المسجد الحرام ..و الصورة المزعومة

في عام 1433هـ | 2012م نُشر في أحد المدونات موضوع بعنوان "عيد مكة الدستوري: ان كنت تبغي مُلك مكة فاعلمن .. ان المليك بها هو الدستور" ويحتوي على صورة يدعي أنها تعود لخطبة العيد بالحرم المكّي عام 1908م/1325هـ وفيها الشيخ أحمد بن عبدالله مرداد، شيخ الأئمة والخطباء على المنبر، والشريف حسين بن علي، شريف مكة، يتقدم الصفوف بعمامته السوداء التي درج على ارتداءها في المناسبات الدينية.

في السنوات التالية انتشرت هذه الصورة فيما بعد على مواقع كثيرة في الشبكة العنكبوتية وكذلك على مواقع التواصل الاجتماعي كانتشار النار في الهشيم, ثم تلقفت الصورة مواقع أخرى شيعة وادعوا أنها لإمام شيعي يؤم في المسجد الحرام, وكلٌ يتغنى بها كيفما شاء.

فما حقيقة هذه الصورة ؟ وما علاقتها بالحرم المكي الشريف؟ وهل تصح نسبتها إليه ؟
في هذا الموضوع سأقوم بتحليل الصورة وتبيين ناشرها الأصلي ومدى ارتباطها بالمسجد الحرام ومكة المكرمة عموما ؟


أول ناشر للصورة!
قمت بعمل بحثٍ عن الصورة لمعرفة مصدرها ومن هو ناشرها وهل اختلطت عليه الصور لينسبها إلى مكة! وبعد جهد جهيد ونضال مرير لإيجاد مصدرها الأساسي, وجدتها منشورة في صحيفة (L'Illustration) الفرنسية المشهورة, في عددها رقم (3428) ليوم السبت السابع من شهر نوفمبر لعام 1908م, حيث كانت ضمن تقريرٍ  عن مكة المكرمة وفريضة الحج وجزء من التاريخ الإسلامي, حسبما فهمت من محاولة الترجمة من الفرنسية, حيث انتقيت عدة مقاطع من هذا الملف الصحفي الغريب.


تصفحت التقرير فوجدت صورًا أخرى منسوبة زورا لباب الكعبة المشرفة ومنظرا آخر للصلاة, كذلك صورة لتجار ماء زمزم على حد زعمهم, وصورة أخرى يدعون أنها لأئمة المسجد الحرام يتوسطهم رئيسهم.

والحقيقة تبدو واضحة, فالأشخاص وملابسهم كالعمائم السوداء والعباءة التي يرتدونها في الصور نفس ملابس أهل العراق وإيران وأرجح أنهم من العراق, وسنأتي بتفصيل ذلك.

كما أنهم نشروا مجموعة أخرى صحيحة للمسجد الحرام تبين الكعبة المشرفة ومعالمه وجعلوها مختلطة بالصور التي من العراق لتضيف شيئا من المصداقية في الموضوع, على الرغم من أن أي متخصص في الصور التاريخية لمكة المعظمة سيجد البون الشاسع بينها ومدى عدم تطابق معالم الصور فيما بينها, مما يجعلنا نشكك من هدفهم بعمل هذه المغالطات والتي أعتبرها مقصودة منهم والله أعلم بغرضهم من ذلك.

منبر  المسجد الحرام
نرى في الصورة منبرا مختلف تماما عن منبر المسجد الحرام والذي ظل فيه 434 عاما حيث أمر بصنعه السلطان العثماني (سليمان القانوني) عام 965هـ ووضع في الحرم عام 966هـ  وظل فيه حتى عام 1400ه/1979مـ حيث تحطم على يد الفئة الباغية في الحادثة المشهورة, وقد صنع من رخام أبيض بديع و مزين حفر عليه نقوش و زخرفة متقنة , وهو مكون من ثلاث عشر درجة كل درجة بعرض 80 سم

وبالنظر إلى الصورة المرفقة أعلاه نشاهد مدى اختلاف شكل المنبر الموجود في الصورة المزعومة  وواضح أنه من مصنوع من خشب عادي جدا بطريقة بسيطة مقارنة بالمنبر الرخامي المتقن الصنع!

