طريق الحج عَيذَاب - مكة المكرمة عبر التاريخ

تعددت طرق الحج المصرية السعودية، فكان حجاج مصر وغيرهم من حجاج شمال أفريقيا والمغرب يعبرون شبه جزيرة سيناء حتى يصل بهم الطريق إلى رأس خليج العقبة ثم يتجه الطريق جنوباً حيث يمر على حقل وشرف البعل ومدين. ومن مدين يتفرع طريقان الطريق الداخلي ويتجه إلى الجنوب الشرقي حتى المدينة المنورة ماراً على عشر محطات رئيسة. أما الطريق الآخر فهو الطريق الساحلي الذي يسير بمحاذاة ساحل البحر الأحمر حيث تقع عليه 13 محطة رئيسة. كما يتصل الطريقان مع بعضهما بطرق فرعية. ويتضح من الآثار الباقية على الطريقين أن الطريق الساحلي استمر استخدامه لفترات طويلة فقد كشفت الدراسات الأثرية عن وجود آثار خطية ومواقع أثرية متعددة، وقلاع ومنشآت مائية ومن الآثار الأخرى يمكن أن نذكر آثار مدين وقلعة المويلح والأزنم أو الأزلم والزريب وآثار مدينة الجار التاريخية.

عَيذاب ميناء على ساحل البحر الأحمر في مثلث حلايب، ولعب دوراً تاريخياً بما أنه كان نقطة انطلاق الدعوة الإسلامية منذ خلافة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وتواتر ورود المسلمين عليه. وأشار المقريزي إلى عيذاب بأنها أهم ميناء مزدهر تربط طريق عيذاب الدولي بموانئ اليمن مع الهند والبحر الأبيض المتوسط، كما ظل أهم موانئ الحجاج إلى مكة لمدة أربعة قرون من القرن العاشر إلى القرن الرابع عشر الميلادي، وبخاصة بعد أن أغلق الصليبيون الحج عن طريق الشام. وتوجد في عيذاب مقابر كبيرة لا تتناسب وحجم المدينة وهذا يشير إلى زيادة قدوم الحجاج الموسميين إليها. وذكر المقريزي أن الطريق ظّل مسلكاً للحجاج من عام 450هـ إلى عام 660هـ، ومع انتهاء الوجود الصليبي في مصر والشام عاد الحجاج إلى استخدام طريق سيناء والبحر الأحمر مرةً ثانيةً لنشاطه.

ونظراً إلى أهمية طرق الحج المصري وما يميزها من معالم أثرية متنوعة ممتدة عبر مسافة طويلة، وافق المقام السامي بتاريخ 29/12/1435هـ على طلب الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني لتسجيلها ضمن 10 مواقع في قائمة التراث العالمي. وتنفذ هيئة السياحة والتراث الوطني جملة من مشاريع الترميم لقلاع وبرك ومواقع أثرية في مواقع مختلفة على طريق الحج المصرية تبدأ من محافظة حقل وتنتهي بمكة المكرمة والمدينة المنورة وتبلغ تكاليف هذه المشاريع أكثر من 50 مليون ريال. ومن القلاع التي تم ترميمها على طريق الحج المصرية قلعة المويلح الأثرية التي أنشئت عام 968هـ لحماية قوافل الحجاج عند نزولها إلى المويلح وحفظ أقوات الحجاج وأمتعتهم في القافلة وإدارة المنطقة، وقلعة الأزنم التي كانت محطة رئيسية على الطريق لحفظ الأمن وودائع الحجاج القادمين على طريق الحج المصرية، وتنفذ الهيئة مشروع ترميم للقلعة بنحو خمسة ملايين ريال، كما تعمل الهيئة على تأهيل وترميم موقع الآبار السلطانية بوادي ضباء وموقع الآبار السلطانية بوادي عنتر حيث تم ترميم الآبار والبرك القائمة عليها وتأهيلها للزيارة.

أما آثار العصور الإسلامية المتأخرة الباقية على طريق المصري فيذكر منها بركة البدع (مغائر شعيب) ويعود تاريخ إنشائها إلى العصر المملوكي، وآثار المويلح التيلا تشمل بئرين من العصر المملوكي، وقلعة الأزنم التي أنشئت في عهد السلطان المملوكي محمد بن قلاوون، وجددت في عصر السلطان قانصوه الغوري، إلى جانب برك عنتر التي يرجع تاريخها إلى العصر العثماني، وقلعة الزريب بالوجه التي أنشئت عام 1026هـ في عصر السلطان العثماني أحمد الأول، وبركة أكرا وآبار نبط، وسبيل بدر وبركتها، وجميعها آثار أنشئت في العصر المملوكي، وجددت ووسعت مرات عدة خلال العصر العثماني.

