كتاب: "الرحلة الحجازية لوليّ النعم الحاج عباس حلمي باشا الثاني خديو مصر"
كتاب: "الرحلة الحجازية لوليّ النعم الحاج عباس حلمي باشا الثاني خديو مصر"، محمد لبيب البتنوني، مطبعة مدرسة والدة عباس الأول، القاهرة، ١٣٢٨ هجرية / ١٩١٠ ميلادية.
أهدى المؤلف المتمكّن محمد لبيب البتنوني كتابه "الرحلة الحجازية" لسمو ولي النعم خديو مصر عباس حلمي باشا الثاني (خديوي كلمة فارسية تعني الملك والوزير)، والذي "صدرت إرادته السنية بتشريفي بالسفر في خدمة ركابه العالي "لأداء فريضة الحج لسنة ١٣٢٧ هجرية. ووضح المؤلف درجة دقته في إيراد المعلومات والبيانات قائلاً" سلكتُ في هذا الطريق مسالك التحقيق والتدقيق، حتى جاءت كلمتي فيه والحمد لله مسفرة عن حقيقة الحج، .... و "تناول بحثي ما يهم القارئ من المسائل العمرانية والاجتماعية والجغرافية والتاريخية، .... وكثيراً من الخرائط والرسوم والصور". أما الغرض الآخر لأداء فريضة الحج، فقد تم تضمينه في الأمر العالي الذي أصدره "عطوفة رئيس مجلس النظار": "قد شاءت الإرادة الإلهية بتحقيق رغبتنا (أي الخديوي عباس) في أداء فريضة الحج وزيارة الروضة الطاهرة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام فعزمنا على السفر لهذا القصد الجليل في هذا العام، وإنّا لنرجو أن يكون توجهنا إلى تلك الأقطار المباركة ووقوفنا بالذات على أحوال الحجّاج المصريين وحاجاتهم باعثاً في المستقبل لراحتهم واطمئنان بالهم".
أما ما يتعلق بالحرمين الشريفين، فقد استهل المؤلف حديثه عن الحج والحجّاج موضحاً: "وفي موسم الحج ترى في جدة حركة مستديمة لا تنقطع ليلاً ولا نهاراً من الحجّاج الذين إذا وصلوا إليها وجدوا على أبواب جمركها مطوفيهم أو وكلاءهم في انتظارهم، وهم ينادون يا حاج فلان أو يا حجّاج فلان، فيعرف الحاج إسم مطوفه فينادي عليه وهو في هذه الشدة، فيبادر إلى مساعدته، ويأخذ منه ورقة جوازه - باسابورت - ليعلّم عليها من قلم الجوازات، ثم يسير معه إلى منزل يقيم به يوماً أو يومين، يُصلح فيهما من شأنه، ويؤجر جماله أو حميره ثم يسافر الى مكة (المكرمة)".
ومن ناحية الطريق إلى مكة المكرمة، فيستريح الحجّاج في بحرة، حيث بها قهاوي عمومية واسعة، يتوفر فيها الخُبز والجبن والبلح والفاكهة والقهوة والتنباك. وفي جوار القهاوي أفنية واسعة كذلك محاطة بأسوار من الجريد، تُربط فيها جمال الحجّاج ودوابهم، وأغلب القوافل تبيت فيها. "ويأخذ الطريق من بحرة .... فيمر على حدّة، ثم قهوة سالم، ثم على جبل الشميسي، ثم على المقتلة، ثم الهجالية، ثم البستان، ثم قهوة المعلّم، ثم الشيخ محمود وهو باب مكة (المكرمة)، وفيه قبر جار الله الزمخشري، وكان قد أتى إليها حاجاً سنة ٥٣٨ هجرية، فمات بها يوم التروية ودُفن في هذا المكان".
وفي مكة المكرمة "يتخلف عن الحج كثير من أهلها، ويقيمون فيها للمحافظة على ديارهم من اللصوص الذين يكثرون في هذه الآونة، فيقطعون ليلهم سهراً بين إطلاق بنادقهم من كل الجهات إعلاناً بأنهم يقظون لكل من قصدهم بسوء". وبالنسبة للمطوّفين، يرى المؤلف "ولو كان مولانا الأمير (عباس حلمي باشا الثاني) يقضي بأن يتخرج المطوّفون من مدرسة مخصوصة يدرسون فيها ما هو خاص بوظيفتهم، لكان في ذلك أكبر خدمة دينية"، موضحاً الأسباب التي يراها. وللمؤلف أيضاً وجهات نظر قاسية تجاه الازدحام الشديد وعدم العناية بالنظافة وتفشي الأمراض والأوبئة، مذكراً بما حصل من أوبئة "فتكت بالحجّاج فتكاً ذريعاً، في سنة ١٨٩٠ ميلادية وسنة ١٨٩٢ ميلادية وسنة ١٨٩٣ ميلادية وسنة ١٨٩٥ ميلادية". وهنا وجب الشكر والثناء لله تعالى، ثم لكل من تسبب وعمل على إزالة كل أو جل ما كان في ذلك الزمان، من مآسي وآلام وأحزان، والذي أمسى دروساً وعِبر لا أكثر.
وفي المدينة المنورة، بدأ المؤلف الحديث عن قوافل الحجّاج المتجهة نحوها من مكة المكرمة، موضحاً بوجوب أن يكون الناس في طريق القافلة كلهم عيوناً تحافظ على حياتهم ومتاعهم.
أما أغلب أهل المدينة المنورة فيعيش من وراء خدمة الحرم، وخصوصاً في الموسم، ومنهم كثير من المزوّرين (الأدلاء الآن)، وهؤلاء في المدينة (المنورة) يؤدون وظيفة المطوّفين في مكة (المكرمة). أما عن مبانيها فذكر أنها "هو بعينه ما رأيناه بمكة (المكرمة) وجدة". كما لفت نظره مبنى بحارة الساحة "للسيد هاشم، مشغولاً بأعمال الأويمة (فن حفر النقوش والرسومات على الخشب) بما استوقفني أمامه باهتاً لجمال صنعته ودقتها، وهي من صناعة جاوة، وبكل أسف أقول أن هذه الصناعة البديعة قد انقطعت عن المدينة (المنورة) بالمرة".
بقلم : المطوف الدكتور عبد المجيد داغستاني .
0 تعليقات