مكة المكرمة في عهد الدولة السعودية الأولى

حينما أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أمره الكريم «باعتماد يوم 22 فبراير من كل عام إجازة رسمية، للاحتفاء بتأسيس الدولة السعودية، باسم يوم التأسيس»، عادت بي الذاكرة لفترة زمنية مضت وقفت فيها قارئا لكتاب (إدارة مكة المكرمة في عهد الدولة السعودية الأولى) أولا من: 8 محرم حتى آواخر شهر ربيع الأول 1218 هــ / 1803 م، ثانيا من: 1221 هــ ــ 1227 هــ / 1806 م ــ 1812 م، لمؤلفه الدكتور عبدالله بن محمد المطوع، والذي صدر في طبعته الأولى عام 1430 هــ ــ 2009 م، في مئة وسبعة وعشرين صفحة من الحجم المتوسط، وهو كما يقول المؤلف «بحث نشر في مجلة الدارة، دارة الملك عبدالعزيز: العدد الأول السنة الرابعة والثلاثون 1429هــ / 2008م» ومن محاسن الصدف أن حظي هذا البحث بقراءة من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز «خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حاليا» وسجل عليه جملة من الملحوظات أخذت بها، فله مني جزيل الشكر وعظيم الامتنان».

وضم البحث خمسة فصول، تناول الأول توطئة وفيها أوضح الباحث أن «الدولة السعودية الأولى اشتهرت خصوصا في أثناء مدة البحث وهي المدة الأخيرة من حكم الإمام عبدالعزيز بن محمد ومدة حكم الإمام سعود بن عبدالعزيز ـ بقوتها العسكرية والسياسية، ونفاذ سلطتها وتطبيقها تطبيقا صارما في كل الأماكن التي وصلت إليها وأصبحت جزءا من تلك الدولة «، وتطرق الباحث للتغيرات « السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية التي أدخلها السعوديون الأوائل في إدارة مكة المكرمة خلال سنوات حكمهم التي كانت على فترتين:

الأولى: أقل من ثلاثة أشهر، وامتدت ما بين 8 محرم حتى أواخر شهر ربيع الأول 1218 هــ / 1803 م

الثانية: سبع سنوات وامتدت ما بين سنة 1221 هــ / 1806 م حتى سنة 1227 هــ / 1812 م.

وفي الفصل الثاني تطرق الباحث للحكم السعودي الأول بمكة المكرمة مشيرا إلى أن السعوديين بدؤوا يؤثرون « في سير الأمور في مكة تأثيرا واضحا بعد ضم الطائف الذي يعد بحق بوابة مكة من جهة الشرق، ولذا فإن دخول السعوديين لها كان إنجازا مهما في طريقهم إلى مكة «، وحصل سكان مكة على الأمن والأمان من سعود بن عبدالعزيز إلى كافة أهل مكة والأغوات والعلماء وقاضي السلطان.

ونصت الرسالة على: «السلام على من اتبع الهدى، أما بعد.

فأنتم جيران الله وسكان حرمه، آمنون بأمنه، إنما ندعوكم لدين الله ورسوله: «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُون»، فأنتم في وجه الله ووجه أمير المسلمين سعود بن عبدالعزيز، وأميركم عبدالمعين بن مساعد، فاسمعوا له وأطيعوا ما أطاع الله والسلام».

وفي الفصل الثالث تناول الباحث الإدارة الدينية موضحا أنه «عندما تجمع الناس، وكان من بينهم بعض علماء مكة، خطب فيهم الأمير سعود بن عبدالعزيز خطبة طويلة... وفي ختام الاجتماع طلب منهم الأمير سعود البيعة ثم جلس، فبايعه الشريف عبدالمعين ثم المفتى عبدالملك القعلي، ثم القاضي ثم بقية الناس».

وفي الفصل الرابع تناول الباحث الإدارة الاجتماعية مبينا ما عاناه المجتمع المكي كثيرا إبان سنوات الحرب وما صاحبها من حصار اقتصادي وغلاء بالأسعار، صاحبه في بعض الأحيان قحط، وبين أن الأمير سعود بن عبدالعزيز أدرك ما لحق بالمجتمع المكي من ضرر وتخلخل حتى قبل أن يدخل مكة في المرة الأولى، فأراد أن يهدئ من روعهم، وأن يطمئنهم: ولذا أرسل كتاب الأمان ليقرأ على الناس في المسجد الحرام.

وفي الفصل الخامس تناول البحث الإدارة الاقتصادية، وبين الباحث أن السعوديين أبطلوا الضرائب والمكوس التي كانت تؤخذ من سكان مكة، لكنهم لم يتدخلوا كثيرا في شؤون مكة الاقتصادية، فبقيت كثير من المناشط الاقتصادية من بيع وشراء وأعمال حرفية وخدمية يديرها أهلها بالطريقة السابقة نفسها.

واختتم الباحث بالقول: إن الدولة السعودية الأولى تمكنت «من ضم مكة المكرمة وحكمها مدتين، كانت الأولى في نهاية عهد الإمام عبدالعزيز بن محمد لوقت قصير جدا لم يتجاوز ثلاثة أشهر، في حين كانت المدة الثانية في عهد الإمام سعود بن عبدالعزيز وامتدت لسبع سنوات».

المصدر : جريدة الرياض |
أحمد صالح حلبي | الأحد 27 جمادى الآخرة 1443هـ