كتاب يرصد رحلة طه حسين للحج.. رحلات الأعلام إلى البلد الحرام

يكشف كتاب "رحلات الأعلام إلى البلد الحرام" للكاتب محمد عبدالشافي القوصي، الكثير من تفاصيل وأسرار رحلة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين لزيارة المملكة العربية السعودية في عام 1955، لأداء فريضة الحج. 

ويشير الكتاب الصادر مؤخراً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في القاهرة إلى الكثير من المواقف والأحداث التي شغلت الكثير من الأدباء والمفكرين، سواء كانوا عرباً أو عجماً إلي أرض الحجاز، ويرصد أشهر الرحلات في القرن العشرين لأداء فريضة الحج، ويعلق على نصوص بارزة منها "الرحلة الحجازية" للخديوي عباس حلمي الثاني و"الرحلة الذهبية" لسلطان مالي منسي موسى، ورحلة المؤرخ خير الدين الزركلي، المسماة "ما رأيت وما سمعت"، ورحلة الثائر عبدالرحمن الكواكبي، المعروفة بـ"أم القرى"،  وما رواه الدكتور محمد حسين هيكل في كتابه "في منزل الوحي"، أو كتاب "الرحلة الحجازية النجدية" للعلامة العراقي محمد بهجة البيطار، و"رحلة الحجاز" للمازني، ورحلة شيخ الأزهر عبدالحليم محمود، ورحلة بنت الشاطئ المعروفة باسم "أرض المعجزات"، ورحلة الكاتب الصحفي أحمد بهجت التي سماها "الوقوع في هو الكعبة"، ورحلة القاص يوسف إدريس التي سجلها في كتابه "إسلام بلا ضفاف"، و"الطريق إلى مكة" للمفكر الألماني مراد هوفمان وغير ذلك من رحلات الحجاز.

ويركز الكاتب بشكل خاص على رحلة طه حسين للحج عام 1955 واستغرقت 19 يوماً، وكان لهذه الرحلة صدى واسع في كل مكان، وكان استقباله هناك مهيباً وعرساً لا مثيل له، حيث كان في استقباله العاهل السعودي، الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود، والأمراء والأعيان والوجهاء والأدباء والإعلاميون، واحتفت به المؤسسات الثقافية والهيئات العلمية جميعها.

كما استقبلته هناك بعثة الأزهر الشريف، وكان من بين أعضائها الشيخ محمد متولي الشعراوي، حيث كان يعمل أستاذاً بكلية الشريعة –فلم يقف الشيخ موقفاً سلبياً مجاراة لخصومة الأزهريين المعروفة –آنذاك – لطه حسين، بل على العكس، رحب به –الشعراوي- ترحيباً كبيراً وحياه، وألقى قصيدة طويلة احتفاءً به.

ويقول المؤلف إن طه حسين تعجب من تلك الحفاوة الكبيرة في الاستقبال، وهذا الاستقبال الرسمي والشعبي المهيب، فقال: "معذرة إليك يا صاحب السمو، ومعذرة إلى الذين تفضلوا فاستجابوا لهذه الدعوة من الزملاء والزائرين، معذرة عن هولاء المواطنين الذين أخطأوا موضع التكريم، ووجهوه إلى غير من كان ينبغي أن يوجه إليه، فقد أكثروا واشتطوا وأسرفوا على أنفسهم وعلى الناس.. وأقول لهم: دعوا أخاكم هذا الضعيف، وما قدم إليكم من خير قليل، واصنعوا خيراً مما صنع، وأخطر مما صنع، وأريحوه من إطالة الثناء: لأنها تخجله وتشعره بأنه يسمع ما ليس له الحق فيه"، وأؤكد أنهم قالوا فأسرفوا علي وعلى أنفسكم، ولكن نيتهم كانت خالصة، وقد قال نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، وهولاء قد نووا خيراً، وقالوا خيراً، فليعف صاحب السمو، فهم قد أخطأوا، فوجهوا الثناء إلى غير مذهبه، وقالوا المديح في غير أهله، وليذكروا أنهم هنا في هذه البلاد يمثلون وطنهم، وأن يقدروا أن إخلاصهم في حب هذا الوطن وجهدهم في خدمته، وفناءهم في ترقيته والمشاركة فيه مخلصين، إنما هو إخلاص لله قبل كل شيء، فهي أرض الله، فيها أشرق نور الله، ومنها انبعث هذا النور، فهدى أوطاننا جميعاً إلى الحق وسلك بها سبيل الخير".

 

 مكة و المدينة

وقد أعرب طه حسين عن سعادته بهذه الرحلة الحجازية فقال: "لقد تركت زيارتي للحجاز آثاراً قوية رائعة في نفسي، لا يمكن أن تصور في حديث أو أحاديث، وحسبك أنها الموطن الذي أشرق منه نور الإسلام، ونشأت فيه الحضارة العربية الإسلامية. وما أعرف قطراً من أقطار الأرض أثر في عقول الناس وقلوبهم وأذواقهم كما أثرت هذه البلاد، وكما أثر الحجاز فيها بنوع خاص".

ويقول طه حسين عن مشاعره نحو مكة والمدينة هما المدينتان المقدستان اللتان تهوى إليهما أفئدة المسلمين: من زارهما منهم ومن لم يزرهما، ولم أكن إلا واحداً من هؤلاء المسلمين الذين يزورون مكة والمدينة منذ شرع الله الدين الحنيف للناس.

وقد كتب الصحفي الكبير علي حافظ، رئيس تحرير جريدة الشرق الأوسط –يقول: "شوهد طه حسين أثناء وقوفه عند "الحديبية" وهو يأخذ حفنة من التراب ويقبلها.. وعندما سئل عن ذلك قال: "لعل الرسول صلى الله عليه وسلم وطئ هنا".

