شواهد القبور

على ذكر شاهد القبر الذي عُثر عليه مؤخراً في حدود مقبرة المعلا بمكة المكرمة ، الذي يرجع إلى العصر المملوكي ،  المؤرخ بشهر ذي الحجة سنة ٦٧٨ هج .

تجدر الإشارة إلى أنّ هناك العشرات من تلك الشواخص ، أو الشواهد ، أو أحجار القبور في مقبرة المعلاة ،  وهناك دراسات تناولتها من حيث نوع الخط ،  والعبارات الدعائية وعناصر الزخرفة التي تحملها ، والألقاب الواردة فيها .

وكان بمكة  في تلك الحقبة خطاطون  لهذه الشواهد . يذكرُ الدكتور عبدالرحمن بن علي الزهراني في كتابه القيم  الذي درس فيه نحو مئة شاهد من مقبرة المعلاة بمكة، وعنوانه ( كتابات إسلامية  من مكة المكرمة ، ق ١-٧ هج/ ٧ -١٣م  ) : إلى أن  مكة المكرمة كانت سوقاً رائجة لصناعة الشواهد وكتابتها طوال العام ، واللافت ورود نقوش مذيلة بأسماء خطاطين مكيين في أماكن خارج مكة المكرمة .  كما ذكر إن بعض الشواهد خاصة غير المؤرخة ، كانت تعمل لأصحابها حال حياتهم ، حيث يلاحظ أحيانا إضافة التاريخ في اي مساحة متوافرة وبخط مغاير ."

الدكتور الزهراني وفي الدراسة نفسها جاء على ذكر عدد من الخطاطين المكيين ممن اشتهروا بهذه الصناعة ، منهم : " إبراهيم، ورد اسمه على نقش بعبارة وكتبه إبراهيم،  و ابن يحيى ، وأحمد بن إسحاق التنوخي،  وأحمد بن قرة  ، وعبدالرحمن بن فتوح المكي ، المعروف بابن حرمي  ".
 
تلك الشواهد كانت أشبه ماتكون بوثائق تاريخية تعريفية توضع على القبر للتعريف بصاحبه ، ناهيك عما تحمله من خصائص فنية أثرية . يذكرُ ان أقدم شاهد قبر معروف إلى الآن، ذاك المحفوظ في متحف الفن الإسلامي  بالقاهرة ، ويرجع تاريخه إلى سنة ٣١هج ، أورده الخطاط محمد طاهر الكردي في كتابه (الخط العربي ) وأشار إلى أن  ما وجد على جبل سلع بالمدينة المنورة ، ربما هو أقدم منه .

 كان أحد المؤرخين المكيين وهو جمال الدين محمد بن علي بن محمد العبدري الشيبي ( ت ٨٣٧ هج ) قد أدرك أهمية هذه الشواهد من الناحية التاريخية ، فقام بجمع عدد من الشواهد ، وصل عددها نحو  ٢٣ حجراً ، من المعلا بمكة ، وقام بقراءة العبارات الواردة في النقش ، ثم أتبع بدراسة تاريخية عن شخصية صاحب الشاهد . يقول محقق الكتاب الشريف منصور أبورياش :" إن ما تطرق إليه الشيبي في هذا الكتاب يعد فريداً، فلم يسبقه أحد في التأليف على هذا المنوال، كما لم يقلده أحد بعده.."

ولقد أدرك المؤرخون المكيون أهمية تلك الشواهد في توثيق تاريخ وفاة العلماء والأمراء وغيرهم ،  من ذلك الفاسي في العقد الثمين ، أذ يذكر عبارة :" نقلت هذا كله من حجر قبره في المعلاة " .  وابن فهد في كتابه الدر الكمين ، اذيقول في خاتمة بعض التراجم :" هكذا رأيت ذلك مكتوبا في حجر قبره بالمعلاة ".

هناك دراسات حديثه تناولت عدداً من تلك  الشواهد من مقبرة المعلاة ، منها دراسة أستاذنا، ا.د. محمد بن فهد الفعر الشريف يرحمه الله ، ودراسة أخرى قام بها ا.د. ناصر الحارثي يرحمه الله،  ودراسة ا.د.  سعد الراشد ، ودراسة ا.د احمد الزيلعي،  ودراسة د. عبدالرحمن الزهراني المشار إليها أعلاه  " كتابات إسلامية من مكة المكرمة"  . و مؤخراً صدرت دراسة حديثة عن شواهد قبور الأشراف،  للنسابة الشريف ضياء العنقاوي.

بقلم د.عبدالله العبادي ( باحث في موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة )