الشيخ أحمد عبدالله الحجازي
هو الحافظ الفقيه أحمد حجازي بن عبدالله بن محمود بن (ابي تليح) عبدالعال طهطاوي
المولد حجازي الأصل . شيخ القراء بمكة المكرمة في العهد السعودي .ولد في مدينة طهطا من محافظة سوهاج بصعيد مصر العربية في عام 1303هـ من أسرة محافظة . ذات وجاهه ويسار وكان معروفا بالحجازي منذ طفولته بين أفراد أسرته وبين سائر الناس خاصة ان أجداده القدماء كانوا من العرب النازحين من قبيلة جهينة ببلاد الحجاز الى مصر فنشأ يتيما في بيئة متمسكة بعري الدين الإسلامي ومطبوعة بطابع الأرياف وذلك بعد وفاة والدية وهو صبي لم يتجاوز السادسة من عمره
تلقى الدراسة الابتدائية بمدارس سوهاج ثم تخصص في حفظ القران الكريم بالقراءات السبع اولا ثم العشر وأتقن فن التجويد على قراءة حفص وتلقى الفقه والعلوم الدينية بالجامع الأزهر حتى تخرج حافظا وفقيها على يد شيخة ومربيه الشيخ العلامة ازهري احمد الدردير رحمه الله
رحل الى بلاد الحجاز -والحجاز في ذلك الوقت تحت نفوذ الحكم التركي - عازما على أداء الحج والإقامة بمكة المكرمة ومجاورة بيت الله فيها وفاء بنذر نذره اثر مرض شديد كاد يقضي عليه وكان عند هجرته تلك قد ناهز الثامنة عشر .وكان قوي البنية ربع القامة الى الطول اقرب عريض المنكبين مرتفع الصدر واسع الجبهة قمحي اللون مع ميل الى السمرة وكان رحمة الله وقورا مهيبا محسنا وساعيا الى الخير لا يرى إلا باسم الثغر والنور يتلالا من وجهه مع معرف من فصاحته ووضوح نبرة النطق وإتقان في مختلف أساليب البيان واشتهر منذ ان كان فتى بحدة البصر وبمهارة فائقة في السباحة لمسافات طويلة والغوص في لج الأنهار العميقة
وكان مجاورا بمكة المكرمة وهو أعزب ( آل كوشك ) فسعوا في تزويجه أول مره ثم تعددت زيجاته فتزوج من آل سرحان فلم ينجب منها ثم تزوج ابنة العباس السيد نجم الدين قاري فأنجب منها ابنه محمد أمين وعبدالله وبناته أمينة و نعيمة وخيرية ثم مرضت زوجته وأم أولاده واسمها مغفرة وتوفاها الله . فتزوج بعدها امرأة لم يعاشرها سوى فترة قصيرة ثم فارقها وتزوج بعد ذلك الزوجة الأخيرة من أهل الطائف وهي رحمة بنت عمر صباغ فأنجب منها بناته السبع فاطمة وزينب وأسماء و خديجة و نظيمة وهدى وصفية .
وقد اعتاد أبناء البلد الحرام من أهل مكة والمجاورين والحجاج وطلبة العلم تشكيل حلقة حوله عقب صلاتي العصر والمغرب للاستماع الى ترتيله أي من الذكر الحكيم كل يوم في حصوة باب أجياد بالمسجد الحرام فقد كان رحمة الله جهوري الصوت عالي الطبقة حتى ان من عاصر تلك الفترة كان يذكر ان صوته كان يسمع من خارج المسجد الحرام -ولما تعرف مكبرات الصوت آنذاك.
فاسترعى ذلك انتباه الوالي التركي الذي اعجب بقراءته المجود وحسن ترتيله وقوة حفظة فرغب ان يتلقى القران على يديه فوافق الشيخ احمد حجازي على تعليم الوالي التركي قراءة القران بقراءة حفص عن عاصم وعلى أثره كثر الراغبون من طلبه العلم في ان يعلمهم القران ولكنه لم يلبث ان استجاب لرغبة الوالي فانتقل الى مقر الجند بالطائف وعينة الوالي إماما للجيش ومدرسا للقران الكريم بقشلة الطائف ومن ثم اتيحت الفرصة لكثير من أهل الطائف لتعلم القران وحفظه على يده فأحبه أهل الطائف .
وكان قلب الشيخ احمد معلقا بالمسجد الحرام فرجع الى مكة المكرمة بعد خروج الحكومة التركية في أخريات عام 1331هـ وبدايات عام 1332هـ ثم هيا الله له الأسباب فسافر الى بلاد شرق آسيا ليعلم أهلها القران الكريم حيث وجد من سلاطين بلاد الملايو وسنغافورة وأهلها خاصة احتفالا و تعظيما وتكريما للقران الكريم ورغبة صادقة في حفظه وفهمه وتعلم العلوم الشرعية .فأمضى فترة من الزمان يتنقل بين مدن وقرى تلك البلاد فتكاثف طلاب العلم حوله
فلما رجع الى أهله بمكة المكرمة في عهد الحكومة الهاشمية لزم بيته يعلم القران الكريم لأهل البيت الحرام والوافدين اليه ثم عين في عهد حكم الشريف الحسين بن علي مديرا للمدرسة الرشدية بمدينة جدة للقسم الابتدائي ايام كان معتمد المعارف بجدة رشدي بك وكيل الحربية والبحرية .وكان من المدرسين معه بتلك المدرسة كل من الشيخ صدقة منصوري والشيخ عبدالحميد عطيه والشيخ مصطفى داغستاني والسيد حسين زيني وتخرج على يده من التلاميذ الشيخ عمر ابن الأفندي محمد نصيف والشيخ محمد نور ابن الشيخ احمد ناس وبعض الأخوة من آل الهزازي وكثير من أبناء واعيان مدينة جدة .ومكث مديرا للمدرسة الرشدية فترة تزيد عن ست سنوات .
