عبدالحميد بن أحمد الخطيب
اسمه ونشأتِه :
هو السيد عبد الحميد بن أحمد بن عبد اللطيف بن عبد الله الخطيب , ولد بمكة المكرمة في 24 صفر 1316 هـ.
وتلقى علومه الأولية على يد كثير من كبار العلماء المسجد الحرام آنذاك ومنهم الشيخ سعيد يماني والشيخ عمر بن أبوبكر باجنيد ووالده هو السيد أحمد الخطيب إمام وخطيب المسجد الحرام مفتي المذهب الشافعي.
بعد أن أنهى تعليمه في رحاب البيت العتيق تمت إجازته وعيّن مدرسًا بالمسجد الحرام .
سيرته وأعماله :
أحد رجالات القرن الهجري المنصرم ، جمع بين العلم والسياسة، كان شاعراً ودبلوماسياً ومستشاراً، نال ثقة الملك بانضمامه لمجلس الشورى , كما كان ممثلاً للمملكة في عدد من الدول، عايش الصراعات السياسية التي شهدها القرن المنصرم، وشهد دخول الملك عبدالعزيز للحجاز وفي كتاباته ومؤلفاته يظهر إعجابه الشديد بالملك عبدالعزيز لاسيما بعد عودته من الخارج حتى أنه أفرد له كتابه الشهير (الإمام العادل)من جزأين .
لقاؤه بالملك عبدالعزيز رحمه الله وعمله السياسي :
تعود قصة انضمامه لكوكبة الرجال والنخب الذين إختارهم الملك عبدالعزيز لتمثيل المملكة في السلك الدبلوماسي، وتعيينه قبل ذلك في مجلس الشورى، إلى الأحداث التي سبقت دخول الملك عبدالعزيز الحجاز، حيث كان عبدالحميد الخطيب – رحمه الله – وكيلا لحزب الأحرار في القاهرة، وهو الحزب الذي تشكّل في عهد الشريف علي بن الحسين، وبعد صدور عفو شامل من الملك عبدالعزيز عن معارضيه بادر الخطيب مسرعا للعودة لبلاده، فغادر مصر عام 1355 هـ، بباخرة "الطائف" عن طريق السويس ووصل جدة، ومن ثم إلى مكة المكرمة حيث كان يرغب في الالتقاء بالملك عبدالعزيز بـ"عشيرة"، إذ كان الملك حينها يستعد للعودة إلى نجد، ولكن الوقت أدركه مما دعاه للسفر إلى الطائف لمقابلة الأمير فيصل بن عبدالعزيز، واستئذانه بالذهاب لمقابلة الملك عبدالعزيز بالرياض، فسافر إلى الرياض في السابع من ربيع الثاني عام 1355 هـ، بصحبة الشيخ محمد صالح نصيف، والشيخ محمد صالح قزاز، والتقى المؤرخ والمؤلف عبدالحميد الخطيب بالملك عبدالعزيز في الرياض في الثامن والعشرين من ربيع الثاني عام 1355هـ، وذكر هذا اللقاء في كتابه عن الملك عبدالعزيز "الإمام العادل" ووصفه بأنه كان لقاءً اتسم بالوضوح والصراحة قدم فيه الخطيب أفكاراً بناءة لصالح الوطن والمواطن وأعجب الملك بفكره وأطروحاته وقرّبه منه.
عينه الملك عبدالعزيز في عدة مناصب، من ضمنها عضويته بمجلس الشورى من عام ( 1355- 1366هـ )، ويقول د.عبدالرحمن الزهراني في كتابه "من رجال الشورى" أنه مثّل الملك عبدالعزيز في إندونيسيا، وعين وزيراً مفوضاً لدى دولة الباكستان عام 1367هـ، ثم سفيراً بها عام 1373، وإستمر إلى عام 1374 هـ وعندما استقلت إندونيسيا انتدبه الملك عبدالعزيز على رأس وفد لتمثيل المملكة في حفل تسليم السلطة من هولندا، بعد ذلك تردّت حالته الصحية إثر إصابته بمرض القلب، ونصحه الأطباء بالراحة، فطلب من الملك عبدالعزيز-رحمه الله- إحالته للتقاعد، وتم له ذلك، ثم انتقل إلى دمشق وبقي في ريفها متفرغاً لواجباته الدينية وأعماله الكتابية إلى حين وفاته .
