" صناعة السبح " تاريخ وفن حمله المكيين


https://e.top4top.net/p_8163wd691.png
من الصناعات التي كانت قائمة بمكة المكرمة .. " صناعة السبح " و خرطها و تنسيقها .
فقد كان بها ما لا يقل عن عشرين مصنعاً لعمل السبح من مختلف الخامات و الأخشاب , و هي صناعة لموسم الحج, ليس لها رواج في
غيره , كما هو الحال في الصناعات الأخرى التي تروج على مدار السنة , و يطلق المكيون على مصنع السبح و غيرها من المصانع كلمة " ورشة ".

وقد اشتهرت مكة المكرمة في السابق بصناعة السبح وخاصة اليسر وكانت تسمى ( بيسر مكة ) أو( المسبحة المكية ) وكانت تباع بأثمان عالية وكان يشتريها أثرياء الحجاج وكانوا ياخذونها هدايا او تبركا لصنعها في مكة المكرمة .

وقد كانت أسرة البوقرية ممن اشتهرت في صناعتها بل كانوا محتكرين صناعتها ويطعموها بالفضة وكذلك أسرة بدر مشائخ الصاغة وكذلك أسرة المصلي وكانت تصنع يدويا بصريقة هندسية دقيقة وتطعم بالفضة باشكال زخرفية جميلة ومنها ما يكتب عليها اسماء الله الحسنى وكانت تعمل الخرزات بطريقة دائرية او بطريقة بيضاوية وتصنع بشكل حبات كبيرة 33 حبة او وسط وصغيرة 99 حبة .

وقد انقرضت هذه الصناعة بعد الزحف الصناعي الرهيب والذي ارتكز في اساسيات الصناعة على الآله والتي تقص الحبوب بطريقة متساوية بدقة متناهية ولكن تبقى الصناعة اليدوية هي المطلوبة وخاصة ما صنعت بمكة المكرمة .

و قد كان السبحية يصنعون السبح من مختلف الخامات و الأخشاب , من خشب الصندل , مجلبا من الهند , و من خشب شجر الحمر , و من خشب له رائحة زكية نوعا يسمونه عودة خام , و من العود الحقيقي , و من كثير من الأخشاب المحلية , حتى من نوى التمر .
و أخص ما يصنعون منه السبح (( اليسر )) : هو شجر بحري يغوص على استخراجه جماعة من البدو من قبيلة زبيد من سواحل البحر الأحمر , يخرجونه و بعد تشذيبه و جعله أعواداً و حزماً , ينزلون به إلى سوق جدة و يبيعونه بالمزاد .

هذه الصناعة اضمحلت أو كادت , و لم يبق مما يصنع بمكة سوى اليسر يصنعها بعض أفراد من بقايا الورش السابقة , لأن لا يوجد في الغالب إلا في البحر الأحمر , و تأتي أعواده طيات فوق بعضها البعض , أشبه بالبصل , لا يمكن تحويله إلى حبات سبح إلا بعد معاجلته . و نقعه في الماء زمنا كافيا , بل و في أثناء الخرط . و لولا ذلك لما بقي لصناعة السبح أثر بمكة , فقد أصبحت , بعد ظهور مادة البلاستيك , تصنع السبح منها في الخارج , و تجلب بأرخص الأثمان , على مختلف الألوان و الأشكال , و ما كان يجلب من الخارج من أنواع السبح سوى :

1- السبح (( الصدف )) تصنع في (( بيت لحم )) (( بفلسطين ))
2- و سبح من حجر (( البنزهير )) تصنع في (( افغانستان )) فله معادن هناك
3- و سبح تسمى (( كوكة)) تصنع في استنبول من بعض بلاد أمريكا الجنوبية , و قد انقطع وروده و لم يعد يصنع شيء منه في استامبول و استعيض عنه بالبلاستيك لسهولة خرطه و رخصه .


المرجع :
كتاب مكة في القرن الرابع عشر الهجري | للأستاذ محمد عمر رفيع .
جريدة الشرق الأوسط .