عمر المضواحي.. فاروق الصحافة ونشأة المبادرة المكية معاد
لاحظ أهالي مكة المكرمة خلال 40 عاما مضت الفقدان المتتالي للآثار النبوية ولعناصر الهوية المكية العمرانية والتاريخية بالتزامن مع بدء مشروعات الطفرات الاقتصادية، وقد كان المبرر هو مصلحة تطوير مكة المكرمة وتوفير البنية التحتية من طرق وخدمات.. لكن المختصين والعمرانيين كان لهم رأي آخر، حيث كانت قناعتهم بإمكانية تطوير المدن دون المساس بمفردات هويتها التاريخية والعمرانية، ومن هنا جاءت الحاجة لقرع جرس الخطر الذي جاء متأخرا، لكن كما يقول المثل «أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي أبدا».
وقبل أربعة أعوام، في يوم جميل ماطر معطر بشذى زهور «أشجار النيم» المكية، يوم الخميس السابع من شهر صفر عام 1434هـ شاركت ومعي ابني م. مجاهد رحلة على الآثار النبوية الشريفة في مكة المكرمة حضرها عشرات المهتمين من أهالي مكة المكرمة ومن محبيها في «أحدية نصيف»، كانت الرحلة بقيادة خبير الآثار المكية الدكتور سمير برقة. الذي أثار شجون المشاركين عن ما تبقى من الآثار النبوية والتاريخية بمكة المكرمة.. تفاعلت بعد عودتي من الرحلة كما فعل أغلب المشاركين، وقمت بنشر عدد من التغريدات على تويتر مدعمة بالصور التي التقطتها بجوالي، وتأسفت فيها على حال مواقعنا التاريخية وآثار مكة المكرمة النبوية، وقد كان لإعادة التغريدات مئات المرات من أهالي مكة ومحبيها أثر كبير على مواقع اتخاذ القرار المكي، فقد شارك في هاشتاق #الاثآر_النبوية كبار رجالات مكة المكرمة والمهتمون منهم أصحاب الحسابات في تويتر مثل الدكتور سمير برقة. والدكتور فايز جمال، والإعلامي المعروف «فاروق الصحافة» الأستاذ عمر المضواحي، والمهندس أنس صيرفي رجل الأعمال المعروف، وكذلك صاحب موقع قبلة الدنيا الأستاذ حسن مكاوي، والبروفيسور معراج مرزا وغيرهم كثير.
وأترك المجال هنا لقلم المرحوم بإذن الله تعالى الإعلامي عمر المضواحي الذي وثق هذه المرحلة من نشأة «مبادرة معاد» في مدونته «روبابيكيا صحفي» حيث قال رحمه الله: (... تبادل د. عبد العزيز الخضيري بصفته مهتما بالتنمية المستدامة ـ لا وكيل إمارة مكة ـ وعن سابق معرفة، بضع تغريدات مع المهندس جمال شقدار عبر لسان الطائر الأزرق. ولفته أن المهندس شقدار كان من بين المغردين في معظم الهاشتاقات المكية، وراق له أسلوب تغريداته التي كانت ولا تزال تتسم بالمعلوماتية والحكمة والوطنية. تمكن د. الخضيري وصديقه م. شقدار (بتوفيق الله) من تطوير النقاش ونقله إلى مسار إيجابي. قال له: أتابع الأصوات المستغيثة وأجد فيها ما يستحق الوقوف عليها. أريد أن أسمع منكم مباشرة، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا!!).
وكما توقع السيد عمر المضواحي كانت أقدار الله تدفع نحو الخير لمكة المكرمة على أيدي أهلها ومحبيها.. فبعد اجتماع مصغر تم في بيت خبير الآثار المكية الدكتور سمير برقة. بمشاركة مني ومن الشاب ذي الهوى المكي ابني المهندس مجاهد، تم الاتفاق على توجيه الدعوة لاجتماع أكثر من ثلاثين من رجالات مكة المهتمين حتى يتم الترتيب للقاء المرتقب مع «معالي» وكيل الإمارة الدكتور عبدالعزيز الخضيري، وتناقشنا مطولا في قائمة الأسماء المطلوب مشاركتها، فكانت أسماء المشاركين في حملة تويتر #الاثآر_النبوية هي المتصدرة، ومن بعدهم كل من رأيناه صاحب اهتمام أو يفيد في تخصصه ومجاله، لكن النقاش توقف مطولا عند الأخوين الحبيبين الإعلامي عمر المضواحي والمهندس أنس صيرفي فقد كان الخلاف بينهما تصاعدت لهجته كثيرا على صفحات تويتر حتى خشينا أن تؤثر هذه الخلافات على اللقاء المرتقب، وفي النهاية استعنا بالله واتفقنا على دعوتهما من ضمن القائمة ولعل بركة #الاثآر_النبوية تجمعهما وتنهي ما كان بينهما من خلاف.. وفعلا هذا ما حصل بفضل من الله ورحمة، ومن الكلمات التي لا تنسى ما قاله المهندس أنس صيرفي في ذكرى وفاة عمر المضواحي: «رحمه الله خسارته لا تعوض، وذكراه لا تنسى».. ويضيف المهندس أنس «وبقدر ما بدأت علاقتنا أنا وعمر بمصافحتي بيد وبمشعاب مسقسق باليد الأخرى، إلا أنها انتهت بتوحد الفكر والتوجه بل والروح بيننا!!».