وينتقل الكاتب إلى خطاب طه حسين أمام العاهل السعودي، قال طه حسين: "كان الفرنسيون يتحدثون عن انتشار ثقافتهم في الأرض"، فيقولون: "إن لكل مثقف وطنين، أحدهما: الوطن الذي ولد فيه ونشأ، وأما الآخر فهو فرنسا التي تثقف فيها.. والذي أود أن أقوله: "لكل مسلم وطنان، لا يستطيع أحد أن يشك في ذلك شكاً قوياً أو ضعيفاً، وطنه الذي نشأ فيه، وهذا الوطن المقدس (الحجاز) الذي أنشأ أمته، وكون قلبه وعقله وذوقه وعواطفه جميعاً، هذا الوطن المقدس الذي هداه إلى الهدى، والذي يسره إلى الخير، والذي عرفه نفسه، وجعله عضواً صالحاً مصلحاً في هذا العالم الذي نعيش فيه".

كلمته في إذاعة صوت مكة المكرمة

كما ألقى طه حسين كلمة في إذاعة (صوت مكة المكرمة) قال فيها: "ما وقفت مثل هذا الموقف قط، إلا تذكرت دعوة أبينا إبراهيم ربه (واجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون). وما أروع التعبير بـ(أفئدة من الناس) في هذا الموضع الكريم، فالفؤاد في الإنسان خلاصة نفسه وروحه.. وأفئدة الناس –كرامهم وكبارهم وعظماؤهم – وإذا كان التبعيض والتقليل في كل شيء كريهاً إلى الناس، لأنهم يحبون الإسراف والوفرة والإسهاب في كل شيء.. فما أروع التبعيض في هذا الموضع، ثم عطف على الدعوة الأولى، الدعوة بالثمرات وفي هذا ما يفيد ثمار هذه الأفئدة من إنتاجهم واجتماعهم، وفي هذا ما يحقق المعنى الكريم الذي قصده الإسلام بفريضة الحج، وسنة العمرة، والاجتماع على الخير، والائتمار عليه، وهذا هو سبيل الإنسانية إلى الخير، وهذا هو ما يجعل هذه الفئة التي اختارها الله لجوار حرمه قادرة علي أن تؤدي واجبها كما فرضه الله عليها، وبذلك اختتمت الدعوة بـ(لعلهم يشكرون) حين يكونون بهذا أقدر على الشكر، وعلى حسن الجوار، وأداء واجبهم نحو الإنسانية والعروبة والإسلام.

وهناك تعرض لكثير من الأسئلة في مختلف القضايا.. ومن تلك الأسئلة التي طرحت عليه:

ما انطباعاتكم الروحية التي أحسستم بها عند قدومكم إلى هذه البلاد؟

ما أكثر ما ألقي علي هذا السؤال، وكان جوابي دائماً واحداً، وهو أن أول ما شعرت به وما زلت أشعر به إلى الآن هو هذا الذي يجده الغريب حين يؤوب بعد غيبه طويلة جداً إلى موطن عقله وقلبه وروحه بمعنى عام.

ما إحساسكم حين تجردتم في ملابس الإحرام؟ وبماذا دعوتم الله في المسجد الحرام؟

أؤثر أن يترك الجواب على هذين السؤالين لما بين الله وبيني من حساب، وإنه لعسير، أرجو أن يجعل الله من عسره يسراً.

بصفتك عميداً للأدب العربي.. كيف تنظر إلى مؤلفاتكم؟

لست عميداً للأدب العربي أولاً، وإنما هو كلام يقال وأعتقد يقيناً وصدقاً وحقيقة، وبكل إخلاص، أنني لم أوفق في تحقيق أمنيتي كما ينبغي، فقد قصرت في كل كتاب، ولذلك لا أوثر من مؤلفاتي شيئاً.

وماذا كان أول مؤلفاتك الإسلامية وآخرها؟

أولها كتاب "على هامش السيرة" وآخرها "مرآة الإسلام".

ما الشخصية التي استهوتك؟

أولاً رسول الله صلى الله عليه وسلم وثانياً عمر بن الخطاب، وثالثاً علي بن أبي طالب.

ما الذي تنصحون به رجال الثقافة في البلاد العربية والإسلامية؟

لا أنصح لهم، لأني أهون من ذلك، وإنما أتمنى أن يرفعوا الثقافة والأدب والعلم والفن فوق منافع الحياة المادية وأغراضها، وأن يؤثروها على كل شيء، وأن يتخذوها غايات لا وسائل، وهم مطمئنون إلى أن الرجل المثقف أنفع لنفسه وللناس من الرجل الجاهل، وأن العقول التي يقومها العلم ويزكيها الفن هي وحدها التي تستطيع أن تنتج، وأن تملأ الدنيا خيراً.

ويختتم مؤلف الكتاب الصادر في القاهرة قائلاً: "المؤسف أنه لم يتوقف الكتاب والباحثون عند هذه الرحلة وأحداثها، ربما لأنه لم يسجلها في مؤلفاته،أو لأنها ظلت حبيسة بطون الصحف السعودية دون أن يجمعها أحد. لكن، لا نعجب عندما نعلم أن أنه في كل مكان ذهب إليه طه حسين في جزيرة العرب، وجد حفاوة بالغة، وترحيباً حاراً.. فقد كانت شهرته ملأت الآفاق، وانتشرت آراؤه ومؤلفاته في كل مكان".

المصدر : العين الاخبارية 2019/5/30