عباس قطان.. أمين العاصمة المقدسة وقريب من كل محتاج
قدّم الشيخ الوجيه "عباس يوسف قطان" أروع الأمثلة في العمل الخيري ودعم العلم والعلماء، واشتهر -رحمه الله- بكرمه واستضافته للزوار وضيوف الرحمن في موسم الحج، حيث كان ينصب لهم الموائد ويغدق عليهم الخير، ولثقة الملك عبدالعزيز بالشيخ "عباس قطان"، فقد أوكل إليه عدداً من المهام والمسؤوليات، ومن ضمنها تعيينه أمينا للعاصمة المقدسة، ومن ثم عين في مجلس الشورى، إضافةً إلى مهام أخرى كلفه الملك بها.
ومن أهم أعمال الشيخ "عباس قطان" -رحمه الله- إنشاء مبنى مكتبة مكة المكرمة في موقع مولد النبي -صلى الله عليه وسلم -: في "شعب علي"، حيث اتفق مع أصهاره "آل كردي" أن يشتري مكتبة المرحوم الشيخ "ماجد كردي -أحد مديري المعارف العام ومن أعيان رجالات مكة والحجاز-، وسلمت المكتبة إلى وزارة الحج والأوقاف، وهي من أثمن وأعرق المكتبات، واشتهرت بالمكتبة "الماجدية"، وتضم أقدم كتب التراث النادرة المخطوطة والمطبوعة، وأقدم الدوريات والوثائق وغيرها، ونقل -رحمه الله- ما بها من محتويات إلى الموضع.
وكان الشيخ "عباس يوسف قطان" موضع ثقة الملك عبدالعزيز -رحمهما الله- فكان يكلفه بمهام في عهد رئاسته لأمانة العاصمة، فحينما انتهت إمارة الأمير عبدالعزيز بن إبراهيم على المدينة المنورة، كلف جلالته الشيخ "عباس قطان" بالسفر إلى المدينة المنورة وتصريف شؤونها إلى حين تولي الأمير السديري أمارة المدينة المنورة، كما كان يعتمد عليه بالعمل في بعض الأمور التي تطرأ والتي يرغب جلالته اتخاذ إجراء معين فيها.
وعُرف عن الشيخ عباس -رحمه الله- تفرغه للأعمال الخيرية والاجتماعية، فقد كان صاحب أياد بيضاء لما قدمه من أعمال خيرية للعلم والتعليم والحضارة والثقافة ومنها: إنشاء أول مبنى لمدرسة تحفيظ القرآن، حيث قام بتشييد المدرسة في دار السيدة خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-، وباشر في عمارة المبنى سنة 1368ه، وأكمل المبنى أبناؤه عقب وفاته، وتم تسليم المبنى المدرسي إلى "وزارة المعارف"، وهي أوائل مدرس تحفيظ القرآن في مكة والمملكة ، وكانت نواة لمدارس تحفيظ القرآن، ونالت تقدير المجتمع والأمة الإسلامية، حيث شيدت في موقع منزل الوحي والرسالة.
كسب ثقة الملك عبدالعزيز مبكراً واختاره عضواً في مجلس الشورى وكلّفه بتصريف شؤون المدينة المنورة
الكتاتيب والعلم
الشيخ "عباس يوسف قطان" -رحمه الله- من أعيان ووجهاء الأسر المكية، وممن حضي بثقة أبناء مكة المكرمة، كما حضي بثقة الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-، وهو من الأوائل الذين تولوا أمانة العاصمة المقدسة في عهد التأسيس، وكان له دور بارز في البناء والتشييد، وقد ولد في مكة المكرمة سنة 1313ه، وتلقى تعليمه الأولي في الكُتَّاب ثم التحق بالمدرسة "الصولتية" وتلقى تعليمه فيها، وعني به والده عناية تعليمية خاصة، فكان يحضر له بعض المشايخ في الدار لتلقي تجويد القرآن الكريم، وتعلم الفقه واللغة، كما كان يرسله لحضور حلقات الدرس في المسجد الحرام بين صلاتي المغرب والعشاء، فكان يحضر الدروس التي يعقدها علماء مكة المكرمة في ذلك الزمان أصحاب الفضيلة، الشيخ "عباس مالكي"، والشيخ "سعيد يماني"، و"السيد المرزوقي"، والشيخ "عمر باجنيد"، والشيخ "عمر حمدان".