نعود لذكرياتي عن الاجتماع المصغر في بيت السيد الدكتور سمير برقة. بمنطقة «البيبان» في مكة، حيث اتفقنا نحن الثلاثة المجتمعين في تلك الليلة المباركة على أن يتولى الدكتور سمير توجيه الدعوات بسبب علاقاته الواسعة والطيبة مع الجميع.
وبعد ثلاثة أسابيع، وباستضافة كريمة من الدكتور فايز جمال في بيت والده الشيخ صالح جمال رحمه الله في حي «الزاهر» بمكة المكرمة انعقد اللقاء التشاوري لرجالات مكة لترشيح الوفد المكي للقاء معالي وكيل الإمارة الدكتور عبدالعزيز الخضيري.. جرى نقاش طويل تلك الليلة المباركة 27 صفر 1434 هـ، فقد كان بعض رجالات أم القرى يتخوف من لقاء الإمارة والآخر لا ينتظر منه شيء، لكن علاقتي السابقة بمعالي الدكتور عبدالعزيز الخضيري جعلتني أنقل ارتياحي وتفاؤلي لهذه المجموعة الطيبة من أهالي مكة ومحبيها، ومع ذلك فإن أعداد الموافقين على المشاركة في لقاء الإمارة كان يتناقص تدريجيا في نفس الليلة حتى ذكرني الحال بقصة «بقرة الشريف» المشهورة!!، وفي نهاية الأمر وافق على تبني المبادرة 12 مكيا من ثلاثة أجيال ومن مشارب مختلفة وتخصصات متباينة!!
فاقت نتائج لقائنا الأول مع معالي وكيل الإمارة الدكتور عبدالعزيز الخضيري التوقعات تماما، ويبدو أن سخونة الحوار الناتجة عن عرض ثلاثي قدمه الدكتور سمير برقة.عن الآثار النبوية المزالة أو المعرضة للإزالة بفعل الإهمال.. سخونة الحوار حفزت «مولانا» عمر المضواحي على القيام من كرسيه - كما تعودنا عليه لاحقا - وبشجاعته المعهودة كان يلوح بيديه واقفا مقابل معالي الوكيل ويطالب بموقف قوي للإمارة تجاه من يسعى لإزالة الآثار النبوية.. حاولت حينها بصفتي منسق الاجتماع الإشارة إليه بالهدوء رحمه الله تعالى، لكن معالي الدكتور عبدالعزيز الخضيري كان راغبا في الاستماع له ولكل مشارك في الاجتماع مهما كان موقفه!!
كان تفاعل معاليه كبيرا مع العرض المقدم من الدكتور سمير برقة. ومع مداخلات الدكتور فايز جمال والأستاذ غسان نويلاتي الناشر التاريخي المعروف والمهندس أنس صيرفي وبقية المشاركين، فقد أبدى بعدها استعدادا كبيرا للدعم المعنوي والمادي لأغلب أفكار المجموعة، بل اقترح معاليه توسيع مجال المبادرة المقترحة ليشمل تعزيز الهوية المكية وعدم الاقتصار على العناية بالآثار النبوية الشريفة والمواقع التاريخية.
