فندق الكعكي في مكة المكرمة قصة أقدم فندق بالسعودية

قبل أربع سنوات، جرت إزالة أقدم فندق في السعودية، وذلك في منطقة جياد بمكة المكرمة، لصالح أكبر توسعة للحرم المكي.

وبنى الفندق الذي يحمل اسم «الكعكي» قبل 98 سنة، مؤرخاً لكثير من الأحداث التاريخية وكثير من الاجتماعات الحكومية.

ظل هذا الفندق مقصداً لكبار الشخصيات الذين رأوا فيه جمال الإقامة وتوفير أفضل الخدمات الفندقية مروراً بإنشاء أول مصعد لفندق في السعودية، وكذلك المطعم الشهير بوجباته المصرية انتهاءً بالآلة البخارية التي كانت تغذي غرف الفندق بالماء الحار في فصل الشتاء.

محمود طه محمد (60 سنة)، أحد المؤرخين لتلك الحقبة التاريخية، ذكر لـ«الشرق الأوسط»، أن الفندق بناه الاقتصادي المصري طلعت حرب باشا الصديق، المقرب إلى صدقة سعيد كعكي، مؤسس البنك الأهلي المصري وشركة مصر للطيران وكثير من الشركات الأخرى، وبعدها انتقلت ملكية الفندق إلى الحكومة السعودية، ثم إلى صدقة وسراج كعكي اللذين اشتريا الفندق حينما كان الملك فيصل والياً على الحجاز.

ويتألف الفندق من دورين، أرضي ودور أول، وكان ينزل فيه في حينها الملك فاروق قبل أن تهديه السعودية قصراً، وتحول بعدها إلى متحف عمارة الحرمين حالياً.

وأفاد محمد بأنّ صدقة وسراج كعكي، استكملا بناء الفندق ليكون على غرار الفنادق في أوروبا بكامل تجهيزاته وديكوراته، مبينا أنه كان ينزل فيه كبار الشخصيات والأمراء والمسؤولين في الدولة وضيوفها من الخارج.

وأشار إلى أن التجديدات التي أضيفت على الفندق فيما بعد قضت على كثير من ملامحه الأوروبية الممزوجة بالطرز الشرقية، وكان يحمل أجمل الذكريات الملكية في مكة، واحتضن أحداثاً تاريخية لكبار الشخصيات في الوطن العربي.

وأضاف محمد أنّ صدقة كعكي زاد بناء أدوار الفندق ليصبح فيما بعد ستة أدوار وشهد وجود أول مصعد لفندق في السعودية، حيث زامن ذلك صدقة كعكي الذي كان صديقاً مقرباً لطلعت حرب في مصر، وشاهد المصعد وطلب من الأخير نقله لفندقه في مكة، فوافق الأخير فنقله مهندس سوداني اسمه محمد أحمد شمد عام (1365هـ)، وأصرّ فيما بعد صدقة كعكي على نقل خدمات المهندس السوداني إلى مكة، حيث أسس فيما بعد أول مصنع للثلج في السعودية، واستمرت مرتبات المهندس شمد إلى أن توفاه الله في 1991، بتوصية خاصة من صدقة كعكي وفاء له.

ولفت إلى أن ملكية الفندق انتقلت بعد وفاة صدقة كعكي عام (1408هـ)، إلى شركة مصر للسياحة، بعد ذلك انتقلت الإدارة إلى مجموعة من المستثمرين وتغيرت ملامح الفندق كلياً خلافاً للطرز المعمارية القديمة التي عرفت عن الفندق ثم تولى إدارته محمد سعيد سراج كعكي، الذي جدّد الفندق تجديداً شاملاً وطوّره مما أهله للحصول على تصنيف 4 نجوم.

وكان طراز الفندق مزيجاً بين الصناعة الحديدية والخشبية في الأسقف والأرفف وحافظ على رونقه الذي اعتاد عليه كبار الشخصيات بشكل جمالي، والشبابيك الطولية المستوحاة من الثقافة الإنجليزية، والرخام المرصع بالنقوش العربية، والأعمدة الخشبية الثقيلة، ما جعل الفندق خليطاً من الجماليات الشرقية والغربية ومقصداً لكبار الشخصيات الملكية والأميرية وضيوف الدولة السعودية.

وأشار محمد إلى أنّ الفندق كان في عهد صدقة وسراج كعكي 147 غرفة وتحول إلى 193 غرفة ومطعمين كبيرين، موضحاً أنّه قد صُمم في مصر وأشرف على بنائه عبد المنان بخاري، وكان خلف الفندق أول آلة بخارية لرفع درجة حرارة المياه لتوفيرها للنزلاء فيه خصوصاً في الشتاء، وكانت ثورة تقنية في وقتها.

الفندق الذي أُزيل قبل أربع سنوات لصالح التوسعة السعودية الثالثة للحرم المكي، شهد آخر فصل من فصول الضيافة الفندقية الملكية، وظلّت جنباته تاريخاً يحكي لقصص الفنادق في مكة التي اشتهرت بإطلالاتها الجميلة على الحرم المكي، واختزلت معه أجمل الأحداث التاريخية لزيارات الملوك والرؤساء.


المصدر: الشرق الأوسط / ديسمبر 2017 م ـ 27 ربيع الأول 1439 هـ / مصدر الصورة : موقع قبلة الدنيا