عمر عبدالجبار مؤسس مدرسة الزهراء بمكة المكرمة

نبذة عن الشيخ عمر يحيى عبدالجبار

ولد بمكة المكرمة سنة 1320هـ  فنشأ بها وتعلم بها..تلقى تعليمه في بداية حياته بالحرم المكي على ايدي كبار العلماء آنذاك ثم التحق بالمدرسة العسكرية حيث تخرج من الكلية العسكرية في عهد الشريف حسين وكانت وظيفته ضابط اول عمل قام به.

في العهد السعودي نال عدة مناصب منها منصب مدير دار الايتام ومساعد مدير المعهد العلمي السعودي ومدير شرطة الاداب وضابط بالامن العام ومفتش في امانة العاصمة بمكة ومدير عام الجوازات.

رحل الى عدة بلاد عربية واسلامية منها العراق واندونيسيا وعدن وحضرموت وعمل على تعليم اللغة العربية ونشرها في اندونيسيا حيث لاتزال كتبه تدرس بها حتى الآن.

كان رائداً من رواد التأليف المدرسي وكان له في هذا المجال نشاط كبير. كما كان رائداً من رواد تعليم الفتاة بانشائه مدارس الزهراء للبنات في مكة. نشر بعض الكتب من غير مؤلفاته تدعيماً للحركة الثقافية مثل حياة سيد العرب، تاريخ الكعبة، تاريخ المسجد الحرام.كان عضواًَ في مؤسسة مكة للطباعة.

بذل جهداً في تأليف كتاب «سيرة وتراجم بعض علمائنا في القرن الرابع عشر للهجرة» الذي يتحدث عن علماء مكة المكرمة في تلك الفترة وقد قال الاستاذ عبدالقدوس الانصاري رحمه الله عن ذلك الكتاب انه منقبة سيذكرها تاريخ هذه البلاد بكل تقدير للمؤلف وسيكون هذا الكتاب عندها مرجعاً علماً قيماً ويدخل مؤلفه الفاضل التاريخ بعد حياة طويلة من باب اعتقد انه ضيق.

توفي رحمه الله بمكة المكرمة في 16/1/1391هـ ودفن بمقابر المعلاة وقد نعت مكة يومها واحداً من علمائها الافاضل الذين ماتوا وبقي ذكرهم وقد صدق من قال:

الناس صنفان: موتى في حياتهمُ
وآخرون ببطن الأرض أحياءُ

بدأت فكرة تعليم الفتاة
لم يكن ذكرنا للشيخ عمر يحيى عبدالجبار رحمه الله الا تمهيداً للحديث عن مدرسة الزهراء..المدرسة التي كانت نوراً مشعاً في مجال تعليم الفتاة..كان بداية تعليم الفتاة السعودية نابعاً من غيرة الشيخ عمر عبدالجبار رحمه الله على بنات بلده اذ لاحظ ان الشباب السعودي المتعلم يتزوج من خارج البلاد رغبةً في الارتباط بامرأة متعلمة تجاريه في تفكيره وتستطيع الاطلاع معه على الثقافات من خلال القراءة التي لم تكن تعرف الفتاة السعودية طريقها اليها فلم يكن في ذلك الوقت دوراً للتعليم غير الكتاتيب التي تخرج منها الفتاة حافظة القرآن الكريم دون معرفة الحروف العربية قراءة او كتابة..من هنا كانت الفكرة..

يقول الاستاذ محمد محمود حافظ :
«في امسية يوم من ايام عام 1378ه كان حديثاً شيقاً يدور بين صديقين جمعتهما رفقة العلم وزمالة الفكر..وصحبة المعرفة..كان هذا الحديث يجري منساباً بين شخصين مرموقين من ابناء المجلس الذي جمع ثاني اثنين: الشيخ حسين عرب والشيخ عمر بن يحيى عبدالجبار..كانت دائرة الحديث تتسع تدريجياً في نفس الوقت الذي اخذت تتسم فيه بميلاد فكرة رائدة سيكون لها اثرها وصداها الكبير في مجتمع مكة المكرمة وكان سؤال طرحه احدهما: يا ترى ما مصير فتياتنا في خضم هذه النهضة العمرانية والاجتماعية التي تعيشها مدن المملكة العربية السعودية..لقد قامت الحكومة بانشاء المدارس الحديثة للبنين في كل مدن المملكة على الاطلاق..حتى البوادي شملتها مشاريع التعليم ولكن هل نكتفي بتعليم البنين فقط..؟ كان هذا السؤال هو مادار في ذلك الاجتماع وكانت الاجابة عليه هي مثار الاهتمام في الايام الاخرى.

