القرامطة ينكلون بأهل مكة وحجاجها

القرامطة فرقة إسماعيلية شيعية، تنسب لأول دعاتها ومؤسسها حمدان بن الأشعث الملقب بقرمط، ارتضعت علمها وأفكارها من ثدي الفاطميين، والحقيقة ليس المجال هنا مجال متابعة عقائدهم وفسادها، فكثير من الدراسات تناولت هذا الموضوع علميا بما يكفي، ولعل من أوجز وأصدق ما قيل فيهم هو ما قرره الدكتور أحمد عمر الزيلعي في وصف هذه الفئة في كتابه مكة وعلاقاتها الخارجية بقوله «القرامطة اصطلاح أو تسمية أطلقت على طائفة اتخذت من الدعوة إلى إمامة إسماعيل بن جعفر الصادق وسيلة لتحقيق أغراضها السياسية» أي أن هذه الفرقة لبست لباس الدين لتخفي حقيقة أمرها.

والذي يهمني هنا الإشارة إلى موقف القرامطة من الحج وهم الذين يطمعون في حكم العالم الإسلامي، والسيطرة عليه، كما يشير إلى ذلك أحد المتحمسين لأفكارهم وهو عارف تامر في كتابه (القرامطة بين الالتزام والإنكار)، حيث يقول «إن موضوع القرامطة لم يخرج عن كونه حركة فكرية وسياسية كبرى كان من أهدافها السيطرة وحكم العالم الإسلامي، وهذه الحركة التحررية التي ظهرت في عهد الإسلام المبكر ونظامها السياسي الانقلابي الفكري هو الذي تصدى للرجعية وللفساد وللطغيان المستحكم وكانت أنظار القائمين على شؤونها تتطلع في كل أدوارها إلى الأقطار القربية والبعيدة على السواء، وفق مبادئ إنسانية بطبيعتها، إذ كان من مبادئها إقامة الدول، والوصول إلى زعامة العالم الإسلامي المطلقة».

ولا أدري كيف ينظر الكاتب إلى الموضوع ويدعي الإنصاف والحياد على صفحات كتابه، فكل ما قامت به هذه الفرقة عبر تاريخها، يناقض ما ذكره، والملفت أن من يتابع تاريخ هذا الفرقة من الشيعة، حتى بعد أن يتجاوز ما قامت به مذابح وتقتيل، يرى أن لهم موقفا عدائيا من الركن الخامس من أركان الدين الإسلامي، وهو الحج، فالغريب أن هذه الفرقة حاولت بكل ما أوتيت من قوة إفساد هذه الشعيرة على المسلمين، وقطع الطريق على الحجاج (تشابهت قلوبهم) في ذلك.

فنجد المؤرخ عريب بن سعد القرطبي يقول في كتابه صلة تاريخ الطبري في أحداث سنة 311هـ «ورد الخبر بقطع الجنابي والقرامطة الطريق على الحاج، وقتلوا عامتهم، وأخذوا الهدايا المرسلة للكعبة، وأخذوا أموال الناس، ومات أكثر الناس عطشا وجوعا»، أما في سنة 312هـ «فقد هاجموا قوافل الحج الخارجة من الكوفة، ففر الحجاج وعادوا وبطل الحج من العراق في هذه السنة»، وقال في أحداث سنة 313هـ «لم يخرج الناس في هذه السنة -أي للحج- لتغلب القرامطة على البلاد».

وحين نتجاوز هذه السنوات التي قطع فيها هؤلاء طريق الحج ونصل إلى سنة 317هـ، نجد أن القرامطة قاموا بأعظم فتنة في التاريخ الإسلامي، فتنة لم يسبقوا إليها -وهم أصحاب المبادئ الإنسانية والآخذين بأيدي الناس ضد الفساد كما يقول داعيهم- فتنة طالت كل بلد من بلاد المسلمين وكل بيت من بيوتهم، حيث خرج المسلمين من أصقاع الأرض متوجهين إلى البلد الأمين والحرم الآمن، داعين وملبين، ليفاجئهم أبوطاهر القرمطي يوم التروية، وقد استعد الناس من أهل مكة والحجاج، للتوجه إلى صعيد عرفات، ولنترك ابن كثير الدمشقي المؤرخ والمفسر في كتابه البداية والنهاية يصف هذه الحادثة، حيث يقول «توافدت الركوب إلى مكة من كل جانب وفج، فما شعروا إلا بالقرمطي قد خرج عليهم في جماعته، فانتهب أموالهم واستباح قتالهم، فقتل في رحاب مكة وشعابها وفي المسجد الحرام وفي جوف الكعبة من الحجاج خلقا كثيرا، وجلس أميرهم أبوطاهر -لعنه الله- على باب الكعبة، والرجال تصرع حوله، والسيوف تعمل في الناس في المسجد الحرام في الشهر الحرام في يوم التروية الذي هو من أشرف الأيام، وهو يقول «أنا الله وبالله، أنا أخلق الخلق وأفنيهم أنا»، فكان الناس يفرون منهم فيتعلقون بأستار الكعبة فلا يجدي ذلك عنهم شيئا، بل يقتلون وهم كذلك ويطوفون فيقتلون في الطواف، ثم أمر بدفن القتلى في بئر زمزم، وساحات الحرم وهدم قبة زمزم وأمر بقلع باب الكعبة ونزع كسوتها عنها وأمر رجلا أن يصعد إلى ميزاب الكعبة فيقتلعه فسقط رأسه ومات، ثم أمر بأن يقلع الحجر الأسود وأخذوا كل ما يخص الكعبة إلى بلادهم ولم يرجعوه إلا سنة 339هـ»، ويعلق ابن كثير على ذلك بقوله «وإنما حملهم على ذلك أنهم كفار زنادقة وكانوا ممالئين للفاطميين ومعلوم أن القرامطة شر من اليهود والنصارى والمجوس، بل ومن عبدة الأصنام».

 

القطع المتبقية من الحجر الأسود كما رسمها محمد الكردي


ويؤيد ذلك ما ذكره ابن الجوزي في كتابه المنتظم في تاريخ الأمم والملوك عن أحد الذين حضروا هذه المقتلة حيث يقول «بعد أن سكنت الثائرة بيوم أو يومين كنت أطوف بالبيت، فإذا بقرمطي سكران وقد دخل المسجد بفرسه فصفر له حتى بال في الطواف وجرد سيفه ليضرب به من يلحق من الناس فلحق رجلا فضربه فقتله»، ونلحظ هنا أن قتلهم كان لمجرد القتل وسفك الدماء والنهب وليس لغرض آخر، وكانت سرقة الحجر والاعتداء على الآمنين وصمة عار في جبهة هذه الفرقة إلى قيام الساعة.

المصدر : صحيفة مكة الأحد 29 محرم 1438 | بقلم : حسام عبدالعزيز مكاوي