صور مكة المكرمة في مجلة الجمعية الجغرافية الأمريكية

 

يسعدني اليوم أن اشارك معكم ملخصًا لبحث نشرته في مجلة الإنسانيات والعلوم الاجتماعية (1) , نشر في عام 1436هـ/ 2015م .

وسأعرض تحليلًا للصور التي وثقتها مجلة الجمعية الجغرافية الأمريكية لمنطقة الحجاز، خلال النصف الأول من القرن العشرين.

حيث اهتمت المجلة بالجزيرة العربية، والبحث في أحوالها الجغرافية والحضارية، وحظيت منطقة الحجاز وعلى الأخص الأماكن المقدسة وموانئها بجانب من ذلك الاهتمام، وخلال النصف الأول من القرن العشرين نشرت المجلة عدة مقالات هن الحجاز مضمن فيها صور فريدة، والمقالات هي كالتالي:
1. مقال الكولونيل مونسل بعنوان: ألف ميل من السكك الحديدية، من أجل الحجاج لا المساهمين، عدد فبراير 1909م (1327هـ)

2.مقال صامويل زويمر: مكة الغامضة، عدد أغسطس 1917م (1335هـ)

3.أوين تويدي: مع الحجاج، عدد يونيو 1934م (1353ه)

4.ماركوس أوسكار: رحلة الحجاج إلى مكة، عدد نوفمبر 1937م (1356ه)

5.ماينارد أوين ويليامز: ضيوف في المملكة العربية السعودية، أكتوبر 1945م (1364ه)

6.عبدالغفور شيخ: من أمريكا إلى مكة على متن طائرة، عدد يوليو 1953م (1372ه)

ومن خلال دراسة تلك الصور والمقالات التي وردت في سياقها، تتضح الملاحظات التالية:
1.شملت الصور صور جدة ومكة المكرمة ومنى وعرفات والمدينة المنورة وهي المناطق الوثيقة الصلة بالحج وشعائره.

2.حظيت مدينة جدة بالحصة الأكبر من تلك الصور، بينما احتوى عدد يوليو 1953م على ثلاث صور للمدينة المنورة فقط، وغلب على الصور الاهتمام بصور الحجاج ومراحل وصولهم وسفرهم، ومرافق الحج، وشعائره.

3.جاءت هذه الصور إما في سياق الحديث عن الحج تحديداً، أو خلال الحديث عن الجزيرة العربية بشكل عام، وتدرج عدد الصور وارتفع بشكل تدريجي واحتوت الأعداد الأحدث على صور أكثر.

4.كان لمجلة الجمعية الجغرافية الأمريكية السبق في التقاط أول صور ملونة لمكة المكرمة والحرم الشريف، وذلك في عدد 1953م.

5.كان هناك تكرار لبعض الصور في بعض المقالات، وخاصة في المقالات الأولى. وحوت بعض الأعداد صوراً فقط مثل عدد نوفمبر 1937م/1356ه.

6.التعليقات المصاحبة للصور هدفت إلى تعريف القارئ بالحج وشعائره وقدمت تفسيراً لكثير من الشعائر التي يؤديها الحجاج، كما يلمس من يطّلع على هذه التعليقات الحياد في الطرح، والحرص على إبراز الجانب الإنساني والبعد الحضاري لتلك المناطق وسكانها.

 

 

7.شملت المعلومات أسفل كل صورة إشارة إلى المصور عدا صور معدودة في بعض الأعداد المبكرة.

واكتسب المصورون الأوائل الذين التقطت عدساتهم صوراً للجزيرة العربية بشكل عام والمشاعر المقدسة بشكل خاص ميزة خاصة، والمصورون الذين وثقت مجلة الجمعية الجغرافية أعمالهم يتنوعون من ناحية جنسياتهم، والوظائف التي يشغلونها، فمنهم الصحفي، والضابط، والسياسي، والمبعوث في مهمة رسمية، وجمعهم جميعاً حب المغامرة والاهتمام بالتصوير، أدركوا أهمية المنطقة، وتشوق الأوروبيين لرؤية صور حقيقية عنها.

التقط بعض كتاب المقالات الصور بأنفسهم ،  مثل:
الصور الواردة في عدد يونيو 1934م/1353ه من تصوير الصحفي البريطاني أوين تويدي     Owen Tweedy  الذي عمل كذلك في عدة وظائف بريطانية في الشرق الأوسط مكنته من التجول في مصر وفلسطين والحجاز.

  

الصور الواردة في عدد أكتوبر 1945م/1364ه  من تصوير مراسل مجلة الجمعية الجغرافية أوين ويليامز ماينارد Maynard Owen Williams، وهو أمريكي الجنسية، كان مستكشفًا وعاشقًا للسفر ومصورًا بارعاً، عمل خلال الحرب العالمية الأولى في الاستخبارات العسكرية لبلاده في الصين، ومع نهاية الحرب أصبح مراسلاً ميدانياً للمجلة، تنوعت مقالاته التي تحوي صوراً من عدسته فحققت تميزاً كبيراً بتركيزها على شعوب ومناطق مختلفة حول العالم، خلدت كلية Kalamazoo في ميتشجان التي تخرج فيها اسمه من خلال جائزة مخصصة للإبداع تحمل اسمه.

