الكعبة المشرفة قصة بناء الكعبة عام 1039هـ ( 9 )

و في يوم الإثنين 24 جمادى الآخرة بدأوا في عمل (سقالة) بدايتها من ناحية باب الكعبة المسدود في الجدار الغربي و كان عدد ما تم تسميره (72) سنة . صعد الحمالون على السقالة ، و أنزلوا بعض الأحجار ، ثم صعدوا عليها بالأحجار بينما يستمر الحجارون و النجارون في أعمالهم بالتزامن . في يوم الثلاثاء 25 جمادى الأولى شرعوا في إصلاح و تسوية الأحجار الساقطة من البيت التي لا تزال صالحة للإستخدام مرة أُخرى .

كبار عمال بناء الكعبة المشرفة
من مكة المكرمة
المعلم/علي بن شمس الدين
المعلم/محمد بن زين المكي المهندس
المعلم/عبدالرحمن بن زين المكي
المعلم/سليمان الصحراوي المصري شيخ النجارين
فاتح عبدالسيد الطباطبائي المكي
من مصر
سالـم القرشي
المعلم/سليمان بن محمد البجع
ابن حاتم
نورالدين

الاجتماع الأول..فوق سطح الكعبة
 في يوم الأحد غرة جمادى الآخرة تم انتزاع بقية الأحزمة التي كانت فوق الجدار الذي فيه الحجر الأسود  ، و في هذا اليوم صعد (نائب الحرم) و (رضوان آغا) فوق سطح الكعبة ، فرأيا حالة السقف و الجدران ، و أخبرهم (المعلم/علي بن شمس الدين) أنه لا بد من هدمها على رأيه الأول ، فوكل (نائب الحرم) هذا الأمر إلى الله .

الإجتماع الثاني..في الحطيم..و بداية تصاعد الخلاف
 في صبيحة اليوم الثاني الإثنين 2 جمادى الآخرة اجتمع في حجر إسماعيل (نائب الحرم) و (رضوان آغا) و جاء (السيد/علي بن بركات) و صعد مع (رضوان آغا) إلى سطح الكعبة ليطلعه على الأمر الذي أثاره (المعلم/علي بن شمس الدين) فعاينا وضع الجدران و السقف ، كما أرسل (نائب الحرم) إلى (الشيخ/محمد بن علان الصديقي) و كان في (قبة الشراب) -الكتبخانة المجيدية- و طلب منه الصعود على سطح الكعبة ليرى الأمر هو أيضاً فوجد (الأغا) و (السيد) جالسين ينتظرانه (و كانا قد أشارا عليه بانتظار وصوله) فكان الوضع كالتالي :
1. توجد فجوة بين حد سطح الكعبة و (الجدار اليماني) بمقدار 4 أصابع .
2. تصدع في الجدار المحاذي للباب .
3. تصدع موازي للتصدع السابق في الجدار الغربي المقابل له من الناحية الأخرى .

قال (رضوان آغا) سائلاً (ابن علان) : (ماذا ترون؟) .
فأجابه (ابن علان) : (هذه الأحجار المفارقة الخربة الشعثة تزال لتحقق الضرر فيها ، و يقتصر على الأمر الضروري) .
قال (المعلم/علي) : (هذا الذي بأعلاها إنـما حدث من إنبعاج أسفلها فتأثر هذا منه) .
نزل (ابن علان) و (رضوان آغا) و (السيد/علي بن بركات) من على السطح فوجه (نائب الحرم) سؤالاً إلى (ابن علان) يستفسر منه عن رأيه ، فأخبره بـما رآه و بـما قاله و زاد قائلاً : (إن هدم باقي الجدار يتوقف على ثبوت أن ذلك الأمر عن انبعاج الأسفل) ، فقال (رضوان آغا) : (وزن بعض البناة الجدار من الحزام فرأى خروجاً و ما على بيته في هذا الجدار إلا الحجر الذي عليه الحجر الأسود و الذي عليه الركن اليماني ، على أن ما تحت الحجر الأسود محتاجٌ إلى الأصلاح) ، و تكلم ببعض الكلام ، فقال (ابن علان) : (أنا رجلٌ من أهل العلم ، و أتكلم بمقتضى العلم ، و لا أُبالي مما يلحقني في ذلك من الأعراض الدنيوية ، و الحق على النفوس ثقيل)  ، و انصرف الفقيه .

قال (أيوب صبري باشا) أن المتخصصين و المهندسين بعد المعاينة قالوا مخاطبين الجمع : (إن مباني هذه البقعة الشريفة قد اهتزَّت و وهنت من أُسُسِها ، و ها نحن أولاء نعرض لكم الحقيقة ، فلا مجال بعد ذلك لتقولوا : "لماذا لـم تخبرونا بالحقيقة في وقتها؟" ، و قد صرحنا بحقيقة الأمر أمام المفتين الأربعة و السيد القاضي و أمام عظماء البلد و وجهائـهم)  .

