فَصْلٌ ما جاء في السنبوسك

يقول أحد الفضلاء :
قبل ما يزيد على عشرين عاما كان عندي بعض طلبة العلم من غير أهل الحجاز ، وهم في مكتبتي ، وفي أثناء حديث ظريف ، ذكرت *(السمبوسك)* ، فقال أحدهم مازحا : أليس صوابها *سمبوسه* ، بالهاء ؟ فقلت له : الصواب بالكاف . فظن أنني أمزح ، فلا صواب في السمبوسك إلا أكلها !

فقمت وأخرجت له كتاب (قصد السبيل فيما في العربية من الدخيل) لابن فضل الله المحبي (توفي1111هـ) ، وهو لو تم لكان أجمع كتاب في الدخيل . وكان قريب الطباعة حينئذ ، وكنت قد اقتنيته وطالعته .

فإذا به يذكر (السنبوسك) بالكاف ، ويصفه بوصفه اليوم : أنه عجين ، يرقق ، ويحشى باللحم ، ويطوى عليه العجين ، ثم يُقلى . فضحكوا عجبا من تراث لم يفته ضبط اسم (السمبوسك) .

والحقيقة أن هذه الكلمة قد دخلت القاموس العربي منذ القدم ، بل دخلت البطن العربي قبل أن تدخل قاموسه : ففي الكامل للمبرد : «وذكروا أن أبا القمقام بن بحر السقاء عشق جارية مدينية، فبعث إليها: إن إخواناً لي زاروني، فابعثي إلي برؤوسٍ حتى نتغدى ونصطبح اليوم على ذكرك، ففعلت، فلما كان في اليوم الثاني بعثَ إليها: إن القوم مقيمون لم نفترق، فابعثي إلي بقلية جزورية وبقرية قدية حتى نتغداها ونصطبح على ذكرك، فلما كان في اليوم الثالث بعث إليها: إنا لم نفترق، فابعثي إلي بسنبوسك حتى نصطبح اليوم على ذكرك، فقالت لرسوله: إني رأيت الحب يحل في القلب، ويفيض إلى الكبد والأحشاء، وإن حبَّ صاحبنا هذا ليس يجاوز المعدة» .

وفي القصة فوائد .. منها : أن أهل الحجاز يعرفون السنبوسك منذ القرن الهجري الثاني ، فإن أبا القماقم (أو القمقام) من أهل هذا القرن .

وجاء في أخبار المعتصم العباسي : «وكان في بكرة كل يوم إذا وقف يتعمّم يلقمه خادم السنبوسك ، فعدوا عليه إلى أن فرغ من التعميم مائة وخمسين سنبوسكة» ، بالهناء والعافية، ما دام سيفتح عمورية !!

وذكر السمبوسك الشاعر العباسي كشاجم (ت360هـ) ، حيث قال في قصيدة له يصف فيها سلة (جونة) حشيت بالأطعمة ، يقول في مطلعها ، كما في ديوانه :
متى تنشط للأكل ... فقد أُصلحت الجونة
إلى أن قال :
وسنبوسجةٍ مقلوْ ... وَةٍ ، في إثر طرذينة

ودخلت السنبوسك في كتب المحتسبين أيضًا ، وراكم .. وراكم .. حتى في السنبوسك !!

فقد جاء في كتاب (نهاية الرتبة الظريفة في طلب الحسبة الشريفة) للشيزري (ت590هـ) ، حيث قال فيه : «ومنهم من يحشو السنبوسك بلحوم السمك المشوية، والتوابل، ومنهم من يغشها بالباقلاء المنبت المقشور، وبياض البصل» .

ودخلت كتب الفقه : لو حلف رجل لا يأكل الخبز ، هل يحنث بأكل السمبوسك ؟ فيها تفصيل ذكره الشرواني والعبادي في حاشيتيهما على (تحفة المحتاج) ، وحاشية الرشيدي على (نهاية المحتاج) ! وأحلف غير حانث : أن الناس سيأكلون السمبوسك ، غير آبهين لهذا التفصيل !!

ودخلت في كتب الطب : فذكرها داود الأنطاكي في تذكرته ، ووصفها بوصفها المعهود اليوم .

وقد دخلت في كتب التصحيح اللغوي !
فقد ذكر ابن هشام اللخمي (ت577هـ) في كتابه الجليل (المدخل إلى تقويم اللسان) : «السنبوسق : وفيه لغتان : سنبوسج ، وسنبوسق ، بفتح السين فيهما . فأما قول العامة في زماننا : سنبوسك : بالكاف ، فلحن» .

وسبقه إلى ذلك ابن مكي الصقلي (ت501هـ) في (تثقيف اللسان) ، وتبعهما الصفدي (ت764هـ) في (تصحيح التصحيف) ، لكنه قال : «يقولون: سنبوسك . والصواب: سنبوسج وسنبوسق أيضا. قلت: وهذه الجيم والقاف يتعاقبان على هذا الباب فتقول: لوزينج ولوزينق، وفالوذق وفالوذج ، وجوزينج وجوزينق».

هذا كله في لفظ تعريبها ، أما في لفظها الفارسي : فقد نقلوا فيها (سنبوسه) و(سنبوسق) و(سنبوسك) و(سمبوسك) ، وأن أصلها : سه (وهي الرقم ثلاثة) + بوسه (وهي القشر ، من ترقيق العجين) ، لجمعها بين ترقيق العجين وكونها مثلثة الأضلاع . كما تجده في (فرهنك فرزان : معجم فارسي عربي) للدكتور سيد حميد ، وفي (فرهنك: فارسي عربي) لمحمد حسن بوذرجمهر ، والمعجم الذهبي (فارسي عربي) للدكتور محمد التونجي ، و(معجم المعربات الفارسية) له أيضا .

 

منقول من صفحة ا.محمد على يماني بالفيس بوك | تم النشر في 1438/9/1هـ