الواقع أن الرحلات البحرية عبر البحر الأحمر الذي تعددت أسماؤه عند المؤرخين المسلمين لعل أهمها بحر الحجاز، ذلك الذراع الممتد بين العالمين الأسيوي والأفريقي. وعهد البحر الأحمر الأخطار الكامنة في الشعاب المرجانية والصخور الناتئة التي تملأ سواحله والدوامات المختلفة في أرجاء هذا البحر، إلى جانب العواصف التي كثيراً ما كانت تؤدي إلى تصدع السفن وإغراقها آنذاك، إلى جانب هذه الأخطار الطبيعية فقد هددت الرحلة عبر البحر الأحمر القراصنة الذين ملأوا البحر طوال العصور الوسطى.

بلغ ميناء عَيذاب درجة كبيرة من الازدهار في العصر الفاطمي، وشهد تجارة مع جدة لفترة طويلة فظلت مسلكاً للتجارة والحجاج في ذهابهم وإيابهم ما يزيد على مئتي عام منذ منتصف القرن الخامس حتى منتصف القرن السابع، وقد ساعد قرب عيذاب من جدة إلى أن الغلات الآتية من الحبشة وساحل أفريقيا واليمن والهند وما بعدها تصل إلى عدن إذ هي نقطة ابتداء البحر الأحمر، ثم تنقل منها إلى جدة، ومن جدة تحمل هذه البضائع إلى عيذاب، واشتهرت إلى جانب عيذاب مراكز تجارية أخرى في مصر كانت ذات صلات تجارية بالحجاز نذكر منها القصير وقفط وقوص، وقد عظمت هذه الأخيرة فصارت ملتقي القوافل من الحبشة والحجاز وازدهرت الحركة بها من الحجاج والتجار المتجهين إلى جدة ومكة.

كما توجد على الطريق آثار وادي الغال الذي يقع بين ضباء والمويلح، وبها بئران قديمتان مطويتان بالحجر الجيري المنظم، وآثار وادي الهاشة شمال مدينة ضباء، وتشمل آباراً تركية قديمة، وآثار وادي ضباء التي توجد في أعلى وادي ضباء على شكل نقوش كوفية يرجع تاريخها إلى القرنين الهجريين الثاني والثالث. ويعد وادي الأزنم (الأزلم) من أهم المحطات على طريق الحج المصرية خلال العصرين المملوكي والعثماني، ويقع على بعد 40 كلم جنوب مدينة ضباء، وبها بقايا خان بني للمرة الأولى في عصر السلطان المملوكي محمد بن قلاوون، فيما تقع آثار وادي عنتر على بعد 40 كلم شمال مدينة الوجه، وتوجد به من آثار طريق الحج المصرية ثلاث آبار سلطانية، وبركتان مبنيتان بالحجر الجيري.

تضم قائمة الآثار أيضاً آثار وادي الزريب شرق مدينة الوجه، وبه كانت تنزل قوافل الحجاج المصريين ومن رافقهم، وتوجد اليوم بهذا الوادي ست عشرة بئراً سلطانية كانت تؤمن الماء اللازم لإرواء قوافل الحجاج. كما توجد في أعلى الوادي قلعة تركية كبيرة أنشئت في عصر السلطان أحمد الأول عام 1026هـ، لحفظ الأمن بمنزلة الحجاج، ولخزن ودائعهم وأقواتهم، ويوجد على مدخل القلعة نقش تأسيسي يؤرخ لبنائها.

وأنشأ أمير الحج المصري رضوان بك الفقاري قلعة الزريب، وهو الذي تولي إمارة الحج المصري في الفترة من 1038هـ-1065هـ. ومن بين الآثار أيضاً جبلا النهدين على مقربة من وادي العرجا، وتوجد في ممر النهدين آثار تمهيد وتسوية لمسار طريق الحج، كما يلاحظ وجود كسر فخارية من أنواع الفخار العثماني المتأخر، فيما تتربع آثار أكرا (بركة أكرا) على بعد 45 كلم جنوب شرقي مدينة الوجه، وفيها بركة وبئر لطريق الحج المصرية يعود تاريخ إنشائهما إلى العصر العثماني، وذكرت أكرا في المصادر الجغرافية العربية باعتبارها منزلاً من منازل طريق الحج المصرية الساحلية.

الواقع أنه تجب إعادة تشكيل لجان أثرية مشتركة (مصرية سعودية) لدراسة الآثار التاريخية لرحلة الحج بين ميناء عَيذاب ومكة المكرمة، والخروج بنتائج وتوصيات تفيد الباحثين في هذا الشأن.

المصدر : جريدة الحياة