"سدنة الكعبة".. وظيفة نادرة تتوارثها قبيلة بوصية رسول الله


"خذوها يا بني أبي طلحة بأمانة الله لا ينزعها منكم إلا ظالم"، تلك المقولة التي أوصى بها النبي "صلى الله عليه وسلم"، حين قبض مفاتيح الكعبة، ودخلها يوم الفتح، ثم خرج وهو يتلو: "إن الله يأمركم أن تودُّوا الأمَانَاتِ إلى أهلها"، ودعا عثمان ابن طلحة، وهو أحد أحفاد قصي بن كلاب من أبناء إسماعيل عليه السلام، ودفع إليه مفتاح الكعبة.

فكانت "السدانة"، تلك الوظيفة التي منّى الله بها على سلالة ابن طلحة المعروفين بـ"آل شيبة" منذ 1400 عام، حتى اليوم، فجميع آل الشيبي الموجودين في هذا العصر هم من أبناء الشيخ محمد بن زين العابدين رحمه الله تعالى، وينقسمون إلى أبناء الشيخ عبدالقادر بن علي وهم عائلة "عبدالله، وحسن آل الشيبي، وأبناء عبدالرحمن بن عبدالله الشيبي"، ويدبر "السادن" أمور الكعبة، من نظافة الكسوة، وإصلاحها إذا تعرضت لضرر، ويعمل على غسلها، ومن ذلك الإشراف على فتح بابها وإغلاقها.

ولكن بمرور الوقت أصبحت مهمة "السادن" تنحصر في الإشراف على تركيب الكسوة، بعد إسنادها إلى شركة خاصة تصنعها، ولا يسمح له بتصوير الكعبة من الداخل، وذلك يعود للعرف السائد بحفظ خصوصيتها وسريتها من الداخل، احتراما لقدسيتها.

ومن المعروف أنّ الكعبة المشرفة غير مضاءة من الداخل، ولم توصل إليها الكهرباء، حيث تتواجد فيها فوانيس معلقة، ويتم فتح بابها من قبل السادن في مناسبتين، عند غسلها بماء زمزم في شهر شعبان، وعند تعطيرها بعطر العود.

وفي الوقت الحالي، بعهد الملك سلمان بن عبدالعزيز، العاهل السعودي، تُركب كسوة الكعبة المشرفة في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة من كل عام، وذلك في حفل خطابي يتم من خلاله التوقيع على الاستلام والتسليم، بحضور الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، بالإضافة إلى كبير سدنة الكعبة المشرفة وهو الشيخ عبدالعزيز الشيبي.

وقال الدكتور محمد عبدالله باجودة، المدير العام لمصنع كسوة الكعبة، أن تكلفة صناعتها تقدر بأكثر من 22 مليون ريال سنويًا، حسب صحيفة "الوئام" السعودية.

وبُنيت الكعبة الشريفة، على يد سيدنا إبراهيم "عليه السلام"، وكانت سادنتها بيد ولده إسماعيل، ثم بعد ذلك أخذتها قبيلة "جرهم"، ثم "خزاعة"، وتمكن قصي بن كلاب من استردادها، وهو الجد الرابع للنبي "صلاة الله عليه"، حتى وصلت إلى عثمان بن طلحة.

وفي نهاية 2014 توفي السادن عبدالقادر الشيبي، بعد خمسة أعوام على توليه السدانة، ليتسلمها صالح زين العابدين الشيبي، باعتباره أكبر السدنة سنا، وينوب عنه حسين طه الشيبي، شقيق السادن المتوفي، باعتباره الأكبر سناً بعد السادن الجديد، وتنتقل السدانة في العائلة بالتوارث، ولا يشترط أن يكون السادن هو ابن السادن السابق، فمن الممكن أن يذهب المفتاح إلى ابن العم وهكذا، معتمدين على السن، وتذهب السدانة لذكور عائلة الشيبي فقط، ويتم تثقيف الفتيات حول الإرث التاريخي للعائلة.

جدير بالذكر أن قفل الكعبة ومفتاحها الجديد صنعا من مادة النيكل المطلي بالذهب، "عيار 18"، وكتب على الوجه الأول "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وعلى الوجه الثاني "إهداء من خادم الحرمين الشريفين"، وعلى الوجه الثالث "الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود"، وعلى الوجه الرابع "سنة ألف وأربع مئة وأربع وثلاثين"، وعلى الوجه الخامس الآية القرآنية "جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس" وعلى الوجه السادس آية "إن أول بيتٍ وُضع للناس للذي ببكَّة مباركًا وهُدًى للعالمين".


بقلم : مها طايع