جولة في مكة المكرمة.. اليوم
لعل الصورة العامة اليوم في مكة المكرمة تغيرت بشكل كبير بعد مشاريع الازالة سواء لصالح المسجد الحرام من جهة “الشامية” او لصالح تنفيذ مشروعات توسعة وطرق والتي نالت من عدد من الاحياء حتى ان ابن مكة الغائب عنها لثلاثة اعوام فقط سوف يفاجأ بصورة جديدة لا تجعله يمكن ان يحيط بالمكان الذي تركه حارة ومنازل يعرفها وعاش بينها ووجدها وقد ازيلت تماماً واصبحت خالية بل يظهر ما خلفها من جبال ومرتفعات والتي تميز جغرافية العاصمة المقدسة قديماً..
بل ان بعض الاحياء عادت كما كانت قبل أن يبدأ فيها اقامة البيوت وتشكيلات حاجات الناس من اسواق وغيرها..
اليوم الصورة اختلفت وتجد ان كثيرا من المواقع تحولت الى ما يشبه “الصحراء”، لا أثر للحياة فيها… انقل لكم من خلال جولة دامت لأكثر من ساعتين بالسيارة للوقوف على الجديد في المشروع الكبير الذي ينفذ في مكة سواء التوسعة الرائعة التي اضافت مساحات للمسجد الحرام وبنيت بشكل رائع وجميل أو مشروعات طرق او ايصال شوارع لخدمة التنقل والمرور ولحاجة مكة المكرمة لكل ذلك مع استقبالها للملايين من المعتمرين والحجاج.
الأحياء القديمة
العمل نال عددا كبيرا من الاحياء القديمة جرول – شارع المنصور – الشامية – المسفلة – الحجون – الغزاوي – سوق المعلا – المدعي، الفلق – شعب عامر – شعب علي – الغزة – البيبان – وغيرها وأكثر هذه المشاريع لا يُعرف حتى الآن البديل الذي سيقام عليها هل هي مشاريع مترو – طرق – قطار – مشاريع استثمارية؟.
ذكريات الناس
هناك أمر هام يرتبط بازالة هذه الاحياء وهو ذكريات أصحابها الذين عاشوا سنوات طويلة فيها.. اجيال عاشت في هذه الأحياء وفجأة كانت ضمن مشاريع الازالة.. وتستمع اليهم وهم يذكرون أسماء ومحلات تجارية ومواقع لمدارس او ادارات حكومية او مراكز وغيرها..
يتذكر اهل الجودرية والمدعى السوق الذي ظل سنوات طويلة ويعد السوق الاول في مكة المكرمة يخدم السكان والزوار والحجاج لقربه من المسجد الحرام قبل ان تبدأ اسواق اخرى كان أولها في العتيبية ثم العزيزية وغيرهما تستمع لذكريات الناس في سوق المعلا السوق الكبير الذي خدم الناس سنوات لبيع الخضار واللحوم والفواكه وأسماء معروفة هناك ..
هنا فرن العزب والغربي وهنا فول الحجازي ومحل الغصن وهنا مقر العمدة وهنا مركز الشرطة وبجواره “البازان”
ويذكر اهالي الفلق والشامية مركاز العمدة البصنوي وابو ظلام وعمائر يسمونها بأسماء أصحابها وهذا فول العم سعيد فرفر وفي اول حارة الباب أفضل معصوب ومنتو ومقر الاسعاف ومركاز العم فلان ومنازل قديمة وفي جرول “سمك برنية” وأشهر بائعي الروس المندي..
ويتحدث الناس عن أشهر خياط في سوق الحجر وشارع فيصل وأشهر محلات بيع الاكل “الجاوي” “بيوم” وغيره وأشهر “نقلي” وبائع احذية..
واهالي الحجون يتذكرون جبل دفان وجبل السيدة والسليمانية وشارع الولادة وعمارة “السليمان” التي تعد اليوم أقدم بناء في مكة المكرمة في جرول وكانت فيها المحكمة الشرعية..
أسواق – مطاعم – محلات للسيدات والشباب زالت مع زوال المكان وانتقل اهلها الى أحياء اخرى وهم يرددون “وتهون الارض الا موضعا”.
أحياء بديلة
على ان الناس مهما نالهم من تعويض مادي إلا أن ذكرياتهم وأيامهم وحياتهم ونشأتهم طغت على كل ذلك.. لازالوا يريدون أن تعود الأيام بهم ليجدوا البديل الذي يحقق لهم حياة عاشوا فيها سنوات جميلة.. لكن.
أجيال
عندما تلتقي ببعض أصحاب العقارات في الاحياء التي ازيلت يتحدثون لك عن ذكريات ربما زادت عن السبعة عقود بل والتسعة عقود.. يتذكرون الحياة في الاحياء وأيام رمضان والعيد والحج وأكثرهم كان المسجد بالقرب منهم لا يحتاجون لسيارة او وسيلة نقل اليه يحدثونك عن مقاهي صغيرة في الاحياء واماكن يلتقي فيها الجيران “بعد العصر” وتلك البيوت الملاصقة لبعضها واكثرها يسكن فيها الحجاج والبعيدة عن الحرم يتذكرون أسماء الجيران وابناءهم واحفادهم اليوم ذكريات دامت سنوات طويلة واليوم اصبحت اثرا بعد عين.
المصدر : جريدة البلاد 1437/10/16هـ | بفلم الاستاذ : خالد الحسيني .
0 تعليقات