الإجتماع الثالث..في الحطيم..و الخلاف يحتدم
في يوم الجمعة 6 جمادى الآخرة 1040هـ تم عقد اجتماع بالحطيم حضره الأفاضل التالية أسماؤهم :
1. شريف مكة و أميرها (الشريف/عبدالله بن حسن بن أبي نـمي)
2. (نائب الحرم) (السيد/محمد بن محمود أفندي الأنقوري)
3. قاضي مكة المكرمة (الأفندي/حسين الرومي)
4. ناظر المسجد الحرام (الأفندي/شمس الدين عتاقي زاده)
5. (الأمير/رضوان آغا معمار)
6. مجموعة من علماء المسجد الحرام منهم :
- (الشيخ/خالد المالكي)
-(الشيخ/عبدالعزيز الزمزمي)
-(القاضي/أحمد بن آق شمس الدين) المفتي الحنفي و المدرس بالمدرسة المرادية .
-(الشيخ/تاج الدين المالكي)
-الواعظ (الشيخ/أحمد بن جعفر)
-(الشيخ/محمد بن علان الصديقي)
7. بعض السادة الأشراف و منهم إبني (الشريف/عبدالله بن حسن) : (محمد) و (أحمد)
و غيرهم من الحضور .

و دارت المناقشة حول مسألة :
(هل يتم هدم الباقي من جدران الكعبة المشرفة أم يتم تركها و تقويتها و إصلاح ما تـهدم منها ؟)
 و قام (رضوان آغا) و عرض على المجتمعين أن (ابن علان) لا يوافق على هدم ما تبقى من الجدران بعد السيل ، و أنه يتلفظ بكلماتٍ تؤدي إلى إثارة الفتنة بين عوام الناس ، ثم قال : (ما رأيكم في هذا؟)  ، و انقسمت آراء الحضور فمال البعض إلى رأي المهندس (المعلم/علي بن شمس الدين) و هو أن يتم هدم جدران الكعبة إلى مستوى عتبة الباب و بناءها بناءً جديداً قوياً محكماً ، و عارضهم (الشيخ/محمد بن علان الصديقي) الذي قال عن هذه الحادثة في كتابه (إنباء الجليل) : (و مِلتُ إلى تحريم هدم ما لـم تَدْعُ إليه ضرورةٌ أو حاجةٌ حاقةٌ ، و نَحَوْتُ منحى "ابن عباس" في المنع من ذلك)  .

و احتاج الأمر إلى معاينة الجدران (خصوصاً الجدار اليماني لأنه كان لا يزال قائماً) ، فدخل جماعة من الحاضرين و معهم (الشريف/عبدالله بن حسن) ، و تم وضع ميزان القياس فوجدوا الحائط خارجاً عن موضعه مقدار (ربع ذراع) ، و خرجوا ، و طال الكلام و الجدال بين (قاضي مكة المكرمة/حسين الرومي) و (الأمير/رضوان آغا معمار) ، و قال (نائب الحرم) لـ(المعلم/علي شمس الدين) و لـ(المعلم/محمد بن زين الدين) : (إن كنتما صادقين في دعواكما خراب هذه الجدر ، و أنـها لا صلاح فيها للبقاء فاحلفا على وفق دعواكما) ، و أيده في ذلك (القاضي/حسين الرومي) ، و قام و مشى إلى الحجر الأسود و قال : (تَقَدَّما إلى الحجر) ، فامتنعا عن الحلف و قالا : (إن هدمتم فاهدموا و إلا فاتركوا ، نحن لا نحلف) ، فاقتضى رأي الحاضرين إزالة بقايا الجدارين (الشرقي) و (الغربي) و إبقاء (الجدار اليماني) و تدعيمه من أمامه و خلفه لمنع سقوطه ، و يبنى ما سقط و ما تـهدَّم ، ثم يُنظر في حال (الجدار اليماني) و يتم التعامل معه في حينه بـما تقتضي المصلحة الشرعية ، فحصل الرضا من الحاضرين بذلك الرأي ، و حكم (القاضي/حسين الرومي) بذلك و أمر نائبه (القاضي/أحمد بن عيسى المرشدي) بكتابة مستندٍ بذلك ، فكتب و انفض المجلس على هذا الرأي .

