لا تقول ما شفتني ...

قصة حدثت في مكة المكرمة أوائل القرن الرابع عشر الهجري. تجلت فيها معاني المروة والنخوة بطلها عمدة حارة الباب عبد الله قطش - رحمه الله أوردها الغزاوي في شذراته تحت عنوان (لا تقول ما شفتني):

سمعت هذه القصة من المعمرين – وقد حدثت في أوائل القرن الرابع عشر الهجري بمكة المكرمة:

وتتلخص في ان الشيخ عبد الله قطش كان من اثرياء الناس ومن أهل محلة الباب.. وكان له رفاق كثيرون يستخدمهم في مصانع النورة العائدة له ويسكن في داره وسط المحلة ... وله مركاز يجلس فيه لاستقبال زبائنه وبيع نورته ورخامه امام منزله... صباح مساء ... قالوا: وذات صباح مر به أحد معارفه من أهل الحارة. وهو مكتف الاتراك يسوقونه من المحكمة الى السجن أو العكس ... وكان متهما بالقتل او قاتلا...ووجبت عليه الدية... فصالح به: يابوصالح: لا تقول ما شفتني فأثار نخوته ومروءته وشفقته، فنفض يده من كل ما كان يمارسه من الاعمال حالا وانطلق الى البلد يبحث عن دلال العقارات. فوجده وأمره ان يبيع الدار سكناه وهي تضم افراد عائلته وأطفاله...لعدم توافر الدراهم لديه حينئذ ...وبالفعل لم تمض ساعات حتى اتاه بالثمن مبخوساً.. فأخذه وذهب الى أهل (المقتول) وتراضى معهم على دفع الدية وسلمهم إياها فورا وعاد يحمل معه العفو والتنازل وقدمه الى ذوي الشأن وفك رقبة صاحبه من القصاص وفقد دار سكناه. وسكن في دار سواها بالاجرة وماتزال الدار المذكورة قائمة في واجهة المحلة حتى اليوم ومعروفة بهذه المكرمة يتحدث بها الناس حتى الان.

واكتسب بذلك الاجر و الثواب و السمعة الطيبة الباقية تتناقلها الأجيال بعد الأجيال و (ما عندكم ينفذ , وما عند الله باق ) و ( أمة محمد الى خير ) ..و ( في ذلك فلينافس المتنافسون )

المصدر : شذرات الذهب لـ أحمد إبراهيم الغزاوي – المنهل الطبعة الأولى 1407هـ