في عام 1908م /1325هـ التقط المصور (محمد علي أفندي السعودي) صورة لمنبر الحرم المكي وقت صلاة الجمعة في موسم الحج والتي نشرت فيما بعد في كتاب (مصور في الحج) والأعلام السوداء منصوبة عليه التي تدل على دخول وقت الصلاة ويظهر اثنين من الأغوات معتلين درجات المنبر أحدهما واقف والآخر جالس وهم في انتظار الخطيب ليقدُم ويلقِ الخطبة .


عدم وجود معالم ظاهرة للحرم المكي
مما يبين أن الصورة المزعومة  ليست من رحاب المسجد الحرام أنه كان يحوي معالما عديدة داخله تحيط بالكعبة المشرفة, حيث أن من المستحيل أن تكون هناك مساحة شاسعة في الحرم دون أن يظهر فيها أي معلم معروف كالأروقة مثلا, وبما أن زاوية التقاط الصورة المزعومة كانت من خلف المنبر وبالأخذ في الاعتبار موقعه من المسجد فكان ينبغي أن يظهر على الأقل جزء من رواق الحرم في أفق الصورة وتحديدا رواقه الشرقي الذي كان مواجها له وأيضا كان يجب أن يظهر باب بني شيبة ومقام سيدنا إبراهيم نظرا لقربهم منه , ونرفق صورة ملتقطة و(مقربة) من المصور ميزرا عام 1906م – 1323هـ مقاربة لهذه الزاوية توضح الشكل الذي ينبغي أن يكون عليه المنظر!

وأبدى السيد حسن العبدالله رأيه عن الصورة في أحد النقاشات عبر منصة تويتر بقوله : " نعم هناك اشتباه كبير في نسبة هذه الصورة للحرم المكي والواقع أنها صورة مأخوذة في صحن الكاظم عليه السلام إن لم تخني الذاكرة."

لباس الناس ليس من جزيرة العرب
هيئة المصلين لا تبدو أنها لأهل مكة أو سكان الجزيرة العربية بألبستهم المعروفة كالعمائم المزخرفة المميزة والعقل المقصبة على أقمشتها المتنوعة, كما أنه لا يظهر أي أحد في الصورة يرتدي لباس الاحرام, حيث أن من البديهي وجود الحجاج بما أن الصورة ملتقطة أثناء موسم الحج ! ويظهر لباس المصلين في الصورة المزعومة أقرب لملابس الشيعة في العراق وإيران وملبسهم معروف شكله.

الشريف و الشيخ
من الزعم أيضا أن من في الصورة الشريف حسين بن علي أمير مكة متقدما الصفوف بعمامته السوداء! ورغم أن الحسين له صور كثيرة إلا أننا لم نشاهد له صورة واحدة على الأقل بعمامة سوداء وجلها إما يكون مرتديا عمامته البيضاء المعروفة أو العقال على الغترة, وإليكم نموذجا من صوره أدناه, كما أن سحنته مختلفة تماما عن الشخص الذي في الصورة.

كما تذكر المدونة أن الإمام الواقف على المنبر هو الشيخ أحمد أبو الخير مرداد والذي من المستحيل أن يكون هو الذي في الصورة, لأن لبسه يخالف لباس أئمة الحرم وقتها الذي كان مكونا من العمامة البيضاء والجُبة, ولأن ليس لديه صورة ملتقطة على الإطلاق .

ختاما, نستنج مما سبق أن الصورة لا علاقة لها بالمسجد الحرام أو بمكة المكرمة على الإطلاق حسب الدلائل و التوضيحات, ولابد من البحث والتحري عن الحقائق من المصادر أو سؤال ذوي الخبرة والاختصاص .

موضوع خاص بموقع قبلة الدنيا من اعداد : بدر بدرة | معالجة الصور : حسن مكاوي