الباب الغربي للكعبة المشرفة

عندما بنى إبراهيم عليه السلام الكعبة المشرّفة جعل لها بابين باباً شرقياً وباباً غربياً كما جاء في صحيح البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : قال النبي ﷺ : " لولا أنَّ قومَكِ حديثُ عهدٍ بجاهليةٍ ، لأَمَرْتُ بالبيتِ فهُدِمَ ، فأدخلتُ فيهِ ما أُخْرِجَ منهُ، وألزقتُهُ بالأرضِ ، وجعلتُ لهُ بابيْنِ بابًا شرقيًّاوبابًا غربيًّا ، فبلغتُ بهِ أساسَ إبراهيمَ  "

ولما بنت قريشاً الكعبة قصرت عليهم النفقة فاستقصروا الكعبة عن بناء إبراهيم عليه السلام فتركوا من الحِجر ست أذرع وشبراً وجعلوا لها باباً واحداً شرقياً مرتفعاً عن الأرض ، كما جاء في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : سألتُ رسولَ اللهِ ﷺ ، عن الجدر ؟ أمنَ البيتِ هو ؟ قال " نعم " قلتُ : فلم لم يُدخلوهُ في البيتِ ؟ قال " إنَّ قومكَ قصرت بهم النفقةُ " قلتُ : فما شأنُ بابِه مرتفعًا ؟ قال " فعل ذلك قومك ليُدخلوا من شاؤوا ويَمنعوا من شاؤوا . ولولا أنَّ قومك حديثُ عهدهم في الجاهليةِ ، فأخافُ أن تُنْكِرَ قلوبهم ، لنظرتُ أن أُدْخِلَ الجَدْرَ في البيتِ . وأن ألزِقَ بابَه بالأرضِ .

وهذا الحديث الذي سمعه عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما ورواه عن خالته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها هو ما دعى إبن الزبير رضي الله عنهما أن يبني الكعبة على أساس إبراهيم عليه السلام وذلك بعد اثنتين وثمانين سنة من بناء قريش للكعبة المشرفة بسبب  ما لحق بها من أضرار واحتراقها في سنة ٦٤هـ بسب الأحداث التي شهدتها مكة وحصارها من قبل الجيش  الأموي بقيادة الحصين بن نمير ورميها بالمجنيق من جبل أبي قبيس ، فأعاد بنائها عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما وأدخل ما أُخرج منها من الحِجر وجعل لها باباً آخراً في ظهرها في الجهة الغربية وجعل بابيها لاصقين بالأرض وزاد في طولها تسعة أذرع ، ولما قُتل ابن الزبير رضي الله عنهما كتب الحجّاج بن يوسف الثقفي إلى عبدالملك بن مروان : أن ابن الزبير قد زاد في بيت الله ما ليس منه وأحدث فيه باباً آخر ، فكتب يستأذنه في رد البيت إلى ما كان عليه في الجاهلية ؛ فكتب إليه عبدالملك بن مروان : أن سدَّ بابها الغربي الذي فتحه ابن الزبير واهدم ما زاد فيها من الحِجر .

فهدم الحجّاج منها ست أذرع وشبراً مما يلي الحِجر وبناها على أساس قريش الذي كانت استقصرت عليه ، وسدَّ الباب الذي في ظهرها وترك سائرها لم يحرك منها شيئاً ، وبقيت الكعبة على هذا البناء وبقي أثر الباب الغربي حتى أعيد بنائها في زمن الدولة العثمانية في عهد السلطان مراد الرابع سنة ١٠٤٠هـ وذلك بعد أن تسبب السيل الذي وقع بمكة في شعبان سنة ١٠٣٩هـ بسقوط الجدار الشامي من الكعبة وبعض الجدارين الشرقي والغربي ، فأعيد بنائها على ما كانت عليه في آخر بناء لها في عهد الخليفة عبدالملك بن مروان ويذكر المؤرخ والعلّامة ابن علّان الصديقي المكي الذي عاصر عمارة الكعبة المعظمة في عهد السلطان مراد الرابع ووصف ذلك وصفاً دقيقاً في مؤلفاته والتي منها إنباء المؤيد الجليل مراد ببناء بيت الوهاب الجواد والذي قام بتحقيقه د. خالد عزام الخالدي وكذلك مخطوط الإنباء العميم ببناء البيت الحرام الفخيم والذي حققه أبي هاشم إبراهيم بن منصور الهاشمي الأمير ويذكر ابن علّان أنه في هذه العمارة الشاملة للكعبة المشرفة تم رسم باب الكعبة الغربي المحاذي للباب الشرقي .

ويذكر محمد طاهر الكردي في التاريخ القويم أن هذا الرسم جاء للإشارة إلى موضع الباب الغربي الذي فتحه ابن الزبير رضي عنهما ولكن هناك اختلاف في قياس هذا الباب عن بناء عبدالله بن الزبير حيث أن ابن الزبير قد ألصق البابين الشرقي والغربي بالأرض ، فجاء الحجّاج الثقفي بعده ورفع الباب الشرقي بمترين عن الأرض وسد الباب الغربي سداً تاماً ، وفي أيام السلطان مراد تم بناء ما يشبه الباب الذي عمله ابن الزبير ثم سدوه بالحجارة كما سده الحجّاج لكنهم أخطأوا في رفع الباب عن الأرض بمقدار متر وربع المتر تقريباً لأنه كان ملصقاً بالأرض كما يذكر الكردي أنه في عهد الملك سعود يرحمه الله عند تجديد سقفي الكعبة شاهد الرُدف الذي فوق الباب الغربي أي العود الغليظ الذي على الباب ويذكر أن هذا العود من بناء عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما عند بناءه للكعبة سنة ٦٤هـ وأعيد في مكانه في عهد السلطان مراد الرابع سنة ١٠٤٠هـ .

وفي آخر ترميم شامل للكعبة المشرفة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز يرحمه الله سنة ١٤١٧هـ  يذكر الشريف محمد بن مساعد الحسني في كتابه الموسوم بدرر الجامع الثمين لأعمال الملوك من آل سعود الميامين في مسجد البلد الأمين  يذكر أنه قد تم زرع قضبان تسليح ١٥ملم معالجة بمادة الزنكا بالمونة التي بين فواصل الواجهة الخارجية للجدران مع تثبيتها بمادة الأيبوكسي PE- Nitmortar وتم زرع أشاير عرضية من الصلب المجلفن والمحمي بالزنكا بقطر ١٢ملم عند كل بلوك بين كل شريحة والشريحتين المجاورتين لضمان تماسكها .

وهذا ما جعل الفواصل بين المداميك في جدار الكعبة ترى بوضوح وكذلك رسم الباب الغربي أصبح أكثر وضوحاً كما في الصورة .

بقلم | منصور الدعجاني ( باحث في التاريخ المكي ) | تم النشر في 1438/11/17هـ .