 

صور عدد 1953م/1372ه وهي من تصوير عبدالغفور شيخ Abdul Ghafur Sheikh وهو طالب مسلم في معهد هارفارد للأعمال، أصله من باكستان، خلال السنة الأخيرة من دراسته في هارفارد أبلغ  مجلة ناشونال جيوغرافيك بنيته التوجه إلى مكة لأداء فريضة الحج، ورغبته في توثيق تلك الرحلة وتصويرها، بهدف تعريف العالم الغربي بهذه الشعيرة، ووافقت المجلة وزودته بآلتي تصوير ملون.

فالمصورون في تلك الأعداد حضروا وصوروا، ونجح عبدالغفور شيخ في دخول مكة لأنه مسلم، أما الآخرين فلم يتمكنوا من الدخول لأنهم غير مسلمين لذلك كانت صورهم التي التقطوها بعدساتهم لمناطق خارج مكة وتركزت صورهم على جدة، بينما احتوى عدد 1934م/1353ه صورة وحيدة للحرم وهي من مجموعة القنصل الفرنسي في جدة كراجفسكي الذي عمل فيها في عام 1909م.

كان عدد 1937م/1356ه عبارة عن صور، نعود جميعها إلى أوسكار ماركوس Oscar Marcus  وهو ألماني اشتهر بشغفه بالسفر والتقاط صور لأماكن مختلفة ومتنوعة حول العالم، سافر في رحلات عديدة حول العالم، وتجول في البلاد العربية والتقط لها الكثير من الصور. نالت صوره التي التقطها للحجاج شهرة كبيرة حيث وثقت تفاصيل شيّقة لرحلتهم وانتقالهم من جدة إلى مكة المكرمة، اختار لنفسه اسمًا عربيا هو "عمر" الذي أخذه من الحروف الأولى لاسمه الأجنبي، وعندما عاد ماركوس إلى لندن في نهاية الثلاثينيات من القرن العشرين، أطلقت عليه صحيفة The Star الإنجليزية  اسم "ماركوس العرب Marcus of Arabia" .

 

 

وفي العدد نفسه صورتان من مجموعة كراجفسكي القنصل الفرنسي في جدة، وصورة واحدة من تصوير الأميرة المغولية Nirgidma التي تمكنت من الدخول إلى مكة، وصورة واحدة للصحفي النمساوي Harald P. Lenchenpurg عن الطواف حول الكعبة ولم أتمكن من تحديد ما إذا كانت من تصويره أم استعان بمصور مسلم للقيام بذلك

أما عدد 1909م/1327هـ فكاتب المقال هو مونسل، ضابط الاستخبارات البريطاني، الذي عمل على مسح المنطقة ورسم خرائط لها، والتقط صوراً نادرة للمنطقة خلال تلك المهمة، وشملت صوره مناطق متنوعة على طريق سكة حديد الحجاز حتى المدينة المنورة.

في مقال أغسطس 1917م/1335ه ظهرت صورتان من صور مونسل التي نشرت سابقاً في عدد 1909م/1327ه، وخمس صور أخرى لمكة المكرمة ذكر زويمر أنها من تصوير مصور مكي لم يذكر اسمه، أما الصورة التي اشير إلى أنها من التقاط الأميرة نيرجيما Nirgidma، فكتب تحتها أنها ملتقطة بواسطة الأميرة المغولية Nirgidma, Princess pf Torhut التي زارت مكة في يوليو 1935م/1354هـ رغم أنها غير مسلمة كما ظهر لي من خلال البحث عنها والله أعلم.

 

 

ومن خلال استعراض الصور التي احتوتها المجلة في خلال النصف الأول من القرن العشرين تتضح أهمية ودور تلك الصور في حفظ جزء من تاريخ المنطقة، حيث  عكست مظاهر إنسانية وحضارية اندثرت وزالت؛ فقد احتوت مظاهر معمارية تعود لتلك الفترة ولم تعد موجودة حالياً، ووثقت معالم الحرم الشريف وما يحيط به من آثار، وسجلت بالصورة مظاهر الحياة الاقتصادية ووسائل المواصلات، وأبناء المجتمع الحجازي آنذاك، فضلاً عن صور حجاج بيت الله الحرام وزائريه خلال مراحل وصولهم وأداء مناسكهم بكل أبعاد تلك اللحظات التاريخية والاجتماعية. وبعبارة أخرى فقد أدت تلك الصور رسالة حضارية مهمة في التعريف بجانب مهم من الثقافة الإسلامية التي تمثلت في شعيرة الحج وما يتعلق بها، ويبقى لمجلة الجمعية الجغرافية الأمريكية التقدير والعرفان لهذا الجهد وهذا العمل الذي أسهم في حفظ قطعة مهمة من تاريخنا الحضاري الذي هو جزء من التاريخ الإنساني.

 

بقلم | د. مها علي آل خشيل ( جامعة الاميرة نورة ) | نشر على صفحات الموقع بتاريخ 1437/5/6هـ | معالجة الصور : موقع قبلة الدنيا .
---------------------------------------------------------------------------------------

[1] - Alkhashil, Maha Ali, Hijaz Photos In The First Half Of 20th Century (Analytic study on the National Geographic Magazine), Humanities and Social Sciences Review, Volume 4, No. 3, 2015.