مكّتي وشلال الضياء ... لــ محمد إسماعيل جوهرجي

مكّتي وشلال الضياء

قُـمْ حَـيِّ ((مكّـةَ)) وارْسُـم نَاعِـمَ الكَلِـمِيــا
أيُّـهـا الشّـاعـرُ الغـرِّيـدُ فــي الـحَــرَمِ
حَـــيِّ الأُبـــاةَ سُـــراةَ الـقــومِ مُجْـتـلـيـاً
مَـعــازِفَ الـشَّــوْقِ بـالأَشْـعــارِ والـنَّـغَــمِ
مِـن أَرضِ ((مـكّـة)) شَــعّ الـنّـورُ مُؤْتلـقـاً
وَجْـهـاً يُجَـلِّـي عَـتَــامَ الـلّـيـلِ والـسُّــدُمِ
هَــذا ((حِــراءٌ)) عـلـى مَـــرْأى يُطالِـعُـنـاِ
نْـديــلَ ضَــــوْءٍ يَـفـيــضُ الــنُّــورَ لــلأُمَــمِ
قـدْ خصَّـهُ ((اللَّـه)) بالتّنـزيـلِ فَانْقَشَـعَ
تْسُــودُ الغَمَـائِـمِ فــي الأَمْـصـارِ والـتُّـخُـمِ
وجَـــاءَ ((جِـبْـريــلُ)) بِــالآيــات مُـعْـجِــزةً
اقْــرَأْ ((مُحـمّـدُ)) قــولَ الـحـقِّ واستَـلِـمِ
فَـــراحَ يَـرْكُــضُ فـــي خَـــوفٍ وَمَـوجِـلَــةٍ
لـمـا تَـغَـشَّـاهُ مِـــنْ نُـــورٍ وَمِـــنْ عِـظَــمِ
قالت ((خَديجةُ)) هلْ تَخْشَى مُجانَفَـةً؟
وَأنْتَ في النّاس تُقري الضَّيفَ من عَدَمِ؟
وَأنْــتَ فـــي الـنّــاس أخـــلاقٌ مُـطـهَّـرةٌ
وَصــوْتُ عَــدْلٍ.. وبَـيْـتٌ فـــارعُ الـشَّـمَـمِ
جـاءتْ لـ((وَرْقَــةَ)) تحْـكـي أَمْــرهُ عَجَـبـاً
فقـالَ.. لا ضيْـرَ يـا بْـنَ السّـادةِ الشُّـهُـمِ
هــذا هُـــو الـحــقُّ قـــدْ بـانَــتْ دلائـلُــهُ
فاسْتَلْهِـمِ النُّـورَ فـي رِفْـقٍ وفـي حَـمَـمِ
يــا لـيـت أنِّــي أعـيـشُ الـعُـمْـرَ أطْـوَلَــهُ
حتـى أرى الـنُّـورَ شَفَّـافـاً عـلـى الأُطُــمِ
قـدْ جــاءَ ذِكْــرُكَ فــي الـتَّـوْراةِ مُسْتَبِـقـاً
يحـكـي بـأنّـكَ نُــورُ الـحـقِّ فــي الظُّـلَـمِ
مِنْ ((مَهْبِط الوَحي)) فاضَ النُّورُ مُنْتَشراً
يَهْـدي الخَلائـقَ مِـنْ عُـرْبٍ وَمِــنْ عَـجَـمِ
قوْمـي هُمُـو الصِّيـدُ أهـلُ العِلْـمِ مَعرِفـةً
والـنُّـبْــلِ والــرُّشْـــدِ والإِدْراكِ والـفَــهَــمِ
كـانُـوا هُــداةً إلــى التّوحـيـدِ سَعْيُـهُـم
وشَـدُّوا الرَّكـائِـبَ لا يخْـشَـوْنَ مِــنْ عَـتَـمِ
اسْتَنْهَضُـوا الدِّيـنَ فـي أعماقِهِـمْ وَهَـجَـاً
فــكــانَ كـالـنُّــورِ يَـهـديـهِــم وكَـالـعَـلَــمِ
جازوا إلى ((الصِّين)) والإيمانُ مِشْعلُهُم
يَــدْعــون لـلـحَــقِّ والأَخْــــلاَقِ والــكَــرَمِ
مـا كــانَ يَنْـشُـدُ أَهْـلـي هَـتْـكَ مَحْـرَمـةٍ
أَوْ يَـلـحـقُـون مُــفِــرَّاً واهِـــــيَ الــقَـــدَمِ
شَــدُّوا الـوِثَـاقَ عـلـى عَــزْمٍ يُـوحِّـدهـم
