صفحات مشرقة لنساء الحرم المكي الشريف

لقد سجّلت المرأة المكية حضورها في أكثر من موقع بالحرم ، وظلّت حاضرة في ذهنيّة رجل الحرم ، تشدّ من أزره في أطوار حياته ، وتدفعه لما فيه صلاحه علماً وعملاً ، وكان هو في المقابل يحترمها ، ويحفظ لها حقوقها ، ويجلّها ويقدّرها .
ونظرة متأملة في تراجم العلماء المكيين تجدهم يذكرون دائماً فضل الأمهات والزوجات عليهم في مسيرة حياتهم .
فقد كان لأمهات علماء المسجد الحرام دور كبير في دفعهم نحو مواصلة العلم والتعليم ، فعلى سبيل المثال : يذكر الشيخ زكريا عبد الله بيلا دائماً تشجيع والدته ( سارة بنت يوسف كردي ) له في طلب العلم حتى وفاتها ، إضافةً إلى دور والدة السيد علوي بن عباس المالكي ( عائشة كردي ) في تشجيعه على تلقي العلم بحلقات المسجد الحرام ولزوم علمائه ، وعدم السفر إلى العلماء خارج البلاد ، أما دور والدة الشيخ محمد حسين فلمبان ( زينب فلمبان ) في دفعه نحو العلم ونشره فلا يخفى ، حيث كانت من النساء المتعلمات الحافظات للقرآن الكريم والمعلّمات له ، وكان لها دورها في إنشائه لمدرسة الفتاة الأهلية بمكة المكرمة ، ومثلها أيضاً والدة مسند العصر الشيخ محمد ياسين الفاداني ( ميمونة بنت عبد الإله فادن ) التي قامت بتحفيظه القران الكريم كاملاً ولم يتجاوز الثامنة من عمره ، إلى جانب أثرها الكبير في نظرته إلى ضرورة تعليم الفتاة ، وأنه يجب أن تأخذ قسطها من العلم الذي تعرف به أمور دينها ، وكيف تربي أبناءها تربية سليمة .
ولم يخلُ الحرم كذلك من العالمات المحدّثات المسندات ، فلو نظرنا إلى شيوخ محدّث الحرمين الشريفين الشيخ عمر بن حمدان المحرسي الذين أخذ عنهم أو أجازوه ، لوجدنا بينهم أربعةً من النساء المحدِّثات هنّ : خديجة بنت أحمد المحضار زوجة أحمد بن حسن العطاس ، وسيدة بنت عبد الله بن حسين بن طاهر ( توفيت : 1346هـ ) ، وفاطمة شمس جهان الشركسية زوجة عارف حكمت ، وأمة الله بنت عبد الغني الدهلوية ( توفيت : 1357هـ ) ، وقد أخذ عنها كثير من علماء المسجد الحرام .
ولا يستغرب هذا الأثر المعرفي للمرأة المكية ؛ لأنها كانت في الماضي القريب تنهل من رياض العلم ، التي عطّرها علماء أفذاذ لم تضق حلقاتهم بها ، بل استوعبت حاجتها ، بالقدر المناسب لها .
فلو رجعنا بالتاريخ قليلاً لوجدنا أنه كان للمرأة المكية نصيبها في دروس المسجد الحرام ؛ حيث يذكر المستشرق الهولندي ( سنوك ) أنه في يومي الثلاثاء والجمعة - يوم تعطيل الدروس بحلقات الحرم - كان مفتي الشافعية الشيخ محمد سعيد با بصيل يعطي دروساً خاصة بالنساء في المسجد الحرام لمن لهنّ رغبة في ذلك ، وكان ذلك خلال العامين 1302هـ و 1303هـ ، وكان الدرس عبارة عن مقتطفات نافعة في الفقه والعقيدة والأدب .
ولو تقدّمنا بالتاريخ قليلاً لوجدنا أيضاً حضوراً للمرأة لبعض حلقات العلماء بالمسجد الحرام ، حيث يذكر محمد عبد الله الرشيد في مذكراته عن العالِمة موضي بنت سليمان آل الرشيد ( توفيت : 1411هـ ) أنها جاورت بمكة المكرمة – بعد وفاة زوجها – ثمانية عشر عاماً ، كانت تحضر فيها حلقات العلم بالمسجد الحرام لدى الشيوخ : السيد علوي بن عباس المالكي ، ومحمد عبد الرزاق حمزة وغيرهما ، فقد كانت حلقات الحرم مفتوحة للجميع .
هذه نماذج من الحضور العلمي للمرأة المكية في حياة علماء الحرم المكي الشريف ، أرجو أن تدفع بمكياتنا المعاصرات لإثبات حضورهنّ الفاعل في حياتنا بكل ما فيه الخير والصلاح لهذه الأمة .

المرجع : رسالة ماجستير غير منشورة بعنوان "الدور التربوي لحلقات العلم بالمسجد الحرام" للباحث السيد حسن بن محمد شعيب .

 

من إعداد : السيد حسن محمد شعيب - مشرف صفحة المكتبة المكية (كتب) .