وكما ذكر «مولانا عمر المضواحي» في مدونته: «تكررت بعد ذلك اتصالات لمبادرة «معاد» ولقاءات مختصرة بوكيل إمارة مكة المكرمة، قبل أن تشمل لاحقا عددا من كبار المسؤولين في الأجهزة الحكومية..»، كان من بينهم مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة خالد الفيصل، والأمير سلطان بن سلمان رئيس هيئة السياحة والتراث الوطني الذي كرم المبادرة بدرع على مجهوداتها، وكذلك معالي أمين العاصمة المقدسة د. أسامة البار وأصحاب السعادة أمين عام هيئة تطوير مكة المكرمة والمشاعر، والمسؤول في مجموعة بن لادن السعودية م. نواف بكر بن لادن وفريقه الفني، وكبير مهندسي وزارة المالية م. محمد سمكري، وعدد من الباحثين والمتخصصين في معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة، وكذلك رئيس الغرفة التجارية بمكة المكرمة الأستاذ ماهر جمال الذي أبدى اهتماما عاليا بالجوانب الاقتصادية لمشروعات مبادرة «معاد» ودورها المنتظر نحو تعزيز اقتصاديات الأسر المكية العريقة وشباب وشابات البلد الحرام.
وكان من فضل الله على مبادرة «معاد» التي اقتبست اسمها من أحد الأسماء التي أطلقها القرآن الكريم على مكة المكرمة (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) حيث تمكنت بفضل الله تعالى المبادرة من إيقاف إزالة البئر النبوية «طوى» وبئر «الحديبية» وقصور بن سليمان في منطقة «جرول»، وقصر «كوير» بمنطقة «البيبان»، كما قدمت المبادرة بدعم فني ومالي من المهندس المفضال أنس صيرفي «منصات مشاريع» تطويرية لعدد من المواقع التاريخية والمسارات النبوية لاقت قبولا من جميع الجهات المعنية.. كما قدمت فيلما تعريفيا بأهداف المبادرة ومشاريعها المقترحة..
والحقيقة أن الذي كان يقف خلف مبادرة «معاد» هو «شغف» أعضائها على اختلاف توجهاتهم وتخصصاتهم، فقد كان من بينهم خبير الآثار النبوية، و(4) مهندسين، و(2) ناشرين، وإعلامي صحفي محترف رحمه الله تعالى، وإعلامي متخصص في الشأن المكي مؤسس موقع قبلة الدنيا، ومسؤول سابق في البيئة، واقتصادي مصرفي، وبعد انسحاب أحد أعضائها لعدم تفرغه، أصبح عدد الأعضاء المؤسسين للمبادرة أحد عشر عضوا هم:
الدكتور فايز جمال. الدكتور سمير برقة. المهندس أنس صيرفي. الأستاذ حسن عبدالشكور. الأستاذ عمر المضواحي. الأستاذ غسان نويلاتي. الأستاذ محسن الشيباني. الأستاذ حسن مكاوي. المهندس إبراهيم كلنتن. المهندس جمال شقدار. المهندس مجاهد شقدار.
وكان لاختيار أعضاء المبادرة الدكتور فايز صالح جمال رئيسا في مرحلة التأسيس دور مهم في إدارة دفتها بكل اقتدار هو ونائبيه الدكتور سمير برقة. والمهندس أنس صيرفي، كما أن للأعضاء المخضرمين من أهل الخبرة والتخصصات المتعددة الأستاذ حسن عبدالشكور والأستاذ غسان نويلاتي وإعلامي مبادرة معاد الأستاذ عمر المضواحي وكاتب المقال دور كبير في إثراء أفكار المشاريع، وكذلك في التوثيق الفني والتاريخي والتنظيمي لأعمال المبادرة ولوائحها، كما أن للأعضاء الشباب الأربعة ا. محسن الشيباني والأستاذ حسن مكاوي والمهندس إبراهيم كلنتن والمهندس مجاهد شقدار دفعة قوية بروحهم الشبابية العصرية..
لكن الفئة الأهم في نجاح «معاد» بعد الله عز وجل، كانوا هم «أهالي ومحبي مكة المكرمة» الداعمين لأهداف ومشروعات المبادرة بالدعاء والتذكير لأعضاء المبادرة بدورهم المهم الذي ينتظره تاريخ مكة المكرمة وتراثها، فالحمد لله على كل شيء من قبل ومن بعد.
وفي ذكرى وفاة الإعلامي الكبير «مولانا» عمر المضواحي فقيد مبادرة «معاد» نسأل الله عز وجل له الرحمة والمغفرة بما قدمه قلمه الشريف لمكة المكرمة والمدينة، وأن يمد الله بعونه وتوفيقه أعضاء المبادرة حتى يكملوا المسيرة لخدمة تعزيز الهوية المكية والمحافظة على تراث مكة المكرمة ومواقعها التاريخية.
المصدر : صحيفة مكة 1438/3/21هـ | بقلم : جمال يوسف شقدار .
0 تعليقات