فهيم شاعر مكي أسهم في تأسيس مدارس عسير قبل 70 عاما

"... لو لم يغادر مكة المكرمة وامتطى منابر الثقافة والمناسبات بها ونشر شعره في الصحف السيارة كما فعل معاصروه، حمزة شحاتة، محمد حسن عواد، حسين سرحان، حسين عرب، حسن قرشي، طاهر زمخشري، محمد حسن فقي، وغيرهم، لعدّ واحدا منهم وفيهم، ولا أدري أيتفوق عليهم أو على بعضهم، لما للبيئة المكية من غناء وروح مفعمة بالتحدي". هكذا كتب عنه الدكتور عبدالله الزيد، وهو يقدم لديوانه الذي جمعه وأطلق عليه اسم "المعلم الشاعر - ديوان عيسى علي فهيم- "1323 - 1391". وهو الرجل الذي حطت رحاله في محافظة رجال ألمع بمنطقة عسير، قبل أكثر من 70 عاما برفقة محمد عمر رفيع، حيث انطلقا لتنفيذ قرار المفتش الأول بمديرية المعارف العامة محمد شطا عام 1359 إنشاء أربع مدارس في عسير غير مدرسة أبها.

كيف اكتسب لقب فهيم؟
قبل أكثر من مئة عام وقف ابن الثامنة من عمره عيسى علي فلاتة أمام الشريف حسين في المدرسة الراقية بحارة الباب في مكة المكرمة، في محاورة مع أحد زملائه، ضمن فقرات احتفالات المدرسة الراقية بتمام الاختبار السنوي، ودار بينهما حوار "أشبه بمسرحية"، سئل فيه عن اسمه فقال: "نعم غريب على تكروني مثلي أن يحظى بالمثول بين يدي ملك العرب في بلاد العرب يتكلم بلسان العرب (وهاهنا قال له الملك استغفر الله يا ولدي) ثم خاطب عيسى رفيقه بقوله: القصة العجيبة وتصاريف الزمان أعجب، كنت كما تعلم وغيرك تكرونيا بكل معنى تستفيده من لفظ تكروني، أتجول في شوارع مكة المشرفة بصفة حامل بائس لا يعرف من الدنيا شيئا غير زنبيل فوق الرأس وحملة كالرس وأجرة لا ترضي النفس".

وتابعت تغطية جريدة "القبلة" التي غطت الاحتفالات في عدديها 310، و311 بتاريخي 25، و28 أغسطس 1919، ذاكرة أن عيسى أكمل" .. حتى وفق الله والدي فأنقذني وأدخلني مدرسة حارة الباب، فما كانت تلك الهوة إلا سحابة صيف عن قليل تقشع، فتبدلت الحال واستبدلت زنبيلي بكتابي وحبلي بقلمي، وقد كنت أحمل في الأول أثقالا، فحملت في الثاني علوما، فما أجدرني في الأولى أن أكون كالحمار يحمل أسفارا وفي الأخرى كزرع أنبت نباتا حسنا"، وهنا قال له الملك يا ولدي إن أكرمكم عند الله أتقاكم، كان اللقب تكرونيا، والآن فهيما، ومن هنا جاء لقب فهيم للشيخ عيسى علي فلاتة.

أبر مكة
عثرت "الوطن" ضمن آثار الشيخ فهيم في مقتنيات ابنه الدكتور محمد عيسى فهيم، على عدة مخطوطات تضم آثاره الشعرية، والنثرية مكتوبة بخط جميل، تحوي قصائد إخوانيات متبادلة بينه وبين عدد من أصدقائه، منهم محمد الهلالي ابن الشيخ إبراهيم زين العابدين الحفظي، قاضي رجال ألمع عام 1382، وعلوي العطاس، وعبدالله دردوم، ومنها أبيات قال عنها "نظمتها بمناسبة نزولنا بأبها في طريقنا إلى رجال ألمع لافتتاح مدرستها إعجابا بجوها الجميل، وذلك في ذي القعدة عام 1359:

"ألا سقيا لأبها من بلاد

عليل نسيمها يشفي العليلا

بلاد ما ألم بها غريب

وود مخيرا عنها الرحيلا" .

وحوت آثاره النثرية ما سماه الشيخ عيسى "وصف مختصر لقرية "رجال"، مما جاء فيه: قرية رجال، من أكبر قرى بلاد رجال ألمع وأعمرها وأكثرها سكانا، وهي عبارة عن كتلتين متقابلتين من البيوت تقع إحداهما شرقا والأخرى غربا، وكلتاهما على سفح جبل، ويتوسطهما واد ضيق صبب لا يمسك الماء لشدة انصبابه، وفي نفس الوادي بئران. تميزت القرية بقصور مبنية بالحجر والطين بناء محكما، وقل أن نجد بها بيتا خاصا بإنسان واحد، بل أكثرها موزع الملكية بأن يكون الطابق الأسفل لإنسان والأوسط لثان والأعلى لثالث وكهذا، ولا تخلو البيوت الشرقية من شبه بالبيوت القائمة على جبل أبي قبيس بمكة، ولهذا يسميها أهلها "رجال أبر مكة" أي ابن مكة بإبدال النون راء، وهذا جار كثيرا في لغتهم".

 رحلة شاقة
في عام 1359 وصل إلى أبها بعد ثلاثة أيام انطلق فيها من مسقط رأسه مكة المكرمة، برفقة محمد عمر رفيع صاحب كتاب "في ربوع عسير" الصادر عام 1954، وكان عليه أن يستريح في أبها قبل انطلاقته إلى مدرسة رجال ألمع مع أول مجموعة دخلتها من المعلمين لنشر التعليم الحديث بها، وظل بها عشر سنوات معلما، ونائبا لمدير مدرستها "رفيع"، ومكنته ثقافته وشاعريته من بناء أحسن العلاقات مع أهلها، بل مع أهالي منطقة عسير بأكملها، التي أصبح حاضرا فيها بشعره، حتى ولو لم يحضر بشخصه أصبح شعره يتلا نيابة عنه في المنتديات، وأصبح اسمه عالقا في ذاكرة أهل تلك المنطقة، سواء في رجال ألمع أو خارجها، فكان محلا للتقدير بعلاقات إنسانية سامية ظلت حية في خاطره، حتى بعد انتقاله مديرا لمدرسة بيشة في عام 1368، ثم تعيينه معتمدا لمديرية المعارف بأبها عام 1370 قبل أن يطلب العودة إلى جدة عام 1372.

- ولد بمكة المكرمة 1323

- مدرس برجال ألمع 1359 - 1363

- نائب مدير مدرسة رجال ألمع 1363 - 1368

- مدير مدرسة بيشة 1368 - 1370

- مدير مدرسة أبها 1370 - 1372

- معتمد المعارف بأبها 1372 - 1375

- مدير إدارة الصيانة بجدة 1375 1377-

- مدير الإشراف الاجتماعي بجدة 1277 - 1381

- رئيس قسم الصيانة والحركة بمكة 1283 - 1384

- أمين مكتبة بمكة 1384 -  1385

- توفي سنة  1391 هـ

نقلا عن جريدة الوطن |
04 صفر 1438 هـ