العمامة لباس عربي عقدت به ألوية الحروب

لبس العرب العمامة قبل الإسلام وذكروها في شعرهم، وكان لبسها من عناوين الشرف والوجاهة لدى الحاضرة والبادية، وقد عرفها ابن سيده في المخصص، بقوله: اللباس الذي يلاث على الرأس تكويرا.

وقال الجاحظ في البيان والتبيين: كان أبوأحيحة سعيد بن العاص القرشي إذا اعتم لم يعتم معه أحد لشرفه، لذلك يقول الشاعر:
وكان أبوأحيحة قد علمتم بمكة غير مهتضم ذميم
إذا شد العصابة ذات يوم وقال إليّ المجالس والخصوم

وعلق الجاحظ على ذلك بقوله: العصابة والعمامة سواء، وإذا قالوا سيد معمم، فإنما يريدون أن كل جناية يجنيها الجاني من تلك العشيرة فهي معصوبة برأسه. وذكروا العمامة عند أبي الأسود الدؤلي، فقال «جنة في الحرب، ومكنَّة من الحر، ومدفأة من القر، ووقار في الندي، وواقية من الأحداث، وزيادة في القامة، وهي بعد عادة من عادات العرب»، وقال الميداني في كتابه الشهير مجمع الأمثال (أجمل من ذي العمامة)، وعلق على هذا المثل، بقوله: هذا مثل من أمثال أهل مكة، وذوالعمامة سعيد بن العاص، وهو الذي سبق ذكره. ومن الأمثال المعروفة في مكة (ثور معمم) كناية عن الرجل الوضيع أو الجاهل إذا لبس العمامة.


وقيل لأعرابي: إنك لتكثر لبس العمامة، قال «إن شيئا فيه السمع والبصر لجدير أن يوقى من الحر والبرد»، وقال عمرو بن امرئ القيس:

يا مال والسيد المعمم قد يبطره بعد رأيه السرف

وذم أحد الشعراء رجلا من أصحاب الثراء إذ لبس العمامة، وأصبح من الأعيان، وكان بخيلا، فقال:
إذا المرء أثرى ثم قال لقومه
أنا السيد المفضى إليه المعمم
ولم يعطهم شيئا أبوا أن يسودهم وهان عليهم رغمه وهو ألوم
ومدح الشاعر بني تميم بقوله:

إذا لبسوا عمائمهم لووها على كرم وإن سفروا أناروا
إذا ما كنت جار بني تميم فأنت لأكرم الثقلين جار

ولمكانة العمامة عند العرب كان بعضهم يعقد بها ألوية الحرب، وفي ذلك يقول الشاعر:
جاءت به عبل القوام كأنما عمامته فوق الرجال لواء

وورد أن الأحنف بن قيس سيد بني تميم وفاتح مرو حين عقد لعبس بن طلق اللواء، نزع عمامته من رأسه فعقدها له لواء.

وفي الحديث الذي رواه مسلم «كان رسول الله يتعوذ من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، والحور بعد الكور»، والكور كما جاء في شرح النووي: مأخوذة من تكوير العمامة وهو لفها وجمعها وحارها إذا نقضها، كأنه يقول: نعوذ بك من أن تفسد أمورنا بعد صلاحها، كفساد العمامة بعد استقامتها. وقال الزبيدي في القاموس: كل دور من العمامة كور، وكل كور دور. وقيل إنه وكما أن تكوير العمامة ولبسها عند العرب دلالة على الغنى واليسر، حورها دلالة على الفقر والنقص.

أما ألوان العمائم، فكما يقول الدكتور يحيى الجبوري في كتابه الملابس العربية في الشعر الجاهلي «أما الصحابة ومن بعدهم لبسوا العمائم البيض والسود والصفر، وكانت العمائم الصفر تأتيهم من هراة، ولذلك يقال لمن لبسها قد (هَرَّى عمامته)، ولا يلبسها إلا الوجهاء» . وقال الثعالبي في فقه اللغة: كانت السادة من العرب تلبس المهراة وهي الصفر، وفي ذلك يقول الشاعر:

رأيتك هريت العمامة بعدما
عمرت زمانا حاسرا لم تعمم

وذكر ابن الأثير في أسد الغابة «شهد الزبير بن العوام بدرا، وكان عليه عمامة صفراء معتجرا بها، فيقال: إن الملائكة نزلت يومئذ على سيماء الزبير»، أي بعمائم صفر. والاعتجار لف العمامة على الرأس دون أن تكون تحت اللحية. وقال في ترجمة الزبرقان بن بدر التميمي رضي الله عنه «قيل له الزبرقان لأنه لبس عمامة مزبرقة بالزعفران». وقال ابن قتيبة في عيون الأخبار «إن السيد من العرب كان يعتم بعمامة صفراء لا يعتم بها غيره، وإنما سمي الزبرقان بصفرة عمامته»، وكان الزبرقان سيدا في الجاهلية، عظيم القدر في الإسلام، وكان ممن يدخل مكة متعمما لحسنه.

فالعمامة لباس عربي، لم تعرفه أمة غيرهم، شرق وغرب مع الفتوحات الإسلامية، وأصبح لكل قوم ممن وصلهم الإسلام نوع من العمائم، تتشابه في الأصل والتكوير، وتختلف نسجا ولونا وصناعة، بحسب كل منطقة، ومناخها، وما يرغبه أهلها، والخامات البيئية المتوفرة، وربما اختلفت العمائم في البلد الواحد، ونجد ابن المقري التلمساني في كتابه نفح الطيب يتحدث عن العمائم في الأندلس، بقوله «الغالب على أهل الأندلس ترك العمائم، لاسيما في شرقها، أما غرب الأندلس فلا تكاد ترى فيهم قاضيا، ولا فقيها مشارا إليه إلا وهو بعمامة، ولا سبيل إلى يهودي أن يتعمم البتة، والذؤابة لا يرخيها إلا العالم، ولا يصرفونها بين الأكتاف، وإنما يسدلونها من تحت الأذن اليسرى».

المصدر : صحيفة مكة 1437/9/30هـ | بقلم : حسام عبدالعزيز مكاوي