أسرة الدهان .. زخرفوا بيوت مكة وأتقنوا علوم الفقه




بزغ نجم أسرة الدهان في مكة المكرمة بقدوم الشيخ عبدالنبي الدهان أوائل القرن العاشر الهجري، في عهد الشريف الحسن بن أبي نمي، ونُسبت أسرته إلى مهنته التي اشتغلها آن ذاك وهي الدهانة، التي ينجز فيها صبغ الأسقف والقباب وتلوينها وتذهيبها، وقد اعتبرت فنا من الفنون المنتشرة في البيوت المكية، وتتضمن صنع الألوان وخلطها، مع إجادة الخط وتنمقيه والرسم والزخرفة، ونقش الطرازات «الأشرطة الكتابية» في السقوف وعلى الجدران، ويذيل نهاية عمله بتوقيعه كشاهد على إبداعه.

الأبناء والعلوم الفقهية


وعرفت أسرة الدهان باهتمامها بالعلم وتلقيه واشتهر عدد منهم بالفقه، فكان لعبدالنبي ابن اسمه عثمان، لازم الشيخ أحمد علان الصديقي وتلقى عنه العلم، وكان يوصف بأنه من العلماء السالكين حتى توفي عام 1045هـ، وظهر ابنه حسين عثمان والذي حفظ القرآن من صغره وأتقنه، حتى وصفه بعض معاصريه بقولهم : « لم تصدر منه منذ نشأته هفوة معصية، وكان آية من آيات الله في قوة الحفظ ».
فيما أجاد الشيخ إبراهيم بن عثمان العلوم الفقهية، وعمل مدرسا بمدرسة بهرام آغا المشرفة على المسعى، وتوفي في 1053هـ.

العلم والكتابة فيه

واشتهر من هذه الأسرة الشيخ تاج الدين أحمد إبراهيم الدهان، والذي يعد من كبار علماء القرن الثاني عشر، ومن أئمة الفقه في عصره، حيث أخذ العلم عن فقهاء وعلماء الحرمين وأجازوه بمروياتهم، فقد ذكره الرحالة عبدالغني بن إسماعيل النابلسي في رحلته الشهيرة الموسومة بالحقيقة والمجاز حين زيارته لمكة حيث يقول: «ثم جاء إلى عندنا الفاضل الكامل الشيخ تاج الدين الشهير بالدهان، من أهل مكة المشرفة، وطلب منا الإجازة في العلوم فأجزناه لفظا بجميع مالنا من المرويات عن مشايخنا الثقات، وبجميع مالنا من المصنفات».

وعندما تضلع من العلم تصدر للتدريس في حلقات المسجد الحرام، فدرس على يديه الكثير من الطلاب سواء من المكيين أوالقادمين إلى مكة المكرمة، إلى جانب اهتمامه بالتأليف، فجمع أسانيد حسن العجيمي في نحو ثلاثين كراسا، وسماه كفاية المتضلع، ويعدُّ هذا من الوفاء لشيخه، واعترافا بحقه.

كما كتب رسالة في القنوت في الفجر وغيره من باقي الأوقات عند حدوث النازلات، وكتب رسالة في الاستخارة، ورسالة في منع القصر في طريق جدة.
وظهر من بعده حفيده أحمد بن أسعد بن أحمد بن تاج الدين الدهان، والذي ولد سنة 1223هـ، وتلقى العلم عن مشايخ عصره كالسيد أحمد المرزوقي مفتي المالكية، والعطار المكي، والشيخ إبراهيم الكسكلي، وبرع في فن الخط العربي وكان مشهورا بالكتابة بخط الثلث، وتوفي بمكة المكرمة في 6 ربيع الثاني 1294هـ.


بقلم الباحث المكي : حسام عبدالعزيز مكاوي
نُشر في صحيفة مكة بتاريخ
: الأربعاء 4 صفر 1436 - 26 نوفمبر 2014