فتعليم الفتاة لم يكن في ذلك الحين بنفس المفهوم المبسط الواضح في هذه الايام.
اولاً: لان هذه التجربة لم يقدم عليها أحد من قبل وثانياً: لان هناك من يرى ان في تعليم البنات خروجاً نافراً على التقاليد فكان الاقدام على هذه التجربة محفوفاً بالمكاره من كل جانب وكانت العراقيل مرئية وظاهرة حتى قبل المباشرة بالخطوة الاولى في هذه التجربة. غير ان الصلابة والوضوح اللذين تمتع بهما الشيخ عمر عبدالجبار طوال فترة حياته وتجربته جعلته يقدم على هذه المحاولة دون تردد.

وقد لا نشعر في هذه الايام بالمدى الغريب للمجتمع الذي كان يعيش فيه اهالي مكة قبل عقود من السنين..والذي استطاع ان يواجهه الشيخ عمر عبدالجبار بدعم ومساندة الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله لاننا اتينا في ظروف تغيرت فيها الكثير من المفاهيم بل وتلاشى الكثير من تلك الصلابة فلم يكن يومها احد يجرؤ ان يتحدث بصوت عال عن أحقية المرأة في ان يكون لها شخصيتها العلمية المميزة والذين كانوا يملكون القدرة المالية والادبية على الاقدام كانوا يتهربون من مواجهة الصلابة السائدة ويرسلون فتياتهم يتعلمن في الخارج لذا عندما اقدم المرحوم عمر عبدالجبار في عام 1378ه على تبني تأسيس مدارس الزهراء لم يكن احد يتصور مبلغ المعاناة التي قوبل بها هذا المشروع الوليد..وبذلك كانت مدارس الزهراء اول مؤسسة تقوم في المملكة لتبدأ مرحلة اساسية من تعليم الفتاة السعودية التعليم العصري المنظم الذي يقوم على احدث النظم التربوية الحديثة مع مراعاة تامة للظروف والاوضاع التي تعيشها بلادنا..

مدرسة الزهراء
مدرسة الزهراء..اول صرح لتعليم الفتاة في تاريخ مكة المكرمة  المعاصر..اختار الشيخ عمر بن يحيى عبدالجبار المنطقة المناسبة «الزهراء» وهي منطقة تشتهر كمنتزه لاهالي مكة المكرمة لكثرة اشجارها وهدوئها الرائع واصبحت اليوم منطقة تعليمية لاحتوائها على العديد من المدارس والمعاهد.

لن نتحدث عن تلك المدرسة وكيف بدأت وكيف تطورت بل سنترك الحديث لشاهد من اهلها..السيدة نوال ابراهيم مديرة المدرسة في ذلك الوقت تقول في كلمة القتها في حفل اقامته السيدة فوزية الجفالي في مكة المكرمة احياء لذكرى مدرسة الزهراء وذكرى رائدها تقول السيدة نوال: «بدأنا العمل وكان مكتب الاستاذ عمر عبدالجبار خارج المدرسة لمقابلة اولياء الامور ومتابعة كل امور المدرسة الخارجية..توليت انا مقابلة الطالبات وتسجيلهن وتوزيعهن على الفصول الدراسية. اخذ ذلك مجهوداً كبيراً مني، تنسيق الفصول والجداول والمقابلات الشخصية والمناهج كل مدرسة حسب اختصاصها وقدرتها على العطاء الامثل. كان مكتبي مجهزاً بجهاز للاذاعة المدرسية وآلة كاتبة وآلة استانسل لطباعة اسئلة الاختبارات وكل ما يلزم فصول الطالبات مجهزة على اكمل وجه مع وسائل ايضاح للشرح، ساحة المدرسة مجهزة بالالعاب المسلية للاطفال غرفة الخياطة مجهزة بما يلزم لتعليم الطالبات فن الخياطة والتفصيل وكذلك غرفة التدبير المنزلي لتعليم الطالبات فن الطهي.

