أجياد

أحمد صالح حلبي
مع استمرار الحجر المنزلي وجدت أن الفرصة مناسبة للإبحار داخل مكتبتي الصغيرة والتنقل بين أرففها لاصطياد معلومة من كتاب أو مرجع تجيبي على اسئلة قد توجه لي يوما ، وحتى لا أقف محرجا أمام السائل ، خاصة إن كان السؤال متعلق بمكة المكرمة .

ولأن حي أجياد واحد من أبرز أحياء مكة المكرمة ، ويقع بالقرب من الحرم المكي الشريف ، وعادة تكون أسئلة الزائرين لمكة المكرمة عنه ، فقد وجدت أن الفرصة مناسبة للحديث عنه بعد أن توفرت لدي معلومات بكتاب " حارة أجياد " لمؤلفه الدكتور زكريا يحي لال ، أستاذ تكنولوجيا التعليم بجامعة أم القرى ـ يرحمه الله ـ ، والصادر ضمن "سلسلة كتاب الرياض" برقم  174 .

كما شدني كتاب " حارات ومعالم جوار المسجد الحرام " ، لمؤلفه الدكتور فوزي بن محمد بن محمد عبده الساعاتي أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة أم القرى .

وبين الاثنان تنقلت مقتطفا معلومة من هنا وأخرى من هناك ، مبتدئا بتعريف الدكتور زكريا لأجياد بقوله : " عُرفت أجياد أو جياد من الجيد، وهو العنق، والجمع أجياد مثل حمل وأحمال، وقيل بأن أجياد جمع جواد أو جياد من الخيل، وتطلق على الذكر والأنثى، وقد جاء ذكر أجياد في شعر الأعشى ميمون بن قيس إذ يقول:

فما أنت من أهل الحجون ولا الصفا             ولا لك حق الشرب من ماء زمزم

ولا جعل الرحمن بيتك في العلا                  بأجياد غربي الصفا والمحرم

ولأن التعريف بداية فإن هذا يعني ضرورة الاستناد الذين قال الدكتور زكريا أنهم قسموا " أجياد إلى قسمين فقالوا أجياد الكبير، وأجياد الصغير، ويقصدون بأجياد الصغير المكان المعروف اليوم بأجياد السد لعدم وجود منفذ، وهو يبدأ من أوائل باب أجياد ويسير منعطفاً نحو الشمال الشرقي وينتهي بخطم جبل خندمة الفاصل بين أجياد وشعب أبي يوسف، وأجياد السد أصبحت ذات منفذ يربطها بحي العزيزية أنفاق متعددة للمركبات وأخرى للمشاة وصولاً للبيت الحرام " .

ويرى الدكتور زكريا أن " حدود أجياد من ساحة باب أجياد الحرم المكي ثم مستشفى أجياد الذي يتوسط الحي، وقد تم هدمه في سنة 1430هـ/2009م حيث سيقام المبنى البديل بجواره إلى الداخل من رباط البهرة، وبجوار المستشفى عمائر الأشراف التي كانت تعتبر في الماضي أحد أهم معالم أجياد، وتم بناء جزء كبير منه يطل على حارة أجياد وهو مبنى أوقاف الملك عبدالعزيز الذي يعد من ناطحات السحاب في العالم، وبجواره فندق مصر سابقاً، وفي الجهة المقابلة فندق أجياد مكارم الذي أخذ جزءاً من مبنى وزارة المالية بالسابق "

ومن تعريف لتقسيم ثم حدود ، يوقفنا الدكتور زكريا لال أمام الدوائر الحكومية التي تواجدت بالحي ، ومن أهمها : المالية ومطبعة الحكومة ، القضاء والمحكمة الشرعية وكتابة العدل ، الأمن العام ، البلدية ، دار الأيتام ، مقر الموسيقى العسكرية - ثكنة العسكر ، البريد العام ، السجن ، ـ المرستان ، التكية المصرية ، فندق مصر ، فندق شبرا ، مديرية المعارف ، مطبعة قريش ، ومن الكتاتيب : كتاب الماحي ، وكتاب الخوجة ، وكتاب الخياط ، أما المدارس فمنها المدرسة الفخرية العثمانية الابتدائية ، والمدرسة السعدية الابتدائية، النموذجية الابتدائية، المنصورية الابتدائية، خالد بن الوليد المتوسطة المعهد العلمي السعودي.

وقد أورد الدكتور زكريا أن جريدة الندوة ، كانت تقع في حي أجياد ، و " صدرت عن دار الندوة للطباعة والنشر، في مكة المكرمة لأول مرة يوم الأربعاء 26 فبراير من عام1958، وبرغم أن صاحب الامتياز أحمد السباعي تملك ترخيص صحيفة يومية، إلا أنها صدرت مؤقتاً بصفة أسبوعية، ثم بدأ إيقاعها يتسارع بإصدار عددين، ثم ثلاثة، في الأسبوع، وبعد أحد عشر شهراً توقفت الندوة للمرة الأولى في تاريخها في 18 يناير/ كانون الأول من عام 1959 " ، ثم " اندمجت الندوة مع جريدة حراء –التي أصدرها صالح محمد جمال- وصدرتا تحت اسم الندوة، في 30 يناير من عام 1959"

وكما أورد الدكتور زكريا لال اسم جريدة النـدوة كمنشأة صحفية بحي أجياد ، أود مستشفى أجياد ضمن المعالم البارزة بالحي ، غير أنه لم يتناولها بالتفصيل الذي أورده الدكتور فوزي الساعاتي ، في كتابه  " حارات ومعالم جوار المسجد الحرام " ، فبين أن البناء الذي كان عام 1288 هــ / 1871 م ، لم يكن بهدف إنشاء مستشفى بل كان بهدف توفير مقر " للمدفعية العثمانية من دورين سفلي و علوي من الحجر , خصصت بعض عنابر الدور السفلي كمربط للدواب , و الاخر لمصنع الزليج اللازم لتفريش المستشفى ، ثم حول الى مستشفى عسكري لخدمة جنود الدولة العثمانية وكبار المسؤولين في الدولة " .

و نظرا لموقعه المتميز المجاور للمسجد الحرام ولرغبة سلاطين الدولة العثمانية في ان الحاج و زوار بيته و الاهالي هم أحق بالرعاية الصحية , اجريت ترميمات على المبنى في سنة 1299هـ ليصبح بسعة 70 سريرا ومع ازدياد ضيوف الرحمن و الاهالي في خلال سنة 1360هـ و لغاية سنة 1370هـ استلزم اضافة 30 سريرا و ايضا اضيف في سنة 1380هـ 80 سريرا كما زودت الغرف و العنابر بالمرواح , ما سبق من التوسعات جعلت الطاقة السريرية للمستشفى حوالي 180 سريرا . وفي سنة 1384هـ وصل عدد السرر الى 200 سريرا .

وتمت إزالة المبنى عام 1430 هــ نتيجة التصدعات والتشققات التي لوحظت على المبنى بعد معاينة لجنة مكونة من الدفاع المدني والهيئة العليا لتطوير مكة المكرمة والشؤون الصحية .

ورغم إزالة مبنى مستشفى أجياد العام ، إلا أنه تم افتتاح  مستشفى أجياد للطوارئ ببرج الساعة ليكون مجاورا للحرم المكي الشريف ، لاستقبال الحالات الطارئة من المرضى أو المصابين في الحرم والمنطقة المركزية المحيطة بالحرم المكي الشريف.

وتبلغ سعته السريرية 32 سريراً للطوارئ، و 20 سريراً للتنويم، و 12 سريراً للعناية المركزة العامة، و 8 أسرّة للعناية المركزة الخاصة بمرضى القلب, إضافة إلى قسم الأشعة وهو مجهز بتقنيات حديثة من جهاز أشعة مقطعية وجهاز ايكو للقلب وجهاز أشعة صوتية وأجهزة ما بين ثابت ومتحرك لعمل الأشعة العادية، إضافة إلى قسم المختبر وهو مجهر بجميع الأجهزة الحديثة لعمل جميع الفحوصات المخبرية الطارئة، وكذلك قسم الصيدلية وهو مجهز بجميع الأدوية اللازمة للحالات الطارئة كما تم استحداث خدمة عيادتي طوارئ بالمستشفى.