وتزود الشيخ "عباس" بوافر العلم ونهل من معية العلماء، ويصفه الشيخ "محمد علي مغربي" في كتابه (أعلام الحجاز في القرن الرابع عشر للهجرة) بأنّه متوسط القامة، ممتلئ الجسم، قمحي اللون، واسع العينين، يضع على عينيه نظارة وله لحية خفيفة، وكان يرتدي العباءة والعقال "المقصب" في العهد الهاشمي، ثم أصبح يرتدي العباءة والعقال العادي في العهد السعودي، مشيراً إلى والده الشيخ "يوسف قطان"، قائلاً: "من أكبر أعيان مكة المكرمة وأثريائها وكان وزيراً للنافعة، وهذه وزارة الأشغال العامة في عهد الشريف حسين بن علي، وقد كان الشيخ يوسف قطان على صلة بأمراء مكة، وكان له عند الملك عبدالعزيز -رحمه الله- محبة ومودة"، مبيّناً أنّه كان رافضاً أن يلتحق ابنه بأي وظيفة، حيث كان يريده أن يهتم بتجارته، ولكن الأقدار كانت غير ذلك، حيث عين الشيخ "عباس يوسف قطان" عضواً في المجلس البلدي في مكة المكرمة، وفي عام 1347ه عينه الملك عبدالعزيز -رحمه الله- أميناً للعاصمة حتى عام 1364ه، ومن ثم طلب من الملك عبدالعزيز إعفاءه؛ لأنّه كان ينوي أن يتفرغ لأعمال الخير ومساعدة المحتاجين.
أنشأ مكتبة مكة المكرمة في مكان «مولد النبي».. وبنى أول مدرسة لتحفظ القرآن الكريم بالمملكة
أمين العاصمة المقدسة
كان الشيخ "عباس يوسف قطان" موضع ثقة الملك عبدالعزيز فكان يكلفه بمهام في عهد رئاسته لأمانة العاصمة، فحينما انتهت إمارة الأمير عبدالعزيز بن إبراهيم على المدينة المنورة، كلف جلالته الشيخ "عباس قطان" بالسفر إلى المدينة المنورة وتصريف شؤونها إلى حين تولي الأمير "السديري" إمارة المدينة المنورة، كما كان يعتمد عليه بالعمل في بعض الأمور التي تطرأ والتي يرغب جلالته اتخاذ إجراء معين فيها، كما شغل الشيخ "عباس يوسف قطان" عضواً في المجلس البلدي بمكة المكرمة في مطلع العهد السعودي، وفي سنة 1347ه عينه الملك عبدالعزيز أميناً للعاصمة المقدسة، وظل بها إلى نهاية سنة 1364ه، حيث عين عضواً في مجلس الشورى، إلا أنّه طلب من الملك عبدالعزيز إعفاءه للتفرغ لأعماله الخيرية والتجارية، وتهيأ له ما أراد فأتيح له أن يقدم أعمالاً خيرية تتعلق بالتعليم، والتاريخ، والثقافة، والإصلاح الاجتماعي، وكان يتلقى في كل ذلك الترحيب والتأييد والدعم من الملك عبدالعزيز وحكومته.
استضافة الحجيج
كانت دار الشيخ "عباس قطان" في مكة المكرمة والطائف أيام الصيف مفتوحة للناس تغص بروادها من أهل العلم والفضل، ومن الضيوف، وكانت تنصب لهم الموائد صباحاً ومساءً، ويستضيف الحجيج في موسم الحج من كل عام وكبار الشخصيات، وحينما قدم "د.محمد حسين هيكل باشا" الكاتب المصري المعروف ورئيس مجلس الشيوخ المصري إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، نزل بدار الشيخ "عباس يوسف قطان" بمكة المكرمة بالشامية، وفي هذه الرحلة رغب "هيكل" بالتعرف على آثار مكة ومعالمها، فطلب من الشيخ "عباس" أن يختار له مرافقاً ملماً بهذه الآثار، فاختار له المرحوم الشيخ "عبدالحميد حديدي" العضو بأمانة العاصمة ومن أبرز رجالات مكة العارفين بتاريخها وآثارها.
مكتبة مكة المكرمة
كان من أهم أعمال الشيخ "عباس قطان" -رحمه الله- إنشاء مبنى مكتبة مكة المكرمة في موقع مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- في "شعب علي"، حيث اتفق مع أصهاره "آل كردي" أن يشتري مكتبة المرحوم الشيخ "ماجد كردي" -أحد مديري المعارف العام ومن أعيان رجالات مكة والحجاز-، وسلمت المكتبة إلى وزارة الحج والأوقاف، وهي من أثمن وأعرق المكتبات، واشتهرت بالمكتبة "الماجدية"، وتضم أقدم كتب التراث النادرة المخطوطة والمطبوعة، وأقدم الدوريات والوثائق وغيرها، ونقل -رحمه الله- ما بها من محتويات إلى الموضع.
وكانت العقبات التي واجهها الشيخ عباس القطان لتحقيق هذه الأمنية كثيرة، ولكنه استمر في محاولاته تلك دون كلل أو ملل، فاستطاع بعد سنوات طويلة من أن يحظى بموافقة جلالة الملك عبدالعزيز للسماح له بإقامة المبنى الذي يريد، وما إن حصل على الإذن من جلالته بإقامة المبنى حتى سارع باتخاذ الإجراءات اللازمة للإنشاء عام 1370ه، وكان يشرف على البناء بنفسه في كل يوم، راغباً في سرعة إنجازه وتحقيق الأمنية التي كان ينشدها برؤية المكتبة العامة مشيدة في موضع مولد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي يوم من أيام شهر رجب 1370ه، ذهب كعادته لرؤية العمارة مصطحباً بعض أصدقائه، ولكنه شعر بألم مفاجئ وهو واقف في الموقع، إذ فاجأته نوبة قلبية حادة فأمسك به الحاضرون من أبنائه وأصدقائه واستدعى له أحد الأطباء، ثم نقل إلى بيته وفي اليوم التالي فارق الحياة، فكانت هذه العمارة التي تمنى أن ينشئها هي الخاتمة السعيدة لحياته، ولقد أكمل أبناؤه من بعده العمل الطيب الذي بدأه، وسلمت إلى وزارة الحج والأوقاف -وفقاً لما ذكره صاحب أعلام الحجاز في القرن الرابع عشر للهجرة-، كما يضاف إلى أعماله الجليلة أيضاً إنفاقه على نسخ وطباعة المخطوطات التراثية النادرة، وقد طبع كتاب "القرى لقاصد أم القرى" لمحب الدين الطبري، وهو كتاب قيم جليل في مجاله وموضوعه.
أول مبنى لتحفيظ القرآن
وعرف عن الشيخ "عباس" -رحمه الله- تفرغه للأعمال الخيرية والاجتماعية، فقد كان صاحب أيادٍ بيضاء لما قدمه من أعمال خيرية للعلم والتعليم والحضارة والثقافة، ومنها: إنشاء أول مبنى لمدرسة تحفيظ القرآن، حيث شيّد المدرسة في دار السيدة خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-، وقد باشر في عمارة المبنى سنة 1368ه، وأكمل المبنى أبناؤه عقب وفاته، وتم تسليم المبنى المدرسي إلى وزارة المعارف، وهي أوائل مدرس تحفيظ القرآن في مكة والمملكة، وكانت نواة لمدارس تحفيظ القرآن، ونالت تقدير المجتمع والأمة الإسلامية، حيث شيدت في موقع منزل الوحي والرسالة.
جهود الإصلاح
ولم تقف أعمال الشيخ "عباس" على بناء المدارس والمكتبات بل أنه كان مشهوراً بإصلاح ذات البين، وتذكر حفيدته "فريال" -ابنة ابنه محمود- أن جدها -رحمه الله- كان يتحرى الإصلاح بين العائلات التي يطول بينها الجفاء، أو الأفراد الذين تشتد بينهم البغضاء فتقطع أواصر المحبة، كما كان قضاة مكة يحيلون إليه من القضايا التي تعرض عليهم ما يرون انه من المصلحة تدخله فيها حفظاً لصلة الرحم وحسن الجوار.
وكان الشيخ "عباس يوسف قطان" -رحمه الله- يبذل جهده ووقته للإصلاح مستعيناً بمن يتوسم فيهم الخير من الرجال لتحقيق هذه الغاية باذلاً في ذلك جاهه وماله، وربما اقتضى الأمر مراجعة المسؤولين في الدوائر الحكومية لتذليل العقبات التي تعترض سبيله، حتى إذا أثمر سعيه جمع المتخاصمين في داره المضيافة على مائدة العشاء مع من اشترك معه في الإصلاح، ليذهبوا في اليوم التالي إلى المحكمة فيطلبوا من القضاة إلغاء القضايا التي كانوا يقيمونها معلنين تصالحهم وتراضيهم، ولا شك أن هذا العمل من أجل الأعمال التي لا يقوم بها إلا الرجال الكبار الذين اتسعت صدورهم لمشاكل الناس.
وفاته
توفي الشيخ "عباس بن يوسف القطان" -رحمه الله- في بلدته التي أحبها وأحبته، حيث مهوى أفئدة المسلمين في مكة المكرمة، بعد حياة حافلة بالأعمال الجليلة لخدمة بيت الله العتيق، حرص -رحمه الله- من خلالها على تذليل الصعاب لجميع زوار الحرم المكي وحتى الحرم النبوي، حين تكليفه بتسيير الأعمال في المدينة المنورة، ولذا فما أن يذكر الرواد من رجالات مكة المكرمة في عصرنا الحديث، إلاّ ويبرز اسم "عباس قطان" كواحد من كوكبة علماء ووجهاء "أم القرى" التي ودعته في صبيحة يوم الاثنين السادس عشر من شهر رجب عام 1370ه -رحمه الله- رحمة واسعة.
المصدر : جريدة الرياض | الجمعة 13 صفر 1436 هـ - 5 ديسمبر 2014م - العدد 16965
0 تعليقات