كانت مرحلة الروضة من بنين وبنات من سن ثلاث الى خمس سنوات بدأنا التدريس بمرحلتين فقط روضة وابتدائي المرحلة الابتدائية كانت من السنة الاولى الى السنة الرابعة وبعد اختبار الطالبات لنصف العام الدراسي للسنة الاولى من التأسيس فتحنا فصل خامس ابتدائي حيث تم نقل الطالبات المتفوقات في نهاية العام الدراسي. كانت نتيجة الاختبارات امتياز والحمد لله، كنانقيم حفل تكريم للطالبات في نهاية كل عام ندعو اليه امهات الطالبات للمشاركة في تكريم وتشجيع بناتهن بالنجاح».

حصل الطالبات على الثانوية العامة سنة 1385هـ ولم يتوقف طموح الطالبات عند حصولهن على الثانوية العامة بل تطلعن الى التعليم العالي ودخلن الجامعات وحصلن على درجات عليا وهاهن الآن طالبات مدرسة الزهراء منارات في العلم من طبيبات وحاصلات على الدكتوراة في العلوم المختلفة وفي اعلى المناصب في الجامعات والوظائف.

مناهج مدرسة الزهراء ونشاطها
لقد كان الكتاب المدرسي وخاصة للمراحل الابتدائية معدوماً فقام الشيخ عمر بن عبدالجبار رحمه الله بتأليف كتب مبسطة للاطفال تتفق مع مبادئ البلد وتعمق روح رسالتها الاسلامية في نفوس الناشئ. وعن المنهج التربوي في التأليف للاطفال كتب الاستاذ يحيى الحاج يحيى في جريدة الندوة الصادرة يوم الثلاثاء 15/5/1405ه مقالاً بعنوان «عمر عبدالجبار» والمنهج التربوي في التأليف للاطفال قال فيه «ان امارة نجاح شعر الطفولة ان ينال اعجابهم مباشرة دون واسطة وان يكون ذا هدف ومعنى وقد صيغ بلغة بعيدة عن الكنايات والاشارات الضمنية يدخل ضمن تجاربهم ويتحدث عما يثير عواطفهم البريئة ومشاعرهم الرقيقة» يستشهد ببعض الاشعار التي الفها الشيخ للاطفال وعلق عليها وكيف انها اوضحت للطفل الصفات الحسنة مثل الامانة وطاعةالوالدين وغرسنا في نفسه قيماً دينية وتربي الطفل على الاخلاق الفاضلة اما عن الانشطة فقد ساهمت هذه المؤسسة العلمية في ابراز المواهب الفكرية والفنية فانشأت مجلة خاصة تصدرها المدرسة وبها مقالات وطرائف من اعداد الطالبات كما اقامت المعارض التي تعرض انتاج الطالبات من الاشغال والتطريز والرسم وايضاً الاطباق المنوعة في فن الطهي.

ومع كل هذا التنظيم والترتيب الجديد الذي لم يبؤ بالفشل لم ينس الشيخ عمر توفير المواصلات للطالبات حتى يسهل عليهن الانتقال من والى بيوتهن فاشترى الحافلات التي تضمن نقلهن في المواعيد المحددة وتتقاضى اجوراً رمزية مقابل هذه الخدمة وكان رحمه الله يشرف على كل صغيرة وكبيرة في هذه المؤسسة بنفسه فيتحمل بنفسه مشقة السفر للتعاقد مع الكفاءات العلمية مع الدول العربية لادارة هذه المدرسة..واخيراً يجدر بنا القول ان هدف المرحوم عمر بن يحيى عبدالجبارلم يكن مادياً ابداً فقد وصل في بعض الايام الى ان ينفق على المدرسة اكثر مما تنتج ولم يتوان في الا ستمرار لان هدفه هو العلم والتعليم.

إعداد د.عادل صلاح عمر عبدالجبار , تهاني عمر يحيى عبدالجبار | صحيفة الجزيرة