مجالس مكية

مجالس مكية
——
خالد محمد الحسيني

منذ أيام والدي رحمه الله عرفت مجالس في مكة المكرمة كانت تستضيف على مدار الأسبوع، أو في يوم مُحدد، حضور من مختلف طبقات المجتمع، بعضها ربما يُطلق عليها مجلس ثقافي، يضم رواد الأدب ومجالس يحضرها نُخب مختلفة من رجال الثقافة والإعلام والأعمال، وتُقام هذه المجالس في البيوت واستمرت سنوات طويلة، وبعد رحيل أصحابها أو غيابهم لظروف العمر أو الصحة، تراجعت ثم اختفت فجأة، ومضت السنوات وبقيت الأسماء في ذاكرة من عاشها أو كان أحد حضورها.

هذه اللقاءات أو الجلسات أو كما يُطلق عليها من سنوات "الصالونات" لم يبق منها إلا عدد قليل عُرف بين الناس بعضها لها اهتمامات مُحددة والبعض الآخر مجالس عامة أسبوعية تستضيف تكريم شخصيات عامة أو بعض المسؤولين السابقين أو الحاليين أو هي لقاءات لا ترتبط في نشاطها بتكريم أو حديث مسؤول بقدر ما جمعت بين ذلك وبين أن تكون مجالس للقاء أصدقاء اكتسبت مع مرور الأيام أسماء لها: الأحدية، الاثنينية، الثلوثية، الربوعية أو الأربعاوية، أو مجلس يوم الجمعة.

أذكر هنا بعض هذه المجالس التي لا زال بعضها مستمر لأكثر من ستة عقود في مكة وجدة، ولعل من أشهرها مجلس أو صالون "الثلوثية" الذي بدأ من أواخر السبعينات الهجرية في مكة وسُمي "ثلوثية السطح" بحضور الشيخ عرابي سجيني رحمه الله، وعدد من رجال مكة، ثم أصبح يُقام منذ أكثر من نصف قرن ولازال في دار المستشار محمد سعيد طيب في جدة مساء كل يوم "ثلاثاء"، وشكّل حضوراً في المجتمع واستضاف خلال سنواته عدد كبير من كبار المسؤولين أمراء ووزراء ورجال ثقافة وإعلام ومال من داخل المملكة وخارجها، بل كان في أوج سنواته ملتقى لرواد الأدب خلال أول التسعينات الهجرية ولا زال لليوم.
 

كما يُعد مجلس الشيخ عبدالرحمن فقيه في مكة من أشهر المجالس بالمملكة وتجاوز عمره الآن أكثر من ستة عقود، ثم صار يُعقد من سنوات في مكة وجدة والهدا بعض ظهر "الجمعة"، وهو لقاء أصدقاء من مختلف الاهتمامات يستضيف صاحبه رواده في داره مع تقديم طعام "الغداء" نهاية المجلس، ويحرص الشيخ عبدالرحمن على عقده حتى في حالة سفره للخارج، وهناك جلسة شبه يومية للشيخ كامل أزهر رحمه الله في داره في مكة، ومجلس الأستاذ علي أزهر رحمه الله في داره في مكة بحي الزاهر مساء كل أحد، وقد حضرت خلال السنوات الماضية حتى ما قبل ربع قرن مجلس الشيخ الوجيه عبدالباري صالح بوقري رحمه الله في دارهم الشهيرة والتي تُعد من أبرز العمارة القديمة في مكة في النزهة أو هي تحديداً مجاورة لساحة إسلام مساء كل سبت.

ومن أكثر من ثلاثة عقود لقاء "الاثنينية" في دار الشيخ عبدالمقصود محمد سعيد خوجة رحمه الله في جدة، والذي بدأها والده في مكة، ويُعد من أشهر المجالس في بلادنا، حيث ساهم في تكريم أدباء كبار وشخصيات ومسؤولين من داخل المملكة وخارجها ووثق إنتاجهم الأدبي والمعرفي، وفي جدة مجلس المستشار محمد عمر العامودي بعد مغرب "الخميس" رواده من رجال الأدب والإعلام والأعمال،ومجلس الأستاذ علي حسن جمال  في مكة في بيته منذ اكثر من نصف قرن لأصدقائه من مختلف طبقات المجتمع وفي مكة لقاء "الروحة" في دار السيد محمد حسن فدعق، واستمر المجلس الآن في دار ابنه السيد عبدالله في جدة، ويغلب على المجلس درس ديني وعلمي مساء كل يوم أحد، وأيضاً أسبوعية الأديب الأستاذ الدكتور عبدالمحسن القحطاني في داره في جدة مساء الأربعاء لتكريم أصحاب الاهتمامات الأدبية، ومن الواجب أن أذكر بعض ما أتذكره الآن من مجالس مكية كُنت أحد حضورها ومن ذلك "سبتية" الدكتور المهندس عبدالقادر حمزة كوشك رحمه الله في بيته في مكة وجدة والهدا، وهو مجلس للأصدقاء ومجلس الشيخ عبدالحميد قطان رحمه الله في داره في مكة، ومجلس صديقنا التربوي والكاتب والصحفي محمد أحمد الحساني بعد ظهر الخميس والجمعة ومن سنوات الجمعة والسبت في داره في مكة، والمجلس الثقافي والأدبي في دار الدكتور عبدالعزيز سرحان في مكة مساء يوم الثلاثاء، والمجلس اليومي للشيخ إبراهيم سندي رحمه الله في داره في مكة للأصدقاء، ومنتدى صديقنا الأستاذ عبدالحميد كاتب رحمه الله في داره مساء الأحد من كل أسبوع والذي عُرف بـ"منتدى الأحبة" ومنتدى الشيخ محمد صالح باشراحيل رحمه الله الذي يُقام في دار أبنائه في مكة لتكريم أدباء ورجال أعمال وإعلام وأصحاب الاهتمامات الثقافية وبعض المسؤولين، وأيضاً "اثنينية" الدكتور أحمد نافع المورعي في داره في مكة، وفي جدة مجلس صديقنا الدكتور واصف كابلي رحمه الله "منتدى الروضة" يوم الجمعة، وديوانية الدكتور زهير غنيم في مكة، وهناك مجالس تُعقد فقط خلال شهر رمضان المبارك.

أختم بسؤال: هل استمرت بعض هذه المجالس بعد رحيل أصحابها؟ للأسف أكثرها لم يستمر، وبقيت ذكرياتها لدى من حضرها بصفة دائمة أو كانت لهم مشاركات فيها، ومن الجدير أن اذكر أن هناك في أكثر مناطق ومحافظات المملكة مجالس ومنتديات وصالونات ولقاءات استمرت سنوات وانتهى بعضها بمرض أو رحيل أصحابها بعد أن ظلت لعقود. إنها دورة الحياة. وأعتذر إن فاتني تذكر مجالس مكية أو في جدة.