عبدالحميد الخطيب المؤرخ .. وتوثيق مرحلة البناء :
للمؤرخ عبدالحميد الخطيب العديد من المؤلفات والمخطوطات القيمة؛ ومن ضمنها كتابه (الإمام العادل)، وقد نشر في جزأين وتناول فيه سيرة الملك عبدالعزيز، وقدم الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن مانع للكتاب فقال:
(قرأت جميع هذا الكتاب قراءة تأمُّل واستفادة وتحقيق فوجدته كتاباً ممتعاً وافياً كافياً في موضوعه سلك فيه مؤلفه.. مسلك التحقيق والإخلاص وبيان الحقائق التاريخية التي لم يسبق تدوينها، وإنه لمن أصدق المصادر) وذكر الخطيب في الجزء الأول من الكتاب تاريخ الدولة السعودية الأولى والثانية، وحركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية التي تتوافق مع رؤية المؤسس الملك عبدالعزيز، ودافع عن دعوة الشيخ وعن توجه الملك عبدالعزيز نحو الإصلاح، كما تضمن الكتاب مسيرة المؤسس والترجمة له، واحتوى الجزء الأول أيضا على علاقة الملك عبدالعزيز بالشريف حسين، واستعرض بعض المشاكل في الداخل والخارج التي تصدى لها الملك عبدالعزيز، وكذلك علاقاته مع بعض الدول مثل مصر واليمن ودولة الباكستان ودوره في تأسيس الجامعة العربية، وعلاقة الملك بالقضية الفلسطينية وتطرق المؤلف في الجزء الثاني من الكتاب إلى الحديث عن أسرة الملك عبدالعزيز، وأبنائه، ورجال الدولة كما تضمن أيضا الحديث عن بناء مؤسسات الدولة والمشاريع الإصلاحية آنذاك، كما استعرض في كتابه مجموعة من أحاديث وخطب ونصائح الملك عبدالعزيز التي كان يلقيها في المناسبات العامة، لا سيما في الحج ولا شك أن الكتاب وثق الوقائع التاريخية وملامح البناء والتأسيس.
أدبه و مؤلفاته :
كان الخطيب شاعرا متمكنا، تميز بالمطولات الشعرية التي جادت بها قريحته ونظمها بدواوين متعاقبة، وأشاد بجزالة شعره العديد من الشعراء والعلماء والمفكرين المعروفين في الأوساط الأدبية والفكرية، لاسيما وقد دأب في معظم قصائده وإنتاجه الأدبي إلى نشر تعاليم الإسلام والتعريف برسالته وسماحته، وله قصائد فيها مناجاة لله سبحانه وتعالى، كما أن له مجموعة من القصائد الشعرية مثل ( قدمت فعم البشر أفراد أمة) و(سيد الورى) إضافة إلى إنتاجه المتميز ( سيرة سيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وسلم ) وهي (تائية في ألفي بيت) وجاءت عبارة عن منظومة شعرية أكثر من 2000 بيت شعري، في مدح وسيرة أفضل الخلق نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وأشاد محمد حسين هيكل بهذا الإنتاج العظيم، وذكر في مقدمة المنظومة أن عبدالحميد الخطيب بذل جهداً، حيث نظم سيرة خير الخلق شعرا على قافية واحدة، ليجعلها سهلة وميسرة إلى نفس قارئها، ويضيف أن الخطيب تحرى أن يجعل من لغته سهلة تيسيرا لكل الطبقات والقدرة على استيعاب السيرة على الوجه المطلوب والمرضي كما قال الأديب أحمد إبراهيم الغزاوي الملقب بـ (حسان الملك) حين حديثه عن السيد عبدالحميد الخطيب (إن السيد عبدالحميد الخطيب شخصية معروفة في الأوساط الأدبية لما له من إنتاج شعري وعلمي غزير حيث حرص على تقديم النصح لأمته والشفقة على أبناء وطنه والإهابة بهم لاتباع ما كان عليه السلف الصالح، والرجوع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وموضحا أن عبدالحميد الخطيب لم تبهره زخارف الدنيا وبهرجتها، وتبعده عن بيئته ومجتمعه) ويسهب الغزاوي في مقدمته عن الكتاب ويؤكد أن هذا العمل هو الأول من نوعه في عرضه وتبسيطه وأسلوبه الجذاب وسهولته المغرية وتبويبه الأخاذ حيث أضاف إلى المكتبة العربية كنزا ثمينا لما احتواه من سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام بقالب شعري منفرد.
