الذكرى المئوية لولادة الشيخ صالح محمد جمال رحمه الله
هو صالح بن محمد بن صالح بن عبد القادر بن صالح بن عبد الرحمن بن عثمان بن عارف بن محمد جمال، مارس جده عارف بن محمد جمال المتوفى عام 1163هـ التدريس في الحديث والتفسير والفقه بالمسجد الحرام وخلفه عبد الرحمن بن عثمان بن عارف جمال الذي تولى القضاء بجدة ثم توفي بالطائف سنة 1290هـ.
ينتسب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك في كتاب أعلام مكة المكرمة للشيخ عبد الستار الدهلوي وهو مخطوط موجود بمكتبة الحرم المكي تحت عنوان (الأزهار الطيبة النشر عن الأعيان في كل عصر) ولكن أكرم المسلمين عند الله أتقاهم كما تعلم ذلك من القرآن ودين الإسلام.
مولده : ولد عام 1338هـ الموافق 1920م.
دراسته : درس رحمه الله في الكتاتيب لتعلم القراءة والكتابة ثم درس في مدرسة الفائزين ثم المدرسة التحضيرية التي أنشأتها الحكومة يومئذ.
وانتقل بعد دراسة ثلاث سنوات في المدرسة التحضيرية إلى المدرسة الابتدائية، وكان مديرها الشيخ محمود مرزا رحمه الله، وأمضى بها السنة الأولى والسنة الثانية فقط وكانت سنواتها الدراسية أربع.
وكانت الدولة أنشأت المعهد العلمي السعودي بمكة المكرمة كمرحلة ثانوية بعد المدرسة الابتدائية - إذ كان نظام التعليم يوم ذاك ثلاث سنوات تحضيري وأربعة ابتدائي وثلاث سنوات ثانوي - ونقل إليه خيرة وأكفأ أساتذة المدرسة الابتدائية ومنهم الأساتذة محمد حلمي وشيخ بابصيل ومحمود القاري وكانوا من أساتذته الذين توسموا فيه القدرة على السير في السنة الأولى من المعهد العلمي فعرضوا عليه الانتقال إليه من السنة الثانية الابتدائية، فانتقل إلى المعهد وأمضى به السنة الأولى والثانية ونجح للسنة الثالثة ولكن الأقدار لم تشأ أن يُكمل دراسته بالمعهد حيث اضطرته ظروف الحياة أن يعمل كموظف للإنفاق على العائلة.
صفاته : يصفه الأستاذ عاتق البلادي رحمه الله في كتابه (نشر الرياحين في تأريخ البلد الأمين - الجزء الأول) بقوله: صالح جمال الوجه الصبوح صاحب الابتسامة المشرقة والقلب الأبيض، شيخ أهل مكة في زمنه بلا منازع، صاحب العضويات الفعلية والشرفية الكثيرة، الدائم الحركة الدائب أبداً، سيطول الزمن قبل أن يرى المكيون مثله.
ويقول عنه الشيخ محمد علي مغربي رحمه الله في كتابه أعلام الحجاز في القرن الرابع عشر والخامس عشر الهجري - الجزء الرابع:
متوسط القامة ممتلئ الجسم في غير إسراف، أبيض البشرة واسع العينين، أقنى الأنف يُطالعك بوجه دائم الابتسام، تُزينه لحية لطيفة مخضبة، بعد أن سرى إليها الشيب.
ويقول عنه الدكتور زهير محمد جميل كتبي في كتابه رجال من مكة المكرمة - الجزء الثاني: أبيض اللون، وسيم، جميل المطلع، طويل القامة، يرتدي نظارة طبية أنيق الشكل، صوته به بحة، يلبس العباءة العربية والعقال، له لحية صغيرة خفيفة، انتشر بها الشيب وهو وقار.
أعماله و انجازاته :
أولاً: بدأ عمله كاتباً ببيت المال في المحكمة الشرعية عام 1354هـ، ثم بالمحكمة الكبرى بمكة المكرمة وارتقى في وظائفها من معاون كاتب ضبط ثم إلي كاتب ضبط ثم إلي مساعد رئيس كتاب ثم رئيساً لكتاب المحكمة المستعجلة الثانية.
ثانياً: في عام 1365هـ انتقل من وظيفته بالمحكمة المستعجلة الثانية براتب قدره 70 ريالاً إلي وظيفة مدير مستودعات الأمن العام بمكة المكرمة براتب قدره 140ريالاً. وفي عام 1368هـ انتقل للعمل بجريدة البلاد السعودية كأمين للصندوق ثم مديراً للإدارة ثم مشرفاً على الإدارة والتحرير حتي نهاية عام 1375هـ، ثم ترك الوظائف الحكومية وانتقل للعمل الحر.
