عبيدالله بن الإسلام.. من عبادة الأوثان إلى التدريس بالمسجد الحرام

لم يدر بخلد ذلك الفتى الهندي، وهو يمارس طقوس قومه السيخ في حجر خاله الوثني؛ أن شعاعاً قادماً من بلاد الحرمين سيلمع في جبينه وينشله من الظلمات إلى النور، حين (رأى يقظة أن نقطة من النور حاذت بين عينيه، ثم دخلت في قلبه، فوجد برداً وسكينة، وألقي في روعه أنه سيدخل في دين الإسلام)، وكان في سن 16 عاماً، فانكب على قراءة كتب الإسلام لأعلام الهند في زمنه، حتى أنطقه الحق كلمة التوحيد على يد شيخ فتوحه السندي، فانطلق طالب علم نهماً، فعالماً نحريراً مؤثراً في مجتمعه وفي كل مكان يرحل إليه.
 
النشأة والتحصيل العلمي
ولد عبيدالله في التاسع من محرم عام 1289هـ في بلدة (سيالكوت) بالهند لأسرة وثنية، وتعلم العلوم الأولية في إحدى المدارس الإنجليزية، وقد رغبت نفسه في الإسلام، فانكب على قراءة الكتب الإسلامية لعلماء الهند فترة من الزمن، ثم هاجر إلى بلاد السند عام 1304هـ وأعلن إسلامه على يد الحاج محمد صديق السندي، واشتغل بالعلم وسافر إلى (الملتان) ومنها إلى (ديوبند) وقرأ على شيوخها.
 
وسافر إلى أفغانستان عام 1333هـ وشجعه أميرها (حبيب الله خان) على محاربة الحكومة الإنجليزية بالهند، وقد قامت حكومة هندية مؤقتة قاومت الإنجليز حتى نالت أفغانستان استقلالها عام 1337هـ، ولكن النفوذ الإنجليزي كان يقوى في البلاد حتى ضيق على عبيدالله السندي، فهاجر إلى موسكو عام 1341هـ وبقي بها تسعة أشهر درس خلالها الفلسفة الشيوعية ونظامها، ومنها سافر إلى تركيا، ثم حط رحاله بمكة المكرمة عام 1344هـ، ووافق ذلك انعقاد المؤتمر الإسلامي الأول بها، وجاور هناك مدة خمسة عشر عاماً، بعدها عاد إلى وطنه الهند.
 
شيوخه وتلاميذه
من شيوخه: الشيخ محمود حسن الديوبندي، الشيخ حسين بن محسن الأنصاري، الشيخ نذير حسين بن جواد علي الدهلوي. كما أخذ بمكة المكرمة عن كل من المشايخ: عبدالستار بن عبدالوهاب الدهلوي، عبدالله بن محمد غازي الهندي، عبدالقادر بن محمد معصوم المجددي، عبدالوهاب بن عبدالجبار الدهلوي، أحمد بن عثمان بن علي الهندي، عباس بن جعفر بن الصديق المكي، علي بن ظاهر الوتري المدني، نور الحسنين الهندي.. وغيرهم.
 
ومن كبار من تتلمذ عليه من مشايخ مكة المكرمة: السيد علوي بن عباس المالكي، السيد إسحاق عزوز، الشيخ عبدالله بن عبدالغني خياط، الشيخ المسند محمد ياسين الفاداني، الشيخ محمد نور المرشد المكي، الشيخ عبدالوهاب الدهلوي، الشيخ سليمان الصنيع، الشيخ محمد السندي المدني، الشيخ عبدالله الحجازي، الشيخ محمد عبدالرزاق حمزة، الشيخ عبدالظاهر أبو السمح، الشيخ محمد التويجري.
 
أعماله
درس بمدرسة (دار الرشاد) في بلاد السند فترة من الزمن.
أسس (جمعية مؤتمر الأنصار) في (ديوبند).
أسس نظارة المعارف بفناء المسجد الفتجوري في (دهلي) بالهند.
تولى منصب وزير الداخلية في حكومة الهند المؤقتة بأفغانستان فترة من الزمن. درس بالمسجد الحرام 15 عاماً.
اختير مدرساً بمدرسة المطوفين في المسجد الحرام عام 1348هـ.
 