فكـان مـا كـان مِـن فَـتـحٍ.. ومِــن عِـظَـمِ
كـم هذَّبـوا الـنَّـاسَ بِـالأَخْـلاَقِ يحفـزُهُـ
منـورٌ مِـنَ الدِّيـن فــي الأجـنَـابِ والهِـمَـمِ
وكــان فيـهـم ((رســولُ الـلَّـهِ)) سـيِّـدُنَـا
يدعـو إلـى الحَـقِّ فــي صَـبْـرٍ وفــي وَأَمِ
أسْـرى بـه ((اللَّـهُ)) ليـلاً والـدُّجَـى أَلَــقٌ
فـبـاتَ يَـعْـرُجُ للأسْـمَـى.. مِــن الـقِـمَـمِ
((بالرُّسْلِ)) صَلَّـى إمامـاً وهـو سيِّدُهُـمْ
فــجـــاء ذلـــــك إخــــــذَاءً.. لِـمُـغْـتَـمِــمِ
يــا سـيِّـدَ الـخَـلـقِ مَـالــي مـــا أُنَـمِّـقُـهُ
مِـن البَيَـان سِـوَى شـعـري ومُنتظِـمـي
لا يـبـلـغُ الـشّـعـرُ مـهـمـا كـــان قـائـلُــهُ
مـدحَ ((النَّبـيِّ)) ولـو فيـضـاً مــن الـدِّيَـمِ
كـم بـتَّ تدعـو إلـى التّوحـيـد مُحتسـبـاً
وتَـرْكِ مـا كـانَ مــن سَـقْـطٍ ومِــن لَـمَـمِ
بلـغْـتَ يــا سـيِّــدي المـعْـصـومَ مـنـزِلـةً
لـم يـرْقَ فيـهـا أُولُــوا عــزمٍ مِــن الأُمَــمِ
أوْحــى لــكَ ((الـلَّـهُ)) أن بـلِّــغ رسـالَـتـهُ
فـجِـئـتَ بـالـحـقِّ والتّـشـريـع والـحِـكَــمِ
كـم خَصَّـكَ ((اللَّـهُ)) بالإعْـجَـازِ فانفـجـرت
بـيــنَ الأصـابــع عَـيْــنٌ عَـذْبَــةُ الـطُّـعَــمِ
أَسْقَـيْـتَ صَـحْـبَـكَ والأَنْـظــارُ شـاخـصـةٌ
تستَلـهِـمُ الـنُّـورَ بـالإحْـسـاسِ كالـحُـلُـمِ
وفي ((حُنينٍ)) يجيء ((الـرُّوحُ)) يسْأَلُـهُ
هَلْ أسْحقُ القومَ بالأجْبالِ فـي التُّهـمِ؟
فكُنـتَ بالرِّفْـقِ تـدعـو رُغــم مــا جَهـلـوا
رَبّــاهُ.. هَـدْيـاً فــإنّ الـقـومَ فــي صَـمَــمِ
أَنِــرْ ((إلـهـي)) طـريـقَ الـرُّشْـد مُغْتَـفِـراً
فـأَنـتَ أكْــرَمُ مَـــن يُـرْجــى.. لمُعْـتـصِـمِ
حمَـلْـتَ للـنّـاسِ ديــنَ ((الـلَّـهِ)) مُـؤْتَــزِراً
بالـصَّـبْـرِ والـلِّـيــنِ والأخــــلاقِ والــكــرمِ
وَكُـنـتَ فــي الـرُّسْـل آخــرَ مــن يُبلِّغُـنَـا
رِسـالــةَ الـدِّيــنِ فــــي بِــــرٍّ كمُـخْـتَـتِـمِ
اخْـتــاركَ ((الــلَّــهُ)) للـتّـوحـيـدِ تـحْـمِـلُـهُ
وللهِدايـــــة إكْـلــيــلاً.. مِـــــنَ الـنُّــجُــمِ
أَفْضَـيْـتَ للـنَّـاسِ أنّ ((الـلَّــهَ)) خالِـقُـهُـم
وليـسَ فـي الحـقِّ مـا يدعـو إلـى البَـرَمِ
((فالـلَّـهُ)) حــقٌّ ((إلــهٌ)) لـيـس يُـعـجِـزُهُ
كُثْـرُ السُّـؤال لمـنْ يرجـوهُ ـفـي عَـشَـمِ
ولـيـس بالـعـقْـل نُـحْـصـي أَمْـــرَهُ دَرَكـــاً
فالعقْلُ في النّفْـس محـدودٌ علـى نُظُـمِ