في يوم السبت 7 جمادى الآخرة و في ضحوة النهار بدأوا في إزالة بقايا جدار الكعبة الشرقي الذي فيه الباب ، كما تم استكمال عملية إنزال السقف التي كانت قد بدأت يوم الأربعاء ، و تـم وضع جزء من البقايا بجانب المدرسة السليمانية و جزء على أحجار الكعبة الموجودة حولها إبعاداً لها عن مكان الهدم

في يوم الأحد 8 جمادى الآخرة عزم البناؤون على هدم الجدار اليماني ، و ادَّعَوْا أن ذلك الهدم ضروريٌّ ، و تم توجيه سؤال للإفتاء في مسألة هدم الجدار اليماني متضمناً المعلومات التالية:
1. ميل الجدار اليماني :
أ-مكان القياس الأول (الركن الأسود) : يوجد به مَيْلٌ إلى الداخل من أعلى الركن إلى المدماك (صف الحجارة الأفقي) بمقدار نصف ذراع ، و من هذا المدماك إلى سطح الأرض ثلث ذراع .
ب-مكان القياس الثاني (بالقرب من الحجر الأسود) : يوجد به ميلٌ بمقدار ذراع .
ج-مكان القياس الثالث (قرب منتصف الجدار) : ميلٌ بمقدار ذراع و ثلث .
-ملحوظة : وحدة القياس هي ذراع القماش الحديد .
2. أن ما سبق من الميل مشاهد بالنظر
3. القواعد الإنشائية و الهندسية تفيد بأن المباني المكومة من الحجر المنحوت إذا حصل فيها ميل بـمقدار (سدس ذراع) فإنه يجب هدمه و لا يجوز بقاؤه .
و أجاب  (الشيخ/خالد المالكي الجعفري) و (الشيخ/عبدالعزيز الزمزمي الشافعي) و (الشيخ/أحمد بن آق شمس الدين الصديقي) و (الشيخ/عبدالله بن أبي بكر بن ظهيرة القرشي) بالهدم .

بينما كان (الشيخ/محمد بن علان الصديقي) قد ألف رسالة في عدم جواز ذلك و اسمها (إيضاح تلخيص بديع المعاني في بيان منع هدم جدار الكعبة اليماني)  و يقول في (نشر ألوية التشريف) : (قال ابن حجر الهيتمي -بعد نقل الخلاف في هدم الجدار الذي أراد المنصور أو ولده هدمه وإعادته على قواعد إبراهيم ومنع منه- ما لفظه: "هذا إذا حملنا كلامه هو -لا كما هو المتبادر منه- على هدم ما صنعه الحجاج وردها علي بناء ابن الزبير، أما إذا لم نحمله على تلك الصورة الخاصة بل على ما عداها ... فالإجماع على الامتناع من هدم جدرانها أو تغيير بنائها أمر حقيقي واقع لا مرية فيه، وليس ذلك من خصوصيات الكعبة بل هو جار في كل مسجد، إذ من البديهي فيها أنه لا يجوز لأحد هدم أبنيتها ولا تغييرها عما هي عليه الآن من غير ضرورة أو حاجة ماسة" . انتهى . فاحفظه لينفعك تذكره في التنبيه عند منع هدم الجدار اليماني عند فقدإجماع ثقات المعلمين المتقنين المتقين على خربه وأيلولته للسقوط، وأنه لا يجوز هدمه لمجرد إلحامه بالجدر التي يبنونها عوض الساقط, لأن تحصيل هذا الغرض لا يرتكب له خرق حرمة البيت بهدم ما هو صحيح منه قائم وبتأمل ما ذكرنا يعلم أن المنع من هدم الجدار اليماني عند فقد الإجماع من ثقات المعلمين المذكورين منصوص عليه, لأن ما دخل تحت عموم كلامهم من جملة المنصوص عليه، كما في "شرح المهذب" للنووي)  .

و في هذا اليوم بدأوا في هدم الجدار الغربي للكعبة و إزالة الأخشاب التي سدوا بـها تجاويف أماكن سقوط الأحجار التي سقطت عند الإنـهدام . كما تم هدم بعض الجدار الشرقي (الذي فيه الباب) و كانوا يلقون بالحجارة على أرض المطاف داخل الحاجز الخشبي ليحمله العتالون .

و جاؤوا بالبكرات و نصبوها ، و بواسطتها تم إخراج عمودين من الأعمدة الثلاثة الحاملة للسقف ، و تم وضعهما أمام الباسطية عند مكان الحجارين ، و كانا سالمين إلا من تآكل في قاعدة أحدهما بسبب السيول ، أما الخشب الحامل للسقف (البساتل) فإنه تم التعامل في أمره كالتالي :
-السليم : وضعت بين حاشية قرب المطاف المقام الحنفي إلى محاذاة ما بين اليمانيين .
-التالف : وضعت بين سقاية العباس و قبة الشراب مع الخشب التالف الآخر .

و انعقد العزم على هدم الجدار اليماني و بدأ هدمه في يوم الإثنين 9 جمادى الآخرة . يقول (ابن علان) في (إنباء الجليل) عندما ذكر هذه الحادثة : (و الأمر لله الواحد القهار) . في يوم الثلاثاء 10 جمادى الآخرة أخذوا في هدم بقية الجدار اليماني .