«سَرِف» من المواقع الأثرية حلّ مكانها اسم جديد فأصبحت أحاديث

بدأت بمتابعة المواقع التي ذكرت في السيرة النبوية لمدة تزيد على أربعين عامًا، سواءً بالمدينة المنورة أو مكة المكرمة أو ما بينهما، وتغيّرت أسماء مواقع هامة، لها علاقة بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث لو ذكرت تلك الأسماء لأصبحت غريبة، فقبل فترة سألت عن الحارة الجديدة التي تقع شمال حارة التنعيم ومرتبطة بها، فقيل لي أنها : النوّارية (نسبة إلى النورة)، وهو اسمٌ حديثٌ حلّ مكان الاسم التاريخي ( سَرِف )، وهذا المكان له ارتباط بالسيرة النبوية، حيث تزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها في هذا المكان، وبنى بها، فعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة، وأقام بمكة ثلاثًا، فأتاه حويطب بن عبد العزى في نفر من قريش في اليوم الثالث، فقالوا له: إنه قد انقضى أجلك فاخرج عنا، قال: و ما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم، وصنعتُ لكم طعامًا فحضرتموه» قالوا: لا حاجة لنا بطعامك، اخرج، فخرج بميمونة حتى عرّس بها بسرف»، وبسرف توفيت رضي الله عنها، وهناك دفنت، وقبرها لازال موجوداً.

وقد جاء ذكر سَرِف في شعر منزل قيس بن ذريح الكناني ، صاحب لبنى-وقد نقلت لبنى إلى سرف حين تزوجها، وقد حمد الله قيسٌ على ذلك، وذكر قصة زواجه شعراً كما ذكر ذلك الحربي في كتاب: المناسك وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة:
الحمد لله، قد أمست مجاورة
أهل العقيق، وأمسينا على سَرِف
حيٌّ يمانون، والبطحاء منزلها
هذا – لعمري-شكلٌ غير مؤتلف
قد كنتُ آليتُ جهدًا لا أفارقها
أفٍّ لأكثر ذاك القول، والحلفِ
حتى تكنفني الواشون فافتلتت
لا تأمنّنّ بدار لات مكتنف

ويوصف موقع سَرِف دائماً بوجود مسجد بمسمى ( مسجد أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها بسرف)، ولكن المسجد اندثر، ويذكر بعده مباشرة مسجد أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ( أي: مسجد العمرة (التنعيم)، وعند وصف أي رحلة من رحلات الحج تذكر سَرِف شعرًا أو نثرًا، فعلى سبيل المثال ذكرها الهمداني في صفة جزيرة العرب باسمها ( سَرِف)، وذكرها الحربي في كتابه ( كتاب المناسك )، و ذكرها الحموي في معجم البلدان، والسمهودي في وفاء الوفا، وذكرها أيضًا عدة مرات حسب أعوام الرحلة عبد القادر الجزيري في كتابه ( الدرر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة)، وكلُّ مَنْ ذُكِر أعلاه وغيرهم من المؤرخين، التزموا بالأمانة العلمية أي: بذكر المسمى الحقيقي للموقع (سَرِف) المرتبط بالحديث، وما أكثر الجرأة على تغيير الأسماء المرتبطة بالسيرة النبوية، ولعلّ تغيير (الحديبية) إلى الشميسي وحنين إلى الشرائع دليلٌ آخر يعزز ما ذكر، إن المآثر المكانية بأسمائها التاريخي الواردة في الأحاديث والكتب التاريخية تعزز صحة ما يذكر في السيرة النبوية من حوادث ووقائع.

المصدر : صحيفة المدينة 1437/3/21هـ | بقلم : تنيضـب الفــايدي