالتالي عودة الرواق إلى منسوبه السابق قبل رفعه عن منسوب الصحن في التسعينات الهجرية الماضية لدرء أخطار السيول التي كانت تداهم الحرم الشريف، وهذه نقطة إيجابية في العمل، مشيرا إلى أن “إعادة بناء الرواق ستكون فرصة مواتية لكي ينسجم في شكله مع محيط التوسعة الجديدة بخلاف ما كان سيخلفه من فراغات لو بقى في موضعه الأصلي بحسب التصميم السابق للتوسعة”.
وأكد صيرفي “أنه من الممكن أيضا أن يأخذ الرواق شكلا أكثر انتظاما بحيث يكون بعمق موحد لا يتجاوز صفين من الأروقة والقباب تحافظ على هوية المسجد الحرام التاريخية وصورته الذهنية العالقة في الأذهان على مدى القرون الماضية”.
تصميم الأضلاع التسعة يستحيل معه استمرار بقاء الكعبة على يسار الطائف
المستشار في التخطيط العمراني م.جمال شقدار يؤكد على أن عودة واجهة “الرواق العباسي” للحفاظ على الصورة الذهنية للحرم المكي ضرورة فنية.
ويقول: لم يلتزم مصمم توسعة الحرم المكي الشريف بإحدى التوصيات المهمة والمذكورة في مقدمة الدراسة لفريق وزارة التعليم العالي وممثل رئاسة شؤون الحرمين والتي تنصّ على أن تكون إعادة تصميم التوسعة السعودية الأولى على غرار، وبنفس المعايير التصميمية، لتوسعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز (الشمالية) ذات التوجه التصميمي الدائري والموازي لحركة الطواف.
وأشار إلى أنه “ولسبب غير واضح لأهل التخصص العمراني ابتعد مصمم توسعة المسجد الحرام عن النسق الدائري الموازي لحركة الطواف واتجه بتصميم مبنى ذي تسعة أضلاع تحيط الكعبة المشرفة الأمر الذي يستحيل معه استمرار بقاء الكعبة المشرفة على يسار الطائف في المطاف المضلع غير الدائري كما هو مقرر شرعا.
وقال شقدار: كان لهذا التوجه التصميمي الغريب والمخالف لأحد توصيات الفريق المشرف وغير المتناغم مع التوسعة الشمالية للحرم المكي، تأثيره السلبي على معطيات متعددة في التوسعة ومن ضمنها عدم إمكان عودة “الرواق العباسي” بانتظام معماري يكون واجهة لمبنى المطاف المضلع غير المنتظم.
وتابع: بطبيعة الحال، كانت الجهة الشرقية من مبنى المطاف المضلع أكثر الجهات الجغرافية تضررا من إمكان عودة صفين من “الرواق العباسي” أو حتى صف واحد، كون الجهة الشرقية هي المحاذية لمبنى المسعى وستكون الجهة الأضيق من بين بقية الجهات في مبنى التوسعة المقبل.
خبراء ومختصون يتساءلون: هل واجهات رواق صحن الكعبة تطورت أم تدهورت؟
واجهات صحن الكعبة (أعظم مكان في الأرض) تتضمن عنصرين أساسيين: الأروقة التاريخية، والأروقة السعودية.
فهل عززت قيمتهما أم تدهورا؟ وهل بات الرواق التاريخي تاريخيا وأصيلا بالفعل، أم أن ما نراه اليوم ما هو إلا نسخة مقلدة لا قيمة لها، بنيت بالخرسانة وألبست بقشرة خارجية من الحجارة فقط؟ وأيضا هل حافظ الرواق الجديد على جماليات الرواق التاريخي القديم واحترامه للكعبة أم لا؟أسئلة وشكوك كبيرة تحوم حول هذه الحقيقة، وغيرها بحسب خبراء مختصين في عمارة الحرم المكي الشريف، والتراث الإسلامي.
أصلي أم تقليد؟
في تصريحات مشروطة بعدم الإفصاح عن هويتها، كشف عدد من الخبراء والمختصين عن ملاحظات يجب الانتباه لها وتداركها قبل فوات الأوان.
وقالوا: علينا أن نطرح سؤالا جوهريا يختصر كل الحكاية: هل واجهات صحن الكعبة المشرفة تطورت أم تدهورت؟ وأشاروا إلى أنه من الجدير وضع المقارنات لتتضح الصورة، وملاحظة كيف استعمل المصمم نمط أقواس ضخمة جافة موزعة على دورين دون نسب جمالية ومقارنتها بصور للرواق السعودي قبل الهدم (والذي بني قبل 60 سنة) لنعلم هل تصميمه يتطور أم يتدهور؟وحذروا في شكل واضح بقولهم: للأسف، سيفتح الشكل الجديد للرواق أبواب النقد على بلادنا، وسنتهم بأننا نزيف التاريخ.
وأضافوا: نحن بين أمرين لا ثالث لهما: إما أن نعيد الرواق التاريخي كما كان لنحافظ على قيمته، أو أن يزال تماما.
لأن تزييفه لن يحظى بأي قيمة، فالنسخ المقلدة ليست لها أي قيمة في واقع الأمر، مشيرين إلى أن الأعمدة التي تبنى الآن في نطاق الرواق القديم ليست أصلية، بل نسخة مصنوعة بالخرسانة.
وأضافوا: يمكن تشبيه ما يحدث الآن في إعادة بناء الرواق بأنه قتل لروح وجسد الرواق التاريخي مع الإبقاء على ثوبه الخارجي فقط؟ أزيل الرواق التاريخي وغيير مكانه ففقد أصالته ولم يحل مشكلة ضيق صحن المطاف، كما أن الرواق الجديد لم يحترم التاريخ، ولا هوية عمارة الحرم المكي، ولا حتى المنظور الهندسي الدقيق في حمى الكعبة المشرفة.
وتابعوا: كان على المقاول أن يكون واضحا منذ البداية؛ إما أن يفصح بأن مشروع إعادة الرواق التاريخي ستكون بالنسخ الأصلية من أجزائه بعد فكها وترميمها، أو أن يعلن أن الرواق البديل لا يمت بصلة إلى الرواق التاريخي.
وتوقف الخبراء أمام استخدام مصمم واجهات الرواق الجديد للأقواس الضخمة، القائمة على أعمدة مرتفعة للغاية وتقطع هذه الأقواس (بصورة غير مناسبة) بلاطات أدوار الحرم الجديد.
وشددوا في قول واحد على السلبيات الظاهرة والمتعددة للتصاميم النهائية، وكشفوا أنها اشتملت على عدة مآخذ تؤكد أن مهندسي عمارة الحرم قبل 60 عاما كانوا أكثر حرصا من مصممي اليوم على القيمة الجمالية.
وزادوا: إن الأقواس الجديدة ضخمة وأعلى من سطح الكعبة المشرفة، ما يعني أن المصمم لم يراع الخلل بمعايير النسبة والتناسب بين الكعبة وما يحيطها، بحيث أضحت الأقواس الجديدة تقزم المنظور الهندسي للكعبة المشرفة، خلافا للقديمة التي كانت متواضعة وأنيقة ورشيقة، وتراعي بهاء وعظمة الكعبة المشرفة وتؤكد أن الكعبة هي نقطة الارتكاز الرئيسة المستهدفة بالإظهار والإجلاء أمام كل داخل لبهو البيت العتيق.
وختموا: هذه الأقواس لن تسفر إلا عن صورة مشوهة، وستفقد الحرم الشريف روحانيته وستظهره بهوية جديدة وكأنها في خصام مع التاريخ والجغرافيا، ومع المقدس.
المصدر : صحيفة مكة 1435\12\20هـ
0 تعليقات