المعلم الشيخ: عبد القادر عبدالكريم مجلّد

ليست هي نقوش على الحجر والآجر والطوب والرخام في واجهات جدار المباني وداخلها فحسب، إنما هي نقوش في القلوب تكونت وتنوّعت وتعددت من جمال النفس، ومن طبيعة المكان، ومن أضلاع هندسة روحية، ومن أنشطة مرآة المجتمع بما تعكسه من شئون وصور متحركة مرئية ومحكية عبر تداول الرواة.
 
وهنا بمكة بقية شواهد تاريخية من بيوت ومعالم وأعلام ومجسمّات لا تزال شاهدة على أعمال تلك النقوش بطلائها وألوانها وزخارفها فنية واجتماعية واقتصادية وتاريخية.. على طُرزٍ تحكي علومهم وأفكارهم ومهاراتهم ومسارات طرقهم وفجاجهم، وإشاداتهم بارزة في عارضات المباني وبين الصناعات وعلى جداريات المنشآت.. في (كورنيش) الأسطح وأطراف الجدار وتحت السقوف، في الواجهات وعلى القوائم والدكاك.. ليس هذا فحسب، بل في كل ركن وشبر وحيز تربة من أرض مكة بين أبنائها في أحيائها وفي المدن المجاورة فهم من مشوا بينها للبناء والنقش.
 
نقوش تروي خطوات عصرهم وتجلو مجار حرفهم وفنونهم وعشقهم وثقافتهم التي باتت بمراسم جهودهم تزاول تبادلات الحب بطلاء الصفاء والوفاء حين يبذلون السخاء، حتى وهم في حرارة الشمس كانوا يرفعون أصواتهم بسلوات وحكايات عذاب تطرب الآذان، وزخارف تسابق الأعيان..
 
حين تسعى في صباح باكر، وحين تؤوب مساء في الغروب.. وقد حمدت سرحاتها ولملمت عدّتها لتسترخي من أتعابها على أسرّة مضاجعها..إلى يوم قابل لتصحو مجددًا سعياً في بطحاء مكة بين أزقتها وطرقاتها وبرحاتها وأسواقها، بين زمزمها وصفائها، بين جبالها وسهولها وشعابها، بين مقاصد أهلها في كادر الحياة على مرّ أيامها وأشهُرها.. بل وبين قلوب الوالهين بذكرها عبر قوافل الحُب والشوق بآثار الحجيج إلى مِنى والمحصّب وبين ظلال المنحنى.. وظلال الرواشين وأمام شواخص المجسّمات المكية.
 
إنها نقوش محامد وآثار جهاد توقفنا في جانب آخر على مشاهد ثقافات وحضارات شعوب بدلالات جغرافية وتاريخية وإنسانية.. بكهوفها وبيوتها بمساجدها وقِبابها ومآذنها، بقصورها وردهات مجالسها، برسوم قائمة السواري وجمال قاعات السرايا.
 

المعلم الشيخ: عبد القادر عبدالكريم مجلّد

تاريخ و مكان الميلاد 1312هـ بمكة المكرمة.
الحارة والسكن: حارة الباب ـ جبل الكعبة: منزله العامر بجوار منزل الشيخ عبد الله خياط إمام وخطيب المسجد الحرام، رحمه الله، وبجوار بيوت آل غندورة.

الجيران في الحارة
منهم: الشيخ عبد الله خياط، رحمه الله أمام الحرم الشريف، الشيخ محمد باجمال، الشيخ محمد غندورة وأولاده حسين غندورة والمهندسين عبد العزيز غندورة و سليمان و هاشم و موسى و عبد الحميد، الشيخ محمد طيب.. الشيخ عبد الله فودة، السادة علوي وسالم وعمر الجفري.. ومجمع السادة آل البار (السيد عيدروس البار والسيد بكر البار وابناءهم الافاضل السيد عبد القادر البار و السيد علي البار و السيد حسن البار و السيد عبد الله البار والسيد فضل البار والد الدكتور أسامة البار أمين العاصمة المقدسة ـ سابقا)

الأصدقاء: من أصدقائه في حارة الباب : محمد بن علي بن يحي اليماني احمد محمد صالح اليماني ، حسين أحمد اليماني، أمين قمرة، عمر با دحدح.

المهنة والأعمال : مقاول ومنقّل و نقّاش

مقاول من الدرجة الأولى ومنقّل ورسّام نقّاش، أشرف مع أولاده رحمهم الله جميعاً على إعادة ترميم (وتنقيل) الكعبة المشرفة في عهد الملك عبد العزيز والملك سعود بن عبد العزيز رحمهما الله.. خاصة في بناية الحرم القديم المعروف بالرواق العباسي، حيث زيّن قبابه بالرسوم والزخارف التراثية الإسلامية من الداخل وعليها توقيعه بالاسم في أكثر من ثلاثة مواضع أمام الأبواب الرئيسة للحرم المكي الشريف.

. وعمل معه في هذا وتحت يده أولاده وبعض رجالات مكة، منهم (صهره) جمال أحمد فارسي. كما يذكر المؤرخ محمد طاهر الكردي في كتابه التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم (1385 هـ) الجزء الرابع صفحة 79

وكان يجتمع كل ليله عند صلاة المغرب بالمسجد الحرام مع عمّاله ومساعديه ثم ينتقل بهم إلى قهوة الإسطنبولي في حي الهجلة، ويتداولون أمور البناء ويوجّهم إلى أعمال الفرش بالبلاط.. إذ كان يمتاز بخبرته في فرش البلاط المنقوش.. ثم عمل لاحقا في أمانة العاصمة المقدسة بوظيفة مهندس معماري لما له من الخبرة في هذا المجال


بداية النقش والسيرة

يمتاز الشيخ عبد القادر(رحمه الله) بمهارات فنية في التنقيل والنقش والرسم حيث تعلم النقش بجهده منذ كان يتابع المعلّمين والفنانين السابقين الذين كانوا يرسمون على الأوراق ويطبعونها على الجدار ثم يلقون بها، فيأتي الشيخ عبد القادر ويجمعها ويعود بها إلى منزله ويلصقها ويعيد رسمها مرة أخرى ليحفظها لديه.

وبهذا أصبح يجيد الرسم على الجدار خاصة بالألوان، وكانت رسوماته عبارة عن زخارف وفواكه وأشكال تراثية جميلة.. وقد طبق مثل هذه الرسومات في بيته العامر على سقف وجدران مجلس الضيوف، وكان أيضاً يجيد النجارة والحدادة.

وحينما أتقن وتفنّن في النقش وذاع صيته في مكة المكرمة بالنقّاش، سمع به الشيخ عبدالله السليمان وزير المالية في عهد الملك عبدالعزيز، رحمهما الله، فدعاه وطلب منه نقش قباب الحرم الشريف في الرواق العباسي القديم، وبعد الانتهاء كتب اسمه في ثلاث مواقع من القباب وبالتحديد عند باب دريبة، وباب العمرة وباب أجياد..

فسرّ بذلك الملك عبد العزيز والشيخ عبدالله السليمان، فطلب إليه إبن سليمان المشاركة في بناء قصره الكائن إلى الآن في حي (جرول قبّة) المطلّ على (القبة) المنسوب إليها الحي وهي على ما يُروى قبة الشيخ محمود بن إبراهيم بن أدهم..

وبعد إتمام البناء عمل ورسم مجسّما في أعلاه لسيارتين في الواجهة الأمامية، من مادة (الجبس) إحداهما في الجهة الغربية أمام مدرسة تحفيظ القرآن الكريم، والثانية في الجهة الجنوبية، (موجودة في أعلاه حتى اليوم).. كما عمل في جهة أخرى من المجسّم رسم المصحف الشريف وبعض الأقلام.

وقد أعجب الشيخ عبدالله بين سليمان، بذلك وقال له: ما هذا يا شيخ عبدالقادر؟ فقال: هذه سيارات وستأتي إلى مكة بإذن الله، ولم يكن قد انتشرت السيارات بمكة،(لأن أول سيارة أدخلت مكة كان في عهد الشريف الحسين) وبمرور الزمن انتشرت السيارات بمكة، فكان من أوائل من اقتنى السيارات الشيخ عبدالله السليمان والشيخ عبدالقادر مجلد.(وغيرهم ربما نذكرهم في ذكريات لاحقة إن شاء)

وقد عمل في تشييد القصر قرابة ثمانين رجلا بقيادة المعلم حسن وزيرة سنة 1351هـ تقريباً، ولا يزال قائماً إلى اليوم.. توفي الشيخ عبدالقادر في 1392هـ بمكة المكرمة.


أبناء الشيخ عبدالقادر مجلد

1 . إبراهيم عبدالقادر مجلد (الولادة ـ ١3٤٣هـ الوفاة ـ ١٤١٩هـ) (أعمال حرة واشتغل في الحرم) رحمه الله: معلم منقل وكان يعمل في التنقيل والدهان وأراد الله له أين يسقط من الرحمانية (السقالة حالياً) التي كانت تُشدّ بالحبال.. فسقط من الدور الرابع والله الحمد لم يصب بأذى سوى رضوض بسيطة.
وبعد توقفه عن عمل المباني عمل بالحرم المكي الشريف في مشروع النظافة كأمثاله من أبناء مكة المكرمة، كما كان رحمه الله شديد الحرص على مجالسة العلماء من علماء مكة المكرمة أمثال:
1 السيد عيد رومي البار 2 السيد عبدالقادر البار 3 السيد فضل البار
4 السيد علوي المالكي 5 السيد محمد أمين كتبي 6 السيد بكر البار
7 السيد علي البار 8 السيد حسن البار 9 السيد حسن مشاط.
10 الشيخ حسن يماني.
وكان يلازم مجلس السيد محمد علوي المالكي، ومن جلسائه في المسجد الحرام: الشيخ عبد عبدالله بصنوي، والشيخ خليل السليماني، وكان آخرهم رفيق دربه وأمين سره الشيخ العم عبدالله سندي، رحمهم الله.
وكان شديد الحرص والمداومة على الصلاة في المسجد الحرام، وأخذ من هؤلاء العلماء الشيء الكثير والفضل العظيم حيث استفاد من علومهم.

وكثيرا ما أمتعنا أعيننا متلذذين بالنظر إلى الكعبة المشرفة أمام الحجر والميزاب، ومن تحت المأذنة والمكبرية الشمالية، في صحبة عم إبراهيم مجلد، وعم عبدالله سندي، وهما ثنائية جميلة الطلعة في تلك الشرفة، حتى قيامهما في مساء الجمعة للذهاب إلى مجلس السيد علي بن عيدروس البار في ساحة إسلام، وعن ذلك المجلس فقد يطول حديث الذكريات، ربما نؤخره إلى أن يأذن الله لمن يشاء ويرضا.

2 .  عبد الكريم بن عبد القادر مجلد (الولادة ـ ١٣٤٤هـ الوفاة ـ ١٤٢٢هـ) (مقاول ومطوف) رحمه الله.
3 .  عبد الله بن عبد القادر مجلد الولادة ـ ١٣٤٥هـ الوفاة ـ ١٤٠٩هـ) (مهندس في البلدية) رحمه الله.

بقلم : عبدالله محمد أبكر