الاستباقات الاجتماعية في تمكين المرأة المكيّة


كان لوعي المجتمع المكي وثقافته متنوّعة المشارب الأثر الكبير في تمكين المرأة المكيّة اجتماعيًا , خير دلالة على ذلك تلك الاستباقات الاجتماعية التي حظيت بها المرأة في المجتمع المكّي في كافة المجالات الحياتية ..

إذ نشرت صحيفة مكة بتاريخ ( الأربعاء 26 محرم 1436 - 19 نوفمبر 2014 ) تحت عنوان :
( المرأة المكية وثقافة المساواة )
صكًا تاريخيًا يدوّن حقها الشرعي في الوقف .


جاء نصه كالتالي في الصحيفة :
( المرأة المكية تعمل وتشارك الرجال في التجارة وفي استثمار العقارات، وتحبيس الخلوات فيما يخص حقها في الحكر وغيره، فقد وردت كثير من الصكوك دالة على ذلك، إما أصالة أو إشارة إليها في الكشوف عند ذكر حدود العين الموقوفة.

وفي تلك الفترة من الحقوق الضائعة كانت النساء في كثير من المناطق والبلدان محرومة من الكلمة والرأي والعمل والتعليم، بل وتحديد المصير المتعلق بها، ولا زلنا نرى المرأة المكية تقوم بالطوافة وتؤدي دورها في هذه الأيام امتدادا لتلك الثقافة التي ما فتئت مكة تصدرها للعالم منذ دور السيدة هاجر إلى دور السيدة خديجة إلى يومنا هذا.

أما ما هو مدون في الدفاتر السلطانية، فهو إشارة إلى أن المرأة المكية في تلك الفترة كانت تعيش حياة نابعة من عدالة الإسلام وهديه، وفي مجتمع متعدد منفتح لا يعرف الجاهلية ولا العنصرية ضد عرق أو بلد أو جنس.

من ذلك ما ورد في الصك المقيد بنمرة 51 صحيفة 28 من الدفتر الأول عند ذكر حدود وقف سراج طيب البزاز بن المرحوم عمر محمد طيب، وهي عبارة عن الخلوة الموقوفة وبيان حدودها ما نصه :

« المحدودة شرقا بوقف الواقف المذكور وغربا بالمسجد الحرام المذكور وبه الباب وواجهتها، وشاما بمؤخر الدكان الذي هو من وقف الواقف المذكور الجاري في استحقاق زينل على رضا وأحمد بن محمد المنصوري البان الكتبي
وشريكهم فيه ، ويمنا بالخلوة من وقف الواقف المذكور الجارية في استحقاق المصونة فاطمة بنت السيد عبدالله المحجوب الميرغني وشركائها فيها ».


وفي الصك المقيد بنمرة 62 صحيفة 32 عند ذكر حدود الدكان الموقوف جزء منه الخاص بالمصونة رقية بنت المرحوم الشيخ محمد صالح بن فيض الله بن حسن الكردي ما نصه :

«... وشمالا دكان المصونة رقية المذكورة وشركائها فيه قديما، وحديثا
 في استحقاق المصونة خديجة بنت محمد سعيد الموصلي وشركائها فيه...».

هذه الكشوف وغيرها كثير، تشير إلى ثقافة المساواة التي يتمتع بها المجتمع المكي في جانب حقوق المرأة ومكانتها، إلى جانب العدل في التوريث الذي أشرنا إليه في حلقة سابقة، وهي من الدلائل على وعي المجتمع المكي
 وسبقه في هذا المجال .

.
.

كما نشرت الصحيفة بتاريخ ( الاثنين 2 صفر 1436 - 24 نوفمبر 2014 ) تحت عنوان :
( النظارة الوقفية للمرأة المكية )  النص التالي الذي يبرهن محتواه على المكانة التي كانت تحظى بها المرأة المكيّة :

http://makkahnewspaper.com/uploads/imported_images/2015/11/14/x227326.JPG.pagespeed.ic.ALotwqGG3K.jpg

مما يشار إليه في قراءة الكشوفات الوقفية، أن المرأة المكية كانت تقوم على نظارة الوقف متى أرادت ذلك الاستباقات ، مع الإشراف الكامل وحرية التصرف في ذلك، وإذا لم يتسن للمرأة أن تكون ناظرة للوقف العام، فإنها تمكنت من النظارة الخاصة لوقفها الخاص أو لمن تتولى أمرهم.