فلما توفيت زوجته أم ولديه وبناته الثلاث اضطر الى ترك العمل بجدة حيث تزوج من مدينة الطائف أم بناته السب التى سبق ذكرها .ورجع للإقامة بمكة المكرمة وكان ذلك في حدود عام 1340 هـ ومكث بداره يعلم القران الكريم ويرتله بالمسجد الحرام كعادته من قبل ,وكان رحمه الله عائلا فالح عليه بعض طلبة العلم من بلاد الملايو وسنغافورة ان يصحبهم الى بلادهم ليستكمل ما بداه من قبل .فستجاب لهم وسافر في صحبتهم عام 1342هـ ومكث في شرق آسيا فترة من الزمن كانت عصيبة على أهله وأولاده ولكنه استخلف الله فيهم فلم يخذله حتى عاد إليهم في سعة ويسار وفي أثناء ذلك تم جلاء الحكم الهاشمي ونصر الله الملك عبدالعزيز رحمه الله ووحد على يده دولة الإسلام المملكة العربية السعودية فرجع الشيخ احمد حجازي الى مكة المكرمة بعد ان تخرج على يده في بلاد شرق آسيا عدد كثير من حفظة القران الكريم المجودين والمتفقهين في دينهم .
فلما أصدر الملك عبدالعزيز رحمه الله نظام التابعيات حصل الشيخ احمد حجازي على حفيظة النفوس السعودية ...
انتخب الشيخ احمد حجازي الفقيه شيخا لطائفة الفقهاء وصدر الأمر السامي بذلك برقم 1754 في 3-4/9/1353هـ فبلغته المعارف النظام والتعليمات الخاصة بمشيخة القراء وتابع الشيخ احمد حجازي الفقيه علمه في تعليم القران الكريم حتى تخرج على يده عدد من أبناء مكة المكرمة قراء مجودين منهم ابنه الأكبر (محمد أمين ) وابنه (عبدالله ) و( الشيخ المقرىء زكي داغستاني ) و (الشيخ المقرىء عباس مقادمي ) و ( الشيخ المقرىء جميل آشي ) و ( الشيخ المقرىء محمد صالح باحيدرة ) و ( الشيخ المقرىء محمد الكحيلي ) و ( الشيخ عبدالحميد حيات ) و( الشيخ المقرىء احمد سعدالله ) و( الشيخ المقرىء محمد النونو و ( الشيخ عبدالحميد غندورة ) و(الشيخ المقرىء جعفر جميل البرمكي ) كما تفقه على يديه عدد من القراء الكبار منهم الشيخ محمد نور ابو الخير نقيب المقرئين الأول وفقيههم والشيخ المقرىء عمر أربعين الفقيه والشيخ سراج قاروت الفقيه كما تخرج على يديه عدد أخر من المقيمين من غير أبناء مكة المكرمة منهم الشيخ المقرىء محمد معصوم والشيخ المقرىء محمد طاهر جاوة والشيخ المقرىء اشهد علي بن محمد صادر البنغالي والشيخ المقرىء مصطفى رواس واخرون من الأفاضل وكان من أكثر الناس ملازمة له وقربا اليه شيخة وصديقة الشيخ احمد حامد التيجي الذي كان قد عمل مدرسا للقران الكريم بمدرسة الفلاح بمكة المكرمة ...
الف رحمه الله رسالة سماها ( القول السديد في أحكام التجويد ) بأسلوب سهل مبسط وطبعها وقد ترجمت الى اللغة الملايوية والبنغالية فيما بعد ..
وكان قد جعل بيته رحمه الله مدرسة لتحفيظ القرن الكريم لطلبة العلم من مختلف الأجناس الوافدة الى الحج والعمرة كلاندونيسيين والملايو والهنديين والبنغال وأهالي بخارى وتركيا عدا المجاورين في الحرم وأبناء مكة المكرمة فكان يقضي معظم ساعات النهار يعلمهم ويحفظهم ويفقههم على قراءة حفص بن عاصم ويخص البعض من النابهين بتعليم القراءات السبع من طريق الشاطبية .
واستمر الشيخ احمد حجازي الفقيه متوليا مشيخة القراء ورئاسة الفقهاء بمكة المكرمة نحو ثمان وعشرون سنة حتى وافاه الأجل صباح يوم الأربعاء الخامس من شهر رجب عام 1381هـ وكان طوال ليلة وفاته لا يكف عن تكرار محفوظة من القران الكريم كعادته حتى فاضت روحه وشيع من داره الكائنة بدرجة جبل السبع بنات بزقاق الدهان بحي أجياد بمكة المكرمة ووري جثمانه الطاهر صعيد المعلاة وقد ناهز من العمر الثامنة والسبعين
وخلف رحمه الله من الابناء الذكور ابنه الشيخ محمد أمين حجازي وابنه الشيخ عبدالله حجازي وكانا حافظين للقران الكريم مجودين فقيهين عالمين بعلم الفرائض وتقسيم المواريث كما خلف من الإناث عشر بنات كلهن من العابدات الصالحات التاليات لكتاب الله المتأدبات بأدبه .كما خلف الكثير من الحفده فيهم المعلمون والمعلمات والمهندسون والموظفون والحائزون على المؤهلات العلمية ,,,,,
رحم الله الشيخ أحمد حجازي الفقيه رحمه واسعة وجعل القران العظيم شافعا له
وبارك الله في ذريته
المصدر : مجلة البلد الامين ( نادي مكة الثقافي الادبي)العددالثاني عشر1425هـ
0 تعليقات