لكنّـمـا الـنُّــورُ فـــي الأعْـمــاق يُـبْـصِـرُهُ
جَلَّـتْ لـه الـذَاتُ عـن وصـفٍ وعـن زَعَــمِ
وَيَـــومَ ((بَـــدْرٍ)) دعَـــوْتَ الـلَّــهَ مُرتَـجِـيـاً
نَـصـراً إلـــى الـدِّيــنِ لا نـصــراً لمُغْـتَـنَـمِ
فــأَزَرَتْــكَ جُــنُــود ((الــلَّـــهِ)) مُـرْسَــلَــةً
تَـرمـي بِسَهْـمِـكَ بُرْكـانـاً مِـــنَ الـحُـمَـمِ
حَـسْــبُ الـمَـلائِـكِ أَنْ هَـبَّــتْ مُـنـاصِـرَةً
بــأَمْــرِ ربِّــــكَ زِلــــزالاً.. مِــــنَ الــضَّـــرَمِ
فـكــانَ نَـصْــرٌ عــلــى الـكـفَّــارِ مَـبْـعَـثُـهُ
صِــــدقُ الـعـزيـمـةِ والإِيــفَـــاءِ لـلــذِّمَــمِ
فتحت ((مكّة)) تُنجي الدِّيـنَ مـن سَفَـهٍ
قـــد عَـــمَّ بالـجـهـلِ والـعُـبَّــادِ لِـلـصَّـنَـمِ
دخـلْـتـهـا الـصُّـبْــحَ بالـتـكْـبـيـرِ مُـبْـتَـدِئــاً
فأستشْـعـرَ الـقــومُ آيَ الـحُــبِّ والـــرَّأَمِ
فكنـتَ أهـلاً لـمـا أُعْطـيـتَ مــن شَــرٍ
فتُعـامِـلُ الـنـاسَ فــي بـــرٍّ وفـــي رَحِـــمِ
أزْكَـى الصّـلاة علـى ((طــه)) مُشَفِّعِـنـا
والصَّحْـبِ والآل.. مـا قامـتْ علـى الأَكَـمِ
بِـيـضُ الحَمَـائِـمِ يَـشْـدو صـوتُـهـا غَـــرِداً
يفْـتَـرُّ بالشُّـكْـرِ والتَّسـبـيـحِ فـــي نَـهَــمِ
إليـكِ يـا ((مكَّـتـي)) والـشّـوقُ يُلْهِبُـنـي
بـيــن الـجَـوانِـحِ جـيّـاشـاً مِـــن الـنَـظَــمِ
أهـدي الـسّـلامَ لأرضٍ طــابَ مَسكَنُـهـا
بــالأمْــنِ بـالـحُــبِّ بـالـخـيـراتِ بـالـنِّـعَـمِ
مَـــن ذا يـلــومُ مُـحـبَّـاً جـــاء يَـنْـشُـدُهـا
وَمـــنْ يـلــومُ مُـشـعًّـا بـالـهـوى الـعَــرِمِ
يستَنْـطـقُ الـبَـوْحَ فــي أعـمـاقِـهِ وَلِـهــاً
ويـرْسُــمُ الـشّـعْـرَ ألــوانــاً عــلــى الأَدَمِ
يسْتَمْسـكُ البـابَ والأسْـتَـارَ فــي أمَــلٍ
أن يَقْـبَـلَ ((الـلَّـه)) تَــوْبَ العـائِـدِ الـنَّــدِمِ
فـ((الـلَّـهُ)) فــردٌ ـإلــهُ ـالـعــرش نَطْـلُـبُـهُ
لـمــا نُـحِــسُّ مـــن الإحْـبــاطِ.. والأَلَــــمِ
يــا غـافِــرَ الـذَّنْــبِ إن الـنّـفـسَ مُثْـقـلـةٌ
بـمـا تُـواريـهِ مِـــن سَـــفٍّ ومـــن كَـظَــمِ
فـكُــن وِجَـائــي لـيــومٍ بَـــاتَ يَنْـظُـرُنـي
فـأَنْـتَ أكـــرَمُ مَـــن يُـرْجَــى لِمُنْـسَـقِـمِ
واغْفِـرْ ((إلـهـي)) ذُنُـوبـي إنَّـنـي طَـمِـعٌ
لفـيـضِ جــودِكِ بِالإِصـفـاحِ عــن لَمـمِـي
وامْـنُـنْ عـلـى الخـلـقِ يــا ربَّــاهُ مغـفـرةً
مــن فيـضِـكِ الـثّــرِّ تـمْــحُ زَلَّـــةَ الـقَــدَمِ


محمد إسماعيل جوهرجي