والمرأة في الوقف المكي لها تاريخ بارز وأصيل في تاريخ هذه البقعة المباركة ، بل لا نبالغ إن قلنا إن أول من صنع للناس معروفا في مكة كانت امرأة !
وقد رأينا فيما يرويه التاريخ أن هاجر عليها السلام عندما وجدت ماء زمزم، جاءتها قبيلة جرهم فقالوا لها : الماء لك ونبقى معك في هذا الوادي نشاركك فيه ونؤنسك ، فرضيت عليها السلام.


ومن عجائب القدر أن تأتي زبيدة زوجة الرشيد رحمهما الله لتوقف عين زبيدة إعانة لأهل مكة ووقفا عليهم.
ولقد كانت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها أول من أوقف في الإسلام، حيث جعلت كل مالها في خدمة الرسول صلى الله عليه وسلم والإسلام.
فليس غريبا على المرأة المكية أن توقف وقفا أو تحكر وقفا أو تكون ناظرة على وقف، فهي بيئة يتوارث فيها الناس الطبائع والأخلاق.

ومن الدفاتر السلطانية نجد المرأة المكية تشارك في النظارة الوقفية الخاصة بها دون حاجة إلى الرجال ليقوموا بالنظارة والإشراف عنها على الوقف، فإذا كانت النظارة نوعا من الولاية التي تشترط العقل والأمانة والقدرة وما إلى ذلك، فإن المرأة حقيقة بإدارة ما هي ولية عليه.

ومن أشهر ناظرات الأوقاف الخاصة كما هو مدون في الدفاتر الشريفة شمسية بنت الشريف عبدالمطلب بن غالب رحمها الله، وكانت ناظرة على أوقاف الشريف غالب رحمه الله.
كما ورد في الدفاتر السلطانية في إثبات حدود وقف المرحوم عمر بن المرحوم السيد عبدو الحريري المطوف في كشف رقم 14 صحيفة 9
بما نصه :
( صور ما دل عليه الكشف من دفتر مسقفات وقف المرحوم السلطان محمد قايتباي طيب الله ثراه... عما هو خاص باسم المكرم السيد عمر بن المرحوم السيد عبدو الحريري المطوف).

إلى قوله : ( ويمنا بالدكان من وقف المرحوم سيدنا العباس رضي الله عنه الجاري ذلك تحت نظارة المصونتين فاطمة وخديجة
 بنتي المرحوم السيد المنوفي...)
وحرر ذلك الصك 21/11/1343هـ .

ونجد المرأة تتصرف في وقفها أو ما استحكرته من الوقف وقامت عليه، فهي تفرغه لمن شاءت، وتشتري متى شاءت، وهذا تكريس للثقافة المكية في تكريم المرأة .
ورد في الكشوف من وقف السلطان سليمان خان رحمه الله بنمرة 63 صحيفة 35 ما نصه:
(عما هو خاص باسم المصونة أم هاني بنت الشيخ محمد علي الريس، ابن محمد عمر الريس، وذلك قيراط واحد شائع في أصل أربعة وعشرين قيراطا هي كامل الدار الكائنة بمكة الشرقية بحارة الشامية بالقرب من باب الزيادة...)

إلى قوله: (أذنت لأم هاني المذكورة أعلاه أن تفرغ استحقاقها من حق السكنى والانتفاع بالقيراط المذكور بباطن هذا الكشف على من شاءت ممن لا مانع من إجراء الفراغ حسب أصوله وقواعده المتبعة ..).

قال: (ثم قيد القيراط الواحد المذكور أعلاه بالفراغ عن أم هاني المذكورة باسم المصونة مريم بنت الشيخ عبدالقادر خوقير بموجب كشف وحجة مؤرخة في 29/ رجب من عام 1359هـ ...).