البغدادي.. رائد يستحق التكريم
(الشيخ عبدالله بن عبدالمجيد بغدادي ـ رحمه الله -) قامة تربوية وأدبية وفكرية رائدة، وهو من رواد المسيرة التعليمية في وطننا الحبيب وعلم من أعلامه التربويين المخضرمين، كان مواكبا بدايات التأسيس النظامي للتعليم، له تاريخه المشرف من العطاء في خدمة التعليم العام والتعليم العالي، أسهم في إرساء قواعد العملية التعليمية، وكان قائدا تربويا وإداريا ناجحا بأدائه وفكره المتطلع للرقي إلى الأفضل.. وقد أبدع وأجاد في كل ما أوكل إليه من عمل فكان نموذجا فريدا لابن الوطن البار، وحين تأسست مديرية للتعليم بمنطقة مكة المكرمة، أسندت إدارتها له ليكون أول مدير للتعليم بمنطقة مكة المكرمة.
والراحل أديب ومفكر وكاتب ألمعي، يملك ناصية الكلمة الأدبية وأساليب البلاغة العربية الأصيلة، والخطابات المتنوعة من سحر البيان بأسلوبه الأخاذ إلى دنيا المعاني الراقية، وهذا ما كنا ندركه ونتابعه بشغف في مقالاته الصحفية وأحاديثه الشائقة، وكان رحمه الله من المؤسسين لندوة المسامرات الأدبية التي أشعلت الحركة الثقافية بالعاصمة المقدسة حينذاك.
من مؤلفاته كتابه الموسوعي القيم (الانطلاقة التعليمية في المملكة العربية السعودية) والمكون من ثلاثة أجزاء ويعد مرجعا مهما في التربية والتعليم والحركة التعليمية وأعلام روادها في بلادنا الغالية، ومن يحسن غيره أن يكتب هذا التاريخ غير من عاصره وشارك فيه، وقد علق على كتابه المربي القدير الأستاذ مصطفى عطارـ رحمه الله ـ مدير التعليم الأسبق بمكة المكرمة في ليلة تكريم البغدادي بإثنينية الأديب الشيخ عبدالمقصود خوجة مقتطفا ما قاله: (تحية كريمة له على كتابه الرائع «الانطلاقة التعليمية في المملكة العربية السعودية» لما حواه من ثروة علمية في تاريخ التربية، وجهود علماء المسلمين في وضع فلسفة تربوية صداها وحكمتها مقاصد الإسلام، وفكره عقيدة وشريعة، لما احتواه من رائع القول وصادق الرأي، ودسامة المعلومات وحسن الاستنباط وبراعة الاستدلال وحكمة الاقتباس، إن الكتاب بحق تسجيل أمين للانطلاقة التعليمية في بلادنا، لكن ليس تسجيلا تاريخيا صامتا، إنما كما أشار المؤلف أرجع تلك الانطلاقة لأصولها وجذورها، فهو أولا: استعرض بعض الصفحات المشرقة من تراثنا التربوي الإسلامي الفذ ورصد مراحل تطوره عبر تاريخ التعليم؛ وذلك لأن التعليم في المملكة يقوم على فلسفة التربية الإسلامية، كما أنه يعرض لسير أعلام التربية الإسلامية الشامخين ومن خلال ترجماتهم صال وجال في مدارسهم الفكرية والتربوية، في محاولة جادة لعقد المقارنات وتسليط الضوء على ما امتاز به فكر كل منهم).
ومن خلال كتابه القيم نجد ترجمة موجزه عن حياته، كاتبا عن سيرته رحمه الله بقلمه: (ولدت بمكة المكرمة في 27/10/1341هـ وفيها نشأت وتلقيت تعليمي الابتدائي والثانوي بمدارسها وفي عام 1362هـ ابتعثت إلى القاهرة لتلقي التعليم الجامعي بكلية دار العلوم وفي عام 1367هـ تخرجت منها وعدت إلى الوطن الغالي حيث صدر الأمر السامي الكريم بتعييني معتمدا للمعارف ومديرا للمدرسة الفيصلية الثانوية بالطائف، وفي مطلع عام 1369هـ نقلت إلى مكة حيث عينت مساعدا لمدير مدرسة تحضير البعثات بمكة آنذاك فضيلة المربي الكبير السيد أحمد العربي، وعلى أثر نقله إلى مديرية التعليم الابتدائي والثانوي عينت خلفا له للمدرسة المذكورة وبقيت أشغل إدارة هذه المؤسسة التعليمية الكبرى إلى حين إنشاء وزارة المعارف حيث تلقيت أمر وزيرها الأول سمو الأمير فهد بنقلي لأكون مديرا عاما للتعليم الثانوي والابتدائي والثقافة الشعبية بالوزارة اعتبارا من أول عام 1374هـ وبقيت أشغل هذا المنصب حتى عام 1377هـ حيث صدر الأمر الوزاري بنقلي إلى مكة لأكون مساعدا للمشرف على التعليم بها فضيلة الشيخ عبدالله خياط وحتى تاريخ 1379هـ حيث تأسست مديرية للتعليم بمنطقة مكة المكرمة أسندت إلي إدارتها ولأكون أول مدير للتعليم بمنطقة مكة، وبقيت أشغل هذا المنصب حتى عام 1385هـ حيث نقلت عميدا لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمكة وحتى عام 12/8/1391هـ حيث ضمت الكلية إلى جامعة الملك عبد العزيز وصدر قرار مجلس الجامعة بتعييني مستشارا للجامعة وبقيت أشغل هذا المنصب حتى 16/11/1401هـ حيث تمت إحالتي إلى التقاعد بناء على طلبي بعد خدمة متصلة مدة خمسة وثلاثين عاما في شتى وظائف التربية والتعليم، مستوفيا بذلك كتابي في خدمة هذه المهنة السامية وبعد مشاركة دائمة ومتصلة في شتى حقول العلم والمعارف مسهما خلالها بتمثيل المملكة في عدة مؤتمرات تعليمية عربية وعالمية وقمت خلالها بإسهامات مباشرة في النشاط الاجتماعي والثقافي والأدبي، فأنا عضو في مؤسسة مكة للطباعة والإعلام وأحد المؤسسين لندوة المسامرات الأدبية، أول ندوة تقام في المملكة قبل أكثر من ثلاثين عاما، كما كلفت من قبل سمو وزير الداخلية في عام 1382هـ لأكون رئيسا للمجلس التأديبي بالمنطقة الغربية.
وهذا مجمل حياتي والحمد لله أولا وآخرا، وحرر هذا بقلمي في 15/5/1402هـ).
ولا شك أن مثل هذه الشخصية التربوية والأدبية الشامخة، تستحق أن تكرم بما يليق بمكانتها الريادية في مسيرة الحركة التعليمية في بلادنا الغالية، وعندما يأتي التكريم من هرم التعليم، فمقام تكريمه مستحق ووسام شرف لمسيرة كل إنسان رائد أخلص في خدمة وطنه، ولفتة طيبة وكريمة وإيجابية لو تم التوجيه بتسمية إحدى مدارس مكة المكرمة باسم الراحل وذلك وفاء وعرفانا لعطائه وجهوده المشهودة في مسيرته المشرفة في هذا البلد الأمين.
وقفة:
ما كنت أنسى جهدك المبذولا
في بعث أجيال تكون عدولا
كم زهرة في الروض فاح أريجها
بجهود جنان يكد طويلا
«شوقي» أصاب بقوله في حقكم
كاد المعلم أن يكون رسولا
المصدر: صحيفة مكة المكرمة 1437/6/6هـ
0 تعليقات