ثالثاً: أسس مكتبة الثقافة عام 1364هـ بمكة المكرمة مع كل من الأساتذة الأفاضل عبد الرزاق بليلة، أحمد ملائكة، محمد حسين أصفهاني وعبد الحليم الصحاف.
رابعاً: أصدر جريدة حراء وتولى رئاسة تحريرها أسبوعية في 6/5/1376هـ ثم يومية من يوم 12/11/1377هـ ثم دُمجت مع الندوة بناءً على أمر صدر من وزارة الإعلام في رجب 1378هـ.
خامساً: أسس دار الثقافة بمفرده عام 1377هـ لطباعة جريدة حراء.
سادساً: صاحب فكرة تأسيس أول جمعية بر بالمملكة عام 1373هـ تحت مسمى صندوق البر.
سابعاً: تدرج في مناصب الغرفة التجارية الصناعية بمكة المكرمة والمجلس البلدي بمكة المكرمة ومؤسسة حجاج الدول العربية. كما ترأس تحرير مجلة التجارة والصناعة التي كانت تصدرها الغرفة التجارية الصناعية بمكة المكرمة.
ثامناً: شغل بعض العضويات وهي:
* عضو جمعية الإسعاف الخيرية.
* عضواً مؤسساً بالهيئة التأسيسية لجامعة الملك عبد العزيز بجدة.
* عضو الهيئة العليا للطوائف بوزارة الحج والأوقاف.
* عضو المجلس الأعلى لجامعة أم القرى.
* عضو بمجلس إدارة مصلحة المياه والصرف الصحي بالمنطقة الغربية.
* عضو مؤسس بشركة مكة للإنشاء والتعمير.
تاسعاً: كاتب له عدة نشاطات كتابية في عدد من الصحف المحلية والعربية، وله عدة مؤلفات منها:
* من أجل بلدي صدرت منه طبعتين.
* دليل الحاج المصور وصدرت منه 11 طبعة.
* أخبار مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم (تحقيق).
* المرأة بين نظرتين.
* قل للمؤمنات.
موافقاته :
* أصدرت وزارة الصحة نظاماً يقضي بأن لا تُمنح رخصة الدفن للميت - أي ميت - إلا بعد الكشف عليه من طبيب، فكتب مقالاً موضحاً فيه عدم ضرورة هذا الإجراء مع كل الموتى فرجعت الوزارة عن هذا الإجراء لصعوبة تنفيذه.
* كتب مقالاً بعنوان: كربتان أجور العقار وأسعار الكهرباء قال فيه: كربة أجور العقار التي ضاقت واستحكمت حلقاتها إلي درجة لم يعد في طاقة الطبقات الكادحة من أبناء الشعب على احتمالها وأصبح من الواجب تدخل الدولة لوضع الحق في نصابه. صدر على أثر ذلك المقال أمر سمو رئيس مجلس الوزراء بتشكيل لجنة مشتركة من مجلس الشورى والمجلس البلدي لاتخاذ قرار بحل المشكلة، فاتخذت اللجنة قراراً بتثبيت أجرة العقار لعام 1383هـ دون زيادة.
* في مقالة له بعنوان انتصار للحق، طالب بتخفيض تكاليف إيصال الكهرباء وأسعارها، فصدر الأمر بتخفيض قيمة التيار الكهربائي إلى النصف ابتداءً من رجب 1383هـ.
* طالب في مقالة له بعنوان: وادي فاطمة مطالباً بسفلتة الطريق بين وادي فاطمة وكل من مكة وجدة لما في ذلك من منافع جمة ستنشأ من ربط هذا الوادي بمكة وجدة بمواصلات مريحة، وتمت فعلاً سفلتة هذا الطريق عام 1383هـ.
* كتب في مقالة له بعنوان: الضمان الاجتماعي وصناديق البر، مطالباً بمشروع عام للضمان الاجتماعي تحتضنه الدولة، فأصدرت الحكومة نظام الضمان الاجتماعي عام 1381هـ وجرى تنفيذه فعلاً وصرف عليه من مورد الدولة من الزكاة.
* كتب في مقالة له بعنوان: ما هي الحقيقة في مصح السداد؟ عن الشكاوى المتعددة من سوء الخدمات في ذلك المستشفى، وطالب بتشكيل لجنة عاجلة لزيارة ذلك المستشفى وإجراء تحقيق دقيق عن تلك الشكاوى، فشكلت وزارة الصحة فعلاً لجنة وحققت في الشكاوى وعُين مدير جديد وتحسنت الأحوال.
* كتب 6 مقالات بعنوان: كم في السجن من مظاليم؟ وعلى إثر تلك المقالات شُكلت لجنة بعضو من إمارة مكة وعضو من هيئة الأمر بالمعروف وعضو من الأمن العام بحثت أحوال المساجين وقررت إطلاق كثير منهم.
* كتب في مقالة له بعنوان : صور... ومتاعب.... ومقترحات مهداة لسمو وزير الداخلية، عن المعاناة التي يلقاها المواطن في إدارة الجوازات، فقام مدير عام الجوازات والجنسية بتنظيمات جديدة خففت كثيراً من عناء الموظفين والمراجعين.
* طالب في مقالة له بعنوان: ارفعوا ستائر الحجرة النبوية، وجهها لسيادة مدير أوقاف المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام بإزالة الستائر الممزقة عن الحجرة النبوية، وفعلاً رُفعت تلك الستائر بعد المقالة.
* وفي مقالة له بعنوان: هل هي صدقة؟ تتعلق بصرف معونة المطوفين، حيث كانت تُصرف لفئة دون فئة، فطالب بصرفها للجميع، وصدر بالفعل أمر سمو رئيس مجلس الوزراء بتعميم صرف الإعانة لجميع المطوفين بدون استثناء.
* كتب مقالا بصحيفة البلاد 1371 هـ بعنوان "يا أصحاب الثروات أحسنوا كما أحسن الله إليكم" على اثر هذا المقال أنشأ صندوق البر بمكة وهو أول صندوق بر بالمملكة ثم تحول إلى جمعية البر بمكة المكرمة القائمة إلى يومنا هذا.
من وصاياه :
1) في وصيته العامة : بتاريخ 12/9/1379هـ يقول : أوصي أولادي بالحرص على استمرار مكتبة الثقافة في أداء رسالتها الثقافية التي أسستها من أجلها. كما أوصي أولادي بالعمل على استمرار جريدة الندوة وأن يظل هدفها الأول خدمة الوطن والعمل على ما فيه خيره.
2) في وصيته لابنته الكبرى عفاف قبل زفافها بأيام : بتاريخ 12/7/1387هـ يقول: ثقافتك ومعلوماتك لا تتركيها تصدأ فكوني دائماً على صلة بالحياة عن طريق القراءة ولا أعني الاشتغال بالقراءة عن واجباتك بل أوقات الفراغ فقط وتنظيم أوقاتك وواجباتك تُهيئ لك الفرصة للجمع بين هذا وذاك دون إخلال فاحرصي على التنظيم.
3) في وصيته لابنه الأكبر طارق بعد حصوله على الثانوية : بتاريخ 25/7/1388هـ يقول: إذا أحسنت الصلة بربك أحبك الله وإذا أحبك الله كنت ممن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ... وإذا أحسنت الصلة بالناس أحبك الناس وحب الناس فرع من حب الله وللإحساس بحب الناس لذة لا تعدلها لذة.
وفاته : في يوم السبت الخامس والعشرين من ذي القعدة 1411هـ بدى يوما حافلا بالنشاط حيث قام بالتنقل بين مؤسساته دار الثقافة للطباعة ومكتبة الثقافة ثم مكتب سمو امير منطقة مكة سعيا في قضاء حاجة شخص ما ثم الاجتماع بوزير الحج بجدة وفي طريق عودته لمكة توفي الشيخ صالح جمال اثر حادث مروري في طريق مكة، لقد شاء الله أن يقود سيارته، وكان قد تخلى عن قيادة السيارة منذ أعوام وأعوام.
ووقع القضاء الذي لا مفر منه، وفاضت روحه الطاهرة إلى بارئها وهو في الثالثة والسبعين من العمر يرحمه الله رحمة الأبرار.
رأيت الناس تزدحم ازدحاما كموج البحر يلتطم التطاما
جموع زاحفات تلو أخرى تسابق بعضها بعضاً ضماما
حشود تملأ الآفاق زحفاً كأن الموت ألهبها احتداما
اللواء المتقاعد علي زين العابدين
المصدر : موقع الشيخ صالح جمال | الموضوع من اعداد : حسن عبدالعزيز مكاوي | نشر على الموقع في 1438/4/30هـ
0 تعليقات