تائية الخطيب
ومن "تائية الخطيب" التي نظمها في مدح المصطفى الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم وسميت "تائية" جرياً على العرف الأدبي عند العرب في تسمية القصائد بحروف قوافيها ونستعرض هنا بعض مما ورد فيها حيث يقول عن أسمائه عليه الصلاة والسلام:
إِن رُمْت تَعْلَم مَن عُنِيْت فَإِنَّه
هُو أَحْمَد الْمَكْتُوْب فِي الْتَّوْرَاة وَمُحَمَّد مِن نَص الْإِنْجِيْل
عنه بِأَنَّه سَيَجِئ بِالْخَيْرَات
وقال في مقام النبي صلى الله عليه وسلم وفضله:
من جاء للدنيا ليهدي الناس للمولى
وينقذهم من الظلمات المصطفى من نسل آدم كلهم
والمجتبى من صفوة الصفوات الله أكرمه وأعلى ذكره
وحباه من العلم والحكمات
وقال في حضانته ورعايته :
ولقد تلقى رأسه يوم الولادة
أم أيمن أفضل الدايات وهي التي حضنته أول أمره
وحنت عليه بوافر الشفقات من بعدها الأم الحنونة بنت وهب
من به نرجو الجنات وثويبة وحليمة وكذلك الشيماء
من آخته بالرضعات
وفي وصفه عليه الصلاة والسلام:
ولقد حـوى معنـى الجمـال بشكلـه
حـتـى غــدا هــو أوســم الطلـعـات إذ كــان مـربـوع الـقـوام ورأســه
ضـخـم وكــان مـرجـل الشـعـرات هـو أسـود شعـراً ومبسـوط الجـبــيـن
وواسع العينين في دعجات ذو حاجبيـن منونيـن عـلـى اتـصـال
سـابـغـيــن يشابها الــهـــالات من بينها عرق يلوح بحال غـضـبــتــه
فـتـعـرفـه مــــن الـسـيـمـات وإذا يسر بساعة عرفت أسارير
السرور عليه في الجبهات عيـنـاه واسعـتـان دعــج فــي بـيـاضهمـا
تـرى شيئـا مـن الحمـرات وعليهمـا الأهــداب حالـكـة الـسـواد
طـويـلــة تسـتـلـفـت الـنــظــرات والأنف منـه قـد استـوى فـي دقـة
أسـنـانـه بـيـضـاء مــــع فـلـجــات.
كما تضمنته تائيته طبائع وعادات النبي عليه الصلاة والسلام وكلامه وضحكه وبكاؤه، وجده ومزاحه، وطعامه وشرابه ولباسه وصفة ركوبه واولاده ونساؤه، وثقافة ومكانته العلمية وبعثته وفتوحاته وغزواته ومبادءه السياسية، وكل ما يتعلق برسالته وشخصيته عليه الصلاة والسلام، وأشاد الكثير من كبار العلماء بمؤلف السيد عبدالحميد الخطيب، ومنهم سماحة الشيخ عبد الله بن حسن آل شيخ رئيس القضاة بالمملكة، والعلامة الشيخ محمد عبد اللطيف آل الشيخ من كبار علماء نجد، وكذلك الشيخ عبد الظاهر أبو السمح مدير مدرسة دار الحديث بمكة وإمام المسجد الحرام، إضافة إلى الشيخ إبراهيم فطاني المدرس بالمسجد الحرام، ومدارس الحكومة .. وغيرهم العديد من أهل العلم، إضافة إلى مؤلفاته الأخرى منها تفسير الخطيب المكي يظهر فيه المعنى اللغوي، والشرح لكتاب الله عز وجل واستنباط احكامه وتوفي رحمه الله قبل أن يكمل تفسيره للقرآن كاملا، كما كان لعبدالحميد الخطيب العديد من المقالات في الصحف السعودية كصحيفة « أم القرى » « صوت الحجاز» - « المدينة المنورة » - مجلة « المنهل ».
وله العديد من الكتب والمخطوطات تتعدى ال 14 كتاب ومخطوط , كما كان لهُ -رحمه الله- العديد من المؤلفات مثل تفسير الخطيب المكي وأسمى الرسالات، ومجموعة (مستقبلك بين يديك) وهو عبارة عن ابتهالات شاعر في حب الله ورسوله، كتابه الحجاز في نصف قرن «جزءان» وقد ترجم إلى اللغة الإنجليزية .
هذا إلى جانب أنه كان شاعراً متمكناً قدم أعمالاً شعرية فريدة من نوعها مثل قصيدة الاستغاثة الكبرى في نحو (700) بيت في الدعوة إلى الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى ، وساهم في نشر رسالة الإسلام عبر كتاباته وإنتاجه العلمي والأدبي.
وفاته :
نصح الأطباء الشاعر والأديب والدبلوماسي عبدالحميد بن أحمد الخطيب بترك الأعمال الإدارية والميدانية والخلود إلى الراحة نظير ما يعانيه من أمراض بالقلب وفعلاً استجاب لنصيحتهم بيد أنه لم ينقطع عن التأليف والكتابة وقرض الشعر حيث عشقه ورسالته التي يؤمن بأدائها، توفي فجر يوم الثلاثاء الموافق 18 ربيع الأول 1381 هـ عن عمر يناهز الخامسة والستين من العمر رحمه الله رحمة واسعة , بعد حياة مكلّلة بالنجاحات أفنى فيها حياته بإخلاص من أجل وطنه وسيّر طاقاته في سبيل خدمته على أتم وجه فكان نعم القدوة ونعم المثل الذي يقتدى به في الدين والسياسة والاجتماع.
.
.
المرجع : جريدة الرياض تقرير / منصور العساف
0 تعليقات