إسماعيل الذبيح .. وكهرباء الحرم

تزخر السعودية بأعداد لا تحصى من الشخصيات التي خدمت الوطن في نواحٍ عدة، وأسهمت في البناء والتنمية والتطوير، ومن بين هذه الشخصيات المهندس إسماعيل الذبيح، الذي كان له دور بارز في الكهرباء في منطقة الحجاز وإنارة الحرم المكي الشريف.

ولد إسماعيل الذبيح عام 1304هـ في مدينة بدايون في الهند، وانتقل إلى مدينة رامبور وأخذ فيها عديدا من العلوم العربية وكذلك الرياضيات واللغة الفارسية واللغة الإنجليزية، كذلك حتى حصل على شهادة مولوي، ومولوي عالم، ثم درس أربع سنوات أخرى في فن الكهرباء في ورشة خطوط السكة الحديدية في مدينة بريلي ونال خلالها الشهادة العالية في الكهرباء، فأصبح بذلك مهندسا كهربائيا.

ثم قدم إلى مكة المكرمة عام 1326هـ وجلب معه ماكينة الطحن وهي أول ماكينة أسست في الحجاز ومارس أيضا بعض الأعمال التجارية حتى ذاع صيته وانتشر ذكره، فعينته الحكومة العثمانية في الحجاز مساعد مهندس لإدارة الكنداسة في جدة حتى مغادرة المهندس الإنجليزي المعني بإدارة الكنداسة، ثم كلفته الدولة العثمانية بإدارة معامل الثلج والمكائن الكهربائية ما يقارب سنتين.

وبعد أن استتب الأمر للشريف الحسين بن علي عينه مدرسا للعلوم الرياضية في المدرسة الراقية وبقي كذلك إلى سنة 1335 هـ، ففيها عين مديرا للمكائن التابعة للحكومة في المدينة المنورة وبالأخص المكائن الخاصة بكهرباء المسجد النبوي وقد أسهم بشكل كبير في إنارة المطاف عام 1338هـ وهي أول إنارة للمطاف بالكهرباء، ثم جلبت ماكينة أخرى عام 1340هـ، وقد كان إسماعيل الذبيح هو المتولي لإدارتها وهندستها، وقد منحه الشريف الحسين بن علي نظير جهوده السابقة وسام الاستقلال من الدرجة الخامسة في السادس من شعبان 1339هـ.

ثم لما دخل الحجاز تحت الحكم السعودي سنة 1343هـ بقي إسماعيل الذبيح يعمل في إدارة كهرباء الحرم ما يقارب عشرين سنة وقد بعثته الحكومة السعودية خلال تلك الفترة إلى الهند وإلى مصر لإحضار المكائن الخاصة بكهرباء المسجد الحرام لإضاءة المسجد الحرام بصورة واسعة وبطريقة فنية تتحقق معها الإنارة الكاملة للمطاف والأروقة وغير ذلك من الأماكن في المسجد الحرام.

فقد وصلت ماكينة قوية للمسجد الحرام عام 1349هـ وكذلك أهدى نواب مزمل الله خان ماكينة أخرى عظيمة وذلك في عام 1353هـ وقد سافر الذبيح للهند لأجل إحضارها والإشراف على تركيبها فعاد بها إلى مكة المكرمة في شهر ذي القعدة من عام 1353هـ وكذلك أهديت ماكينة أخرى وأسلاك ولمبات وثريات وقد تم تركيبها بإشرافه بعد أن أجرى تحسينات هندسية وفنية في وضعية المكان وبنى أحواضا للتبريد والغسيل، كما قام بمد خطوط أسلاك جديدة إلى المسجد الحرام بأكمله بقصد إنارته بالكامل غير أن الإمكانات لم تكن تساعد على الإضاءة التامة وقد بقي متفانيا ومخلصا في عمله حتى رغب في الراحة فأجابت الحكومة طلبه وأحيل للتقاعد.

هذا وقد تميز إسماعيل الذبيح أيضا بالأعمال الصناعية مثل الكيمياء وصقل المعادن وهندسة الراديو والبطاريات وصناعة النسيج والتطريز وتحضير المستحضرات والعقاقير الهندية، كما أنه كان أديبا ملما بالأدب الأردي وكذلك الشعر الأردي في بعض المناسبات ويحفظ عديدا من القصائد والشعر الفارسي واشتهر أيضا بإجادة العلوم الرياضية حتى غدا أعجوبة في حل المسائل الرياضية المعقدة وقد درس الرياضيات على يديه عديد من الحجازين أمثال خليل عبد الجبار وهاشم سباك ومحمد نور كتبي وبكر قاضي وعمر صيرفي وغيرهم.

وقد توفي إسماعيل الذبيح في 11 ربيع الأول 1380هـ ودفن بالمعلاة بعد مرض طويل ألزمه الفراش ما يقارب ثلاث سنوات.

ويؤخذ على معاصريه من المؤرخين عدم الاهتمام بسيرته وخلو مصنفاتهم منه وعدم الإشارة لأعماله سوى ومضات بسيطة باستثناء ما كتبه زكريا بيلا في كتابه الجواهر الحسان وما كتبه محمد عبدالوهاب في مجلة قريش بعد وفاته.

المصدر : الاقتصادية 1438/3/17هـ | بقلم عبدالله الرقيب .