الدكتور الحارثي .. الموسوعة الثقافية
التقيت البارحة أستاذ الأجيال المثقف والناقد الأدبي الأستاذ الدكتور محمد بن مريسي الحارثي الذي تشرفت أن أكون من طلابه إبان دراستي الجامعية، وقد كنت أتأمل وجهه المشرق البارحة، لأشاهد في ثنايا كل شعرة بيضاء على خده، شَاركَتْهُ حفظ المئات من الموسوعات الأدبية التي اختزلها في ذاكرته _ أدام الله عليه الصحة والعافية – خبرات الأعوام، كان يحدثنا عن بعض منجزاته، وخلالها أسرح بذاكرتي في تلك الأيام الخوالي، كيف كان الرجل، مشتد العود، قوي الجأش، لا يستطيع أحد أن يكسر له كلمة، ومن يجرؤ حينها أن يناقش عميد كلية اللغة العربية في جامعة أم القرى، وكم كنا نخشى أن نفاتحه في موضوع أدبي، ناهيك أن نحاوره.
بالأمس كان يناقشنا ويحاورنا ويستمع إلينا منصتاً ثم يرد بكلمات بسيطة مقنعة تخرج في ثناياها خبرة السنين، وهو متكئ على عصاه يسرح حيناً شارداً ثم يعود إلينا ببيت من الشعر، أو قصة تجعلنا كمن على رؤوسهم الطير مما يقول، فمن الشعر تارة، إلى القصص تارة، إلى النكتة تارة، ولعل من أعذب ما سمعناه قصته عن محاضرته عن ( أدب الجن )، وكيف أنه قسّم مبحثه إلى ثلاثة أقسام، ثم أورد لنا كيف أن الجن آمنوا بالنبي الكريم عليه الصلاة والسلام خير من بعض كفار قريش، ثم تحدث عن بعض توجهاتهم الأدبية وسرد كثيراً من الروايات، وكنت استرق النظر في وجوه الحاضرين، فمنهم المنبهر، ومنهم المنسجم، ومنهم من ترتعد فرائصه، ومنهم من يتبسم ضاحكاً مما يسمع .
إن الدكتور الحارثي قامة ثقافية في الوطن العربي ككل يستحق منا أن ننظر إلى مكانته العلمية وإرثه الثقافي بأكثر مما حصل عليه، فلا يزال الرجل رغم علمه الوافر يبذل الكثير من الجهد للعطاء، وحينما أراد بعض الزملاء أن يشرفهم بزيارة إلى مشروعهم التعريفي عن مكة المكرمة (قبلة الدنيا) وعدهم بالزيارة رغم انشغاله بتأليف كتاب يرغب في إنهائه قبل نهاية العام الدراسي, إنها همّة العلماء، لا شيء يشغلها عن العلم.
لقد أحسن نادي مكة الثقافي الأدبي بمنحه جائزته في دورتها الرابعة, والتي كانت في مجال النقد الأدبي بعنوان (نقد الشعر)، وكذلك بعض المنتديات الثقافية كباشراحيل، وعبدالمقصود خوجة، ولكن الجميع يطمح أن يكرم من قبل الجهات الأدبية والثقافية في المملكة والوطن العربي، كسوق عكاظ أو الجنادرية أو مؤسسة الفكر العربي ..إلخ .
لقد ساهم الدكتور محمد الحارثي في تنامي الثقافة الأدبية لدى جيل كامل من المثقفين ، وكان له إسهام واضح في ارتقاء الحراك الفكري والإبداعي في المملكة، فمكانته لا أرقى إلى تقدير هامتها في المشهد الأدبي والثقافي بعطائه ومؤلفاته ومشاركاته الداخلية والخارجية، ولا تستطيع كلماتي أن تصل إلى سفح هامته العلمية، حفظه الله من كل مكروه، وأدام عليه نعمة الصحة والعافية.
كتبه : د.عبدالله الشيعاني
نُشر بتاريخ : 1440/2/11 الموافق: 2018/10/22
0 تعليقات