وداعًا عمر المضواحي!
ودّعت الساحة الإعلامية السعودية أحد أهم الصحافيين في تاريخها بوفاة المبدع المتألق عمر المضواحي. رحل عمر المضواحي بشكل فاجع ومفاجئ وصادم عن عمر لم يتجاوز الخمسين عامًا. تسارع الكثير من محبي الراحل ومعارفه إلى رثاء الفقيد بالكلمات التي يستحقها، وعبروا فيها عن حزنهم العميق لهذه الخسارة الفادحة.
عمر المضواحي كان صاحب قلم عجيب وكلمة آثرة وساحرة.. كان بمثابة جرّاح الكلمة لمفرداته العميقة الدقيقة، برع في الوصف والتشخيص للشخصيات التي يغطيها ويكتب عنها حتى بات ذلك أسلوبه المميز وعلامته الفارقة التي ميزته عن غيره. كان صحافيًا حتى النخاع، «منقوع» في مياه الكلمة و«مخلوط» في عجينة الحرف. تنقل بين مؤسسات صحافية مختلفة كلها كانت ناجحة ومميزة، وفي كل مرحلة استطاع أن يترك بصمته المميزة والأخاذة. تميز بقلب يقطر طيبة وصفاء ونقاء، لم يحمل ضغينة تجاه أحد ولا عرف الكره طريقه إليه، وكان غضبه الوحيد على من ظلم أو يظلم.
أحب وعشق مسقط رأسه مكة المكرمة عشقًا وحبًا لا يوصف، كان يتنفس تاريخها وأماكنها وأزقتها وعبقها، كان غيورًا في الدفاع عنها قلقًا في الخوف على تاريخها وحريصًا في الإبقاء على آثارها. عرف عنه التواضع الجم والأدب اللافت، ولكنه كمعلم لمن تدرب تحت يديه كان صارمًا وحازمًا.
في الصحافة تفتخر المؤسسات الصحافية الكبرى بوجود مرجعية لغوية تنفرد بها المؤسسة كمنهجية في الكتابة ويسمى عادة الكتاب الأسلوب.. عمر المضواحي كان كتاب أسلوب بشريًا تحول مع الوقت إلى علامة مهنية فارقة يتصيد الناس مواضيعه بشغف وشوق لما فيها من متعة. عمر المضواحي كان «يسلطن» قراءه، و«يطربهم» بعباراته ومعلوماته وأسلوبه المميز والرشيق.
صحافة التحقيقات لها رجالها وبرع فيها عمر المضواحي كما لم يبرع فيها غيره. لم يكن «طماعًا» ولا متطلعًا؛ فلقد كان مجردًا من الذات والأنا بشكل غير عادي. كان قارئًا نهمًا ووفيًا لكل زملاء المهنة، أجمع على محبته كل من عرفه ولذلك يخرج «شلالات» الرثاء والحزن والألم على رحيله بشكل مفاجئ وتلقائي دون مبالغة ولا تصنع. كانت حياته قصيرة وحافلة في آن.. رحل الرجل تاركًا سيرة محترمة وقصة نجاح مفرحة لأولاده، لهم الحق في أن يفتخروا برجل أخلص فأجاد وحاول فأبدع، جاء فترك بصمة لن تنسى.
عمر المضواحي ابن مكة دخل بلاط الصحافة بطموح الخجول فسيطر على العقول والقلوب. احترم المهنة فقدرته، غاص في أغوار الصنعة ليفهم أسرارها فكان ينتقل بين المدارس المصرية واللبنانية والخليجية ليقوي من أسلوبه وتميزه فأوجد لنفسه الخط الذي عرف به وولدت معه هوية الصحافي المتخصص في التحقيقات الصحافية. رحل عمر المضواحي عن دنيانا ومحبوه لا يزالون في حالة صدمة وحزن ولا يعزيهم إلا محبة طاغية له واحترام هائل لتاريخه.
رحم الله عمر المضواحي رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان، و«إنا لله وأنا إليه راجعون».
الشرق الاوسط 1437/3/13هـ | بقلم : حسين شبكشي (اعلاميّ ورجل اعمال سعوديّ وعضو مجلس ادارة شركة شبكشي للتّنميّة والتّجارة وعضو مجلس ادارة مؤسّسة عُكاظ للصّحافة والنّشر)
0 تعليقات