وبعد هجرته إلى مكة المكرمة عقد حلقته بالمسجد الحرام عام 1345هـ، وكان من أوائل مدرسي المسجد الحرام الذين عينهم الملك عبدالعزيز عام 1347هـ، وكانت حلقة درسه في حصوة باب الداودية كل صباح، واستمر بها حتى عام 1358هـ حيث عاد إلى وطنه الهند. 
 
دروسه في رحاب الحرم
كانت له دروس في الحديث والتفسير، وقد ذكر الكتب التي درسها في حلقته بالمسجد الحرام بمقدمة كتابه (التمهيد) كالتالي: موطأ الإمام مالك، موطأ الإمام محمد الشيباني، والرسالة للإمام الشافعي، وأطراف من كتاب الأم للإمام الشافعي، وكتاب المسوى من أحاديث الموطا، وكتاب الفوز الكبير بأصول التفسير، وكتاب (حجة الله البالغة) لولي الله بن عبدالرحيم الدهلوي، وأصول الفقه لمحمد إسماعيل الدهلوي، وشرح النخبة للحافظ ابن حجر، وما يتعلق بأصول الحديث من مقدمة صحيح الإمام مسلم، وكتاب العلل من جامع الترمذي، ورسالة الإمام أبي داود إلى أهل مكة.
 
وذكر تلميذه الشيخ عبد الله خياط أنه درس عليه بالحرم كتاب (تنوير الحوالك شرح موطأ مالك)، وذكر أيضاً تلميذه المحدث المسند الشيخ محمد ياسين الفاداني بعض الكتب التي درسها عليه بالحرم وهي: الصحيحان، وسنن أبي داود والترمذي والنسائي، ومسند الدارمي، والمستدرك للحاكم، والورقات للجويني، والتقريب للنووي، والمسايرة للكمال بن الهمام.
 
أسلوبه في التدريس
كانت طريقته في دروس الحديث تقوم على شرح مصطلحاته، وعلى الجمع والمقارنة بين الأحاديث، وعلى الاستنباط وإيراد أقوال العلماء وشروحهم. 
أما طريقته في التفسير فقد كانت على طريقة الإمام ولي الله الدهلوي، في التوضيح والاعتبار، وطريقة الإمام عبدالعزيز الدهلوي من الإمعان في توجيه ربط الآيات، مضافاً إليه أبحاث علماء العصر الحديث ما كان موافقاً لطريقة المفسرين المحققين. 
 
إنتاجه العلمي
لم يشتغل الشيخ عبيدالله بالتأليف، وليس له سوى كتاب وحيد ألفه بمكة المكرمة اسمه (التمهيد في أئمة التجديد)، وكتب مقالة عن الشيخ ولي الله الدهلوي في العدد الخاص بمجلة الفرقان الشهرية، وهذا ما علم من مكتوباته مطبوعاً بالعربية.
 
دوره الاجتماعي والثقافي
كان الشيخ عبيدالله مشغولاً بنهضة المسلمين وإنقاذ الخلافة الإسلامية من الانهيار ومقاومة الاستعمار، من ذلك دوره البارز في استقلال أفغانستان حينما اتصل بأميرها، إضافة إلى جهاده الفكري ودعواته إلى الإصلاح السياسي في رحلاته إلى أفغانستان وموسكو وتركيا، واستمر على ذلك ديدن حياته، حتى جاور مكة المكرمة، فانصرف عن السياسة، وانقطع للعلم وإفادة طلابه بالمسجد الحرام وفي بيته، مؤثراً التعليم فقط لا غير، حتى أنه كان يقاطع الاجتماعات والندوات على الرغم من ماضيه السياسي.
 
وفاته
بعد عودة الشيخ عبيدالله إلى الهند بخمس سنوات توفي -رحمه الله- ببلاد السند في قرية (دين بور) في الثالث من شهر رمضان لعام 1363هـ، وقد ترك وراءه ذكراً وعلماً وطلاباً حملوا راية الإسلام ونشر الدعوة.

المصدر : المجلة العربية | بقلم : حسن محمد شعيب | 2015/6/14م