آلله أمرك بهذا

نعم أيتها المرأة الصالحة الله هو من أمر نبيه بهذا، نعم يا هاجر، نعم أيتها المرأة المؤمنة الله من أسكنكما بوادٍ غير ذي زرع عند بيته المُحرَّم. في أطهر بقعة على وجه الأرض، في الوادي الذي نبع منه وفيه ماء زمزم من تحت قدمي إسماعيل عليه السلام، لتبدأ حياة جديدة وتاريخ جديد لهذه البشرية امتد لآلاف السنين.

وجاء أمر الله لنبيه وخليله بعدها ليرفع قواعد البيت التي وضعتها الملائكة، فبنى الكعبة وجاء بالحجر الأسود من جبل أبي قبيس الذي أدّى أمانته التي وضعت عنده أيام الغرق في زمن نوحٍ عليه السلام.

وأذَّن إبراهيم في الناس بالحج فبلغ نداؤه كل المعمورة وأسمع الله من في الأرحام والأصلاب وأجاب الحجر والمدر والشجر.

(لبَّيك اللهم لبَّيك). ليأتوا من كل فجٍ عميق ويحج إليه المؤمنون وجميع الأنبياء بعد إبراهيم حتى خاتم النبيين، وقد جاء ذكر بعضهم في الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما (أن رسول الله ﷺ مر بوادي الأزرق فقال: أي وادٍ هذا؟ فقالوا : وادي الأزرق. قال: كأنني أنظر إلى موسى عليه السلام هابطًا من الثنية -المكان المرتفع- وله جؤار -صوت مرتفع- إلى الله بالتلبية. ثم أتى على ثنية هَرْش فقال: أي ثنيةٍ هذه؟ قالوا: ثنية هَرْش. قال: كأني أنظر إلى يونس بن متى عليه السلام على ناقةٍ حمراء جعدة -كثيرة اللحم- عليه جُبَّة من صوف خطام ناقته خُلبة -ليف- وهو يلبّي ) رواه مسلم.
وتكون المجتمع المكي بعد زواج إسماعيل عليه السلام من قبيلة جرهم العربية،وتكونت لنا تلك السلالة الشريفة فقد أصطفى الله إسماعيل من ولد إبراهيم واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة واصطفى من بني كنانة قريشاً واصطفى من قريشاً بني هاشم واصطفى من بني هاشم محمد بن عبدالله ﷺ كما جاء في الحديث عنه ﷺ .
وشرّف الله نبيه بحمل الرسالة وتبليغ الأمانة.
الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. ولله الحمد

الله أكبر دوت في .. مرابعنا
كأنما هبَّ في الآفاقِ إعصارُ
فسَطّرِ المجدَ ياتاريخُ مكرمةً
وكلِّلِ الرأسَ بالأمجادِ يا غارُ

من هذا الوادي وفي هذا الوادي بدأت رسالة خاتم النبيين وأفضل الناسِ أجمعين.

وكما بدأت حياة جديدة فيه ببناء الكعبة ونبع بئر زمزم، بدأت حياة جديدة مرةً أخرى وسطعت شمسٌ جديدة على البشرية، إنها شمس الإسلام الخالدة التي حمل سراجها ونورها خير خلق الله محمد بن عبدالله ﷺ الذي أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور ومن عبادة الأوثان والعباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة.

إنها أرض المعجزات وأعظم المقدسات عند رب الأرض والسماوات. تشتاق إليها القلوب وتهفو إليها الأفئدة المليئة بالتقوى والإيمان.

مشاعرٌ تتجدد في كل وقتٍ وحين ترجو الرحمة والغفران من رب العالمين. وتأتي من كل فجٍ عميق لتحج لبيت الله العتيق.


إنها أيامٌ يتمناها كل مؤمن، فيها تهب نسمات الإيمان الطاهرة، فهنيئاً لمن استطاع لبيت الله سبيلا:

من نال من عرفات نظرةَ ساعةٍ
نال السرورَ ونال كلَّ .. مرادي

تاللهِ ما أحلى المبيتَ على منىً
في ليلِ .. عيدٍ أعظمُ .. الأعيادِ

إنه موسم البركات والحسنات ولا يقتصر ذلك على حجاج بيت الله، بل هو تربية عظيمة لكل مسلمٍ على الشعور بإحساس الأمة الواحدة، يتجلى فيه مبدأ المساواة والأخوة من خلال متابعة وسماع ومشاهدة شعائر الحج.

وموسم الحج فرصة لغير الحاج بالصيام والقيام وذكر الله، وفرصة لكل مؤمنٍ بتوحيد محيطه ومجتمعه ببر الوالدين وصلة الأرحام وإصلاح ذات البين وزيارة المرضى وتلمس حاجيات الفقراء والمحتاجين من الجيران وذوي القربى. حتى تتربى النفوس على مبدأ الأمة الواحدة والجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

منصور بن مرزوق الدعجاني.
باحث في تاريخ مكة والتاريخ العثماني

تم النشر في 1437/12/5هـ