الرحالة المغاربة والأندلسيون يصفون الحرم خلال 400 عام

مثلت مدونات الرحالة المغاربة والأندلسيين مصدرا لتاريخ وحضارة المدن والأقاليم التي مروا بها كافة، وكان من ضمن أهداف مدوناتهم نقل وصف دقيق لطريق الحج.

تكاملت مدونات الرحالة المغاربة والأندلسيين مع تفوق للرحالة المغاربة في القرنين الثامن والتاسع الهجريين، لانشغال الأندلسيين بالحالة السياسية المضطربة ودعوة العلماء الأندلسيين إلى إيثار الجهاد على الحج.



تناول كتاب «الآثار المكية من خلال مدونات الرحالة المغاربة والأندلسيين» أساليب هؤلاء الرحالة في رصد آثار مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، بدءا بالكعبة المشرفة، ثم المسجد الحرام وما حواه من القباب والصوامع، والمآذن

والأبواب.

وفيما يلي وصف الرحالة المغاربة والأندلسيين للآثار المكية من خلال مدوناتهم للفترة من القرن السادس إلى العاشر الهجريين:

الكعبة المشرفة:

مبنية بالحجارة الكبار الصم السمر، يبلغ عرض وجهها الممتد من الحجر الأسود إلى الركن العراقي 54 شبرا، ومثله من الركن الشامي إلى اليماني، ومن الركن العراقي إلى الشامي 48 شبرا، ويماثله وجه الكعبة الممتد من الركن اليماني إلى ركن الحجر الأسود.

وتعددت الأوصاف المتباينة في أطوال الكعبة، وهذا الاختلاف من قبل الرحالة المغاربة والأندلسيين لا يعني أن هناك تغييرا على بناء الكعبة، إنما هو عائد إلى اختلاف أداة القياس. ومن ذلك:

1 طول وجهي الكعبة من ناحية الشرق والغرب 24 ذراعا، والناحية الشمالية والجنوبية 23 ذراعا.

2 عرض وجه الكعبة من الركن الأسود إلى الشامي، ومن الركن اليماني إلى الغربي يبلغ 27 ذراعا لكل وجه، و21 ذراعا ونصف الذراع للوجه الممتد من الركن الأسود إلى اليماني، في مقابل 24 ذراعا للوجه الشامي الممتد من الركن العربي إلى الشامي.

3 طول الوجه المقابل لباب الصفا، أي الوجه الممتد من الحجر الأسود إلى الركن اليماني يبلغ ارتفاعه 29 ذراعا، والأوجه الأخرى 28 ذراعا، وهو ليس ببعيد عن الذرع الذي يشير إلى أن ارتفاع الكعبة 30 ذراعا.



الحجر الأسود:

تعرض الحجر الأسود عبر الزمان لكثير من التجاوزات التي أثرت في أصله، ومن ذلك ما دونه الرحالة المغاربة والأندلسيون في القرنين السادس والسابع الهجريين من وجود صدوع بالحجر، جعلت منه ثلاث قطع: اثنتان كبيرتان، وواحدة صغيرة.

ثم كان صدع لاحق في القرن الثامن الهجري جعل الحجر الأسود أربع قطع مشدودة بصفيحة من الفضة.

باب الكعبة:

- الوصف الأول: 550هـ/1155م: كان باب الكعبة وعضادتها من فضة مذهبة، وكذلك العتبة العليا، فعليها لوح من الذهب الإبريز الخالص. وللباب نقارتان كبيرتان من الفضة، يعلق عليهما قفل الباب، وتبلغ سعة القفل ثمانية أشبار، وطوله 13 شبرا. وعلى هذا الباب نص بحروف طويلة غليظة واضحة الخط سهلة القراءة، مكتوبة بالذهب. وهذا الباب صنعه جمال الدين وزير صاحب الموصل.

- الوصف الثاني 550هـ/1165م: جاء هذا الوصف بعد 10 أعوام، ويبين التغير الذي طرأ على باب الكعبة، فحلقتاه زال عنهما التذهيب حتى صارتا فضة بيضاء، وهو ما آل إليه مصير قفل الباب، حيث انكشف عن بعضه التذهيب فأظهر أصله النحاسي الأحمر. وآخر رصد لهذا الباب كان في 696هـ/1296م.

باطن الكعبة:

- الوصف الأول
578هـ/1182م: مفروشة بالرخام المجزع، وعليها ثلاثة أعمدة من الساج بارتفاع الكعبة، وهي متوسطة الكعبة بين كل عمود وآخر أربع خطى. ويمتد في أعلى هذه الأعمدة 12 قوسا من الفضية، وواحدة من الذهب، ودامت هذه الأقواس بالكعبة إلى 736هـ/1335م، برصد الحالة.

وطلي النصف الأعلى للكعبة بالفضة المذهبة على حوائطه الأربعة، أما النصف الأدنى فهو مزيج بين الرخام المجزع الأبيض والأحمر والأخضر بطول قامة كاملة، يزين بعضها نقوش وكتابات من الذهب أو الأشكال المشجرة أو الغريبة المائلة إلى الزرقة.

- الوصف الثاني 587هـ/1191م: ظهرت العناية والتغيير داخل الكعبة، فبقي رخام الحائط والأرضية والتذهيب، إلى أنه أضيف مسمار فضة بأرضية الكعبة عند مدخله، ثم وضعت قواعد خشب لأعمدة الكعبة مثبتة بمسامير فضة.

المطاف:

- القسم الأول: عبارة عن حجارة مبسوطة مختلفة الألوان فمنها: السود، والسمر، والبيض، ويمتد بمدار تسع خطى من الكعبة، ما عدا مقام إبراهيم، فتمتد حتى تحيط به.

- القسم الثاني: مفروش رملا أبيض، ويمتد من المطاف إلى سائر المسجد الحرام.

وفي المطاف كما رصد رحالة القرن السادس الهجري حوض رمل طوله 12 شبرا، وعرضه خمسة أشبار ونصف الشبر، وارتفاعه نحو شبر. ويقال إنه حوض لجمع مياه الكعبة عند غسلها لمنعها من الامتداد إلى المطاف كافة.

الحجر:

كان الحجر في النصف الثاني من القرن السادس الهجري مصطبة على شكل ثلثي الدائرة، كلها رخام مجزع، وبها قضبان صفر مذهبة، وأشكال شطرنجية متداخل بعضها مع بعض، وصفات محاريب، إذا نالتها أشعة الشمس أصدرت شعاعا يخطف الأبصار.

أما بلاطه فهو رخام مقطع تختلف أحجامه من حجم كف اليد، إلى حجم الدينار، ويتجلى به شيء من التعاريج والتقاطيع والخواتم والأشكال. وفي أعلى هذا الرخام رخامتان ملتصقتان بجدار الحجر مقابل الميزاب، وبهما توريق وتشجير.

وأعلاهما على جدار الحجر رخامة ذات نقش بديع، يحيط بها من أطرافها نقش مكحل، كتب فيه «مما أمر بعمله عبدالله وخليفته أبو العباس أحمد الناصر لدين الله أمير المؤمنين، وذلك في سنة 576».

وبالحجر من ناحية الكعبة في منتصفه رخامة خضراء مستطيلة على شكل محراب متصلة برخامة خضراء مستديرة، وتبلغ سعة الرخامتين معا مقدار شبر ونصف الشبر. وبجوارها إلى ناحية الركن العراقي رخامة خضراء مستديرة بسعة شبر ونصف الشبر، وبين الرخامتين سبعة أشبار.

المقام:

حجر لونه بين الدكنة والحمرة، منقط بنقط سود، ومغشى بالفضة، يرتفع عن الأرض بثلاثة أشبار، وسعته مقدار شبرين. وبهذا المقام نقوش عدة، ففي غاشيته «سبحان الله» وفي ناحية بئر زمزم «والحمد لله»، وناحية الكعبة «لا إله إلا الله»، وناحية دار الندوة «والله أكبر».

وفي أعلى المقام مقابض من فضة لرفعه عند تحريكه وغسله. وهذا المقام داخل حوض رخام مربع أبيض مكسو بالفضة، له حلقتان.

وللمقام غطاءان: الأول من خشب، والثاني من حديد، يوضعان على المقام في أوقات الازدحام. ويظهر أن المقام لم يطرأ عليه من القرن السادس إلى العاشر أي تعديل على صفته الجوهرية.



بئر زمزم:

يبلغ دور تنور البئر 40 شبرا، وارتفاع سترته أربعة أشبار ونصف الشبر، وهي مبنية بأحجار الرخام المرصوص بعضها على بعض بإحكام، والمفرغ في أثنائها الرصاص. ولإحكام البناء حف بـ 32 عمودا من الرصاص.

تظهر قبة البئر مربعة الشكل تقوم على 16 سارية من خشب الساج المنقوش. وسقفها ملبس ومنقوش من داخله.

بلاط المسجد الحرام:

رصد الرحالة في أواخر القرن السادس الهجري كتابة على بلاط المسجد الحرام ممتدة من الغرب إلى الشمال في أعلى الجدار نصها «أمر عبدالله محمد المهدي أمير المؤمنين، أصلحه الله، بتوسعة المسجد الحرام، لحاج بيت الله وعماره، في سنة سبع وستين ومئة».

وتحيط بالمسجد ثلاث بلاطات على ثلاث سواري من الرخام، يظهرها تناسقها كأنها بلاطة واحدة. وكان طول البلاط 400 ذراع، وعرضه 300 ذراع.

صوامع المسجد الحرام:

أكد الرحالة المغاربة والأندلسيون وجود سبع صوامع للمسجد الحرام منذ القرن السادس الهجري، وكان لكل صومعة شكل مغاير للأخرى، مع توافق في النسق الخارجي.

وتقوم أربع صوامع من السبعة بأركان المسجد الحرام الأربعة، وهي مبنية بحجارة، أحيط نصفها الأدنى بشباك من الخشب.

خامسة الصوامع هي صومعة باب إبراهيم عليه السلام، وهي على يمين الداخل من الباب، وتختلف من ناحية البناء، حيث إنها مستطيلة الشكل كأنها محاريب.

وسادستها صومعة باب الصفا، وهي صومعة ضيقة لا يرقى إليها. وآخرها صومعة دار الندوة التي لم تنل وصف الرحالة، مما يوحي بعدم ارتقاء بنائها لمستوى الصوامع الأخرى.


أشرف الحسيني | صحيفة مكة
نُشر بتاريخ
الجمعة 12 ذو الحجة 1